الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة : قال قائل : ليس من شرط الأمر عندكم كون المأمور موجودا

              فإن قال قائل : ليس من شرط الأمر عندكم كون المأمور موجودا .

              إذ قضيتم بأن الله تعالى آمر في الأزل لعباده قبل خلقهم ، فكيف شرطتم كون المكلف سميعا عاقلا والسكران والناسي والصبي والمجنون أقرب إلى التكليف من المعدوم ؟ قلنا : ينبغي أن يفهم معنى قولنا إن الله تعالى آمر وإن المعدوم مأمور ، فإنا نعني به أنه مأمور على تقدير الوجود أنه مأمور في حالة العدم ، إذ ذلك محال ; لكن أثبت الذاهبون إلى إثبات كلام النفس أنه لا يبعد أن يقوم بذات الأب طلب تعلم العلم من الولد الذي سيوجد ، وإنه لو قدر بقاء ذلك الطلب حتى وجد الولد صار الولد مطالبا بذلك الطلب ومأمورا به ، فكذلك المعنى القائم بذات الله تعالى الذي هو اقتضاء الطاعة من العباد قديم تعلق بعباده على تقدير وجودهم ، فإذا وجدوا صاروا مأمورين بذلك الاقتضاء .

              ومثل هذا جار في حق الصبي والمجنون ، فإن انتظار العقل لا يزيد على انتظار الوجود . ولا يسمى هذا المعنى في الأزل خطابا إنما يصير خطابا إذا وجد المأمور وأسمع . وهل يسمى أمرا ؟ فيه خلاف ، والصحيح أنه يسمى به إذ يحسن أن يقال فيمن أوصى أولاده بالتصدق بماله أن يقال فلان أمر أولاده بكذا وإن كان بعض أولاده مجتنا في البطن أو معدوما ، ولا يحسن أن يقال خاطب أولاده إلا إذا حضروا وسمعوا ، ثم إذا أوصى فنفذوا وصيته يقال : قد أطاعوه وامتثلوا أمره ; مع أن الآمر الآن معدوم والمأمور كان وقت وجود الآمر معدوما .

              وكذلك نحن الآن بطاعتنا ممتثلون أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو معدوم عن عالمنا هذا وإن كان حيا عند الله تعالى ، فإذا لم يكن وجود الأمر شرطا لكون المأمور مطيعا ممتثلا ، فلم يشترط وجود المأمور لكون الأمر أمرا فإن قيل : أفتقولون إن الله تعالى في الأزل آمر للمعدوم على وجه الإلزام ، قلنا : نعم ، نحن نقول هو آمر لكن على تقدير الوجود كما يقال الوالد موجب وملزم على أولاده التصدق إذا عقلوا وبلغوا ، [ ص: 69 ] فيكون الإلزام والإيجاب حاصلا ولكن بشرط الوجود والقدرة ولو قال لعبده : صم غدا فقد أوجب وألزم في الحال صوم الغد ، ولا يمكن صوم الغد في الوقت بل في الغد وهو موصوف بأنه ملزم وموجب في الحال .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية