الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن أسر منهم فإن أشكل بلوغهم فمن لم ينبت فحكمه حكم طفل ومن أنبت فهو بالغ والإمام في البالغين بالخيار بين أن يقتلهم بلا قطع يد ولا عضو أو يسلم أهل الأوثان ويؤدي الجزية أهل الكتاب أو يمن عليهم أو يفاديهم بمال أو بأسرى من المسلمين أو يسترقهم فإن استرقهم أو أخذ منهم مالا فسبيله سبيل الغنيمة أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث ومن على أبي عزة الجمحي على أن لا يقاتله فأخفره وقاتله يوم أحد فدعا عليه أن لا يفلت فما أسر غيره ثم أسر ثمامة بن أثال الحنفي فمن عليه ثم أسلم وحسن إسلامه وفدى النبي عليه السلام رجلا من المسلمين برجلين من المشركين .

( قال ) وإن أسلموا بعد الأسر رقوا وإن أسلموا قبل الأسر فهم أحرار وإذا التقوا والعدو فلا يولوهم الأدبار قال ابن عباس " من فر من ثلاثة فلم يفر ومن فر من اثنين فقد فر " .

( قال الشافعي ) هذا على معنى التنزيل فإذا فر الواحد من الاثنين فأقل إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة من المسلمين قلت أو كثرت بحضرته أو مبينة عنه فسواء ونيته في التحرف والتحيز ليعود للقتال المستثنى المخرج من سخط الله فإن كان هربه على غير هذا المعنى خفت عليه إلا أن يعفو الله أن يكون قد باء بسخط من الله

( قال ) ونصب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الطائف منجنيقا أو عرادة ونحن نعلم أن فيهم النساء والولدان وقطع أموال بني النضير وحرقها وشن الغارة على بني المصطلق غارين وأمر بالبيات والتحريق وقطع بخيبر وهي بعد النضير وبالطائف وهي آخر غزوة غزاها قط عليه السلام لقي فيها قتالا فبهذا كله أقول وما أصيب بذلك من النساء والولدان فلا بأس ; لأنه على غير عمد فإن كان في دارهم أسارى مسلمون أو مستأمنون كرهت النصب عليهم بما يعم من التحريق والتغريق احتياطا غير محرم له تحريما بينا وذلك أن الدار إذا كانت مباحة فلا يبين أن يحرم بأن يكون فيها مسلم يحرم دمه ولكن لو التحموا فكان يتكامن التحامهم أن يفعلوا ذلك رأيت لهم أن يفعلوا وكانوا مأجورين لأمرين : أحدهما : الدفع عن أنفسهم . والآخر : نكاية عدوهم .

ولو كانوا غير ملتحمين فتترسوا بأطفالهم فقد قيل : يضرب المتترس منهم ولا يعمد الطفل وقد قيل : يكف ، ولو تترسوا بمسلم رأيت أن يكف إلا أن يكونوا ملتحمين فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما .

[ ص: 379 ] قال في كتاب حكم أهل الكتاب أعتق رقبة وقال في موضع آخر من هذا الكتاب : إن كان علمه مسلما فالدية مع الرقبة .

( قال المزني ) رحمه الله ليس هذا عندي بمختلف ولكنه يقول : إن كان قتله مع العلم بأنه محرم الدم فالدية مع الرقبة ، فإذا ارتفع العلم فالرقبة دون الدية ولذلك قال الشافعي : لو رمى في دار الحرب فأصاب مستأمنا ولم يقصده فليس عليه إلا رقبة ، ولو كان علم بمكانه ثم رماه غير مضطر إلى الرمي فعليه رقبة ودية .

ولو أدركونا وفي أيدينا خيلهم أو ماشيتهم لم يحل قتل شيء منها ولا عقره إلا أن يذبح لمأكله ولو جاز ذلك لغيظهم بقتلهم طلبنا غيظهم بقتل أطفالهم ، ولكن لو قاتلونا على خيلهم فوجدنا السبيل إلى قتلهم بأن نعقر بهم فعلنا ; لأنها تحتهم أداة لقتلنا وقد عقر حنظلة بن الراهب بأبي سفيان بن حرب يوم أحد فانكسعت به فرسه فسقط عنها فجلس على صدره ليقتله فرآه ابن شعوب فرجع إليه فقتله واستنقذ أبا سفيان من تحته .

وقال في كتاب حكم أهل الكتاب : وإنما تركنا قتل الرهبان اتباعا لأبي بكر الصديق رضي الله عنه وقال في كتاب السير ويقتل الشيوخ والأجراء والرهبان قتل دريد بن الصمة ابن خمسين ومائة سنة في شجار لا يستطيع الجلوس فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر قتله .

( قال ) ورهبان الديات والصوامع والمساكن سواء ولو ثبت عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه خلاف هذا لأشبه أن يكون أمرهم بالجد على قتال من يقاتلهم ولا يتشاغلون بالمقام على الصوامع عن الحرب كالحصون لا يشغلون بالمقام بها عما يستحق النكاية بالعدو وليس أن قتال أهل الحصون حرام ، وكما روي عنه أنه نهى عن قطع الشجر المثمر ولعله لأنه قد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع على بني النضير وحضره يترك وعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم وعدهم بفتح الشام فترك قطعه لتبقى لهم منفعته إذا كان واسعا لهم ترك قطعه .

( قال المزني ) رحمه الله : هذا أولى القولين عندي بالحق ; لأن كفر جميعهم واحد وكذلك حل سفك دمائهم بالكفر في القياس واحد ، قال : وإذا أمنهم مسلم حر بالغ أو عبد يقاتل أو لا يقاتل أو امرأة فالأمان جائز قال صلى الله عليه وسلم { المسلمون يد على من سواهم يسعى بذمتهم أدناهم } ولو خرجوا إلينا بأمان صبي أو معتوه كان علينا ردهم إلى مأمنهم ; لأنهم لا يعرفون من يجوز أمانه لهم ومن لا يجوز ، ولو أن علجا دل مسلمين على قلعة على أن له جارية سماها فلما انتهوا إليها صالح صاحب القلعة على أن يفتحها لهم ويخلوا بينه وبين أهله ففعل فإذا أهله تلك الجارية . فأرى أن يقال للدليل : إن رضيت العوض عوضناك بقيمتها وإن أبيت قيل لصاحب القلعة : أعطيناك ما صالحنا عليه غيرك بجهالة فإن سلمتها عوضناك وإن لم تفعل نبذنا إليك وقاتلناك فإن كانت أسلمت قبل الظفر أو ماتت عوض ولا يبين ذلك في الموت كما يبين إذا أسلمت .

التالي السابق


الخدمات العلمية