الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية التاسعة والعشرون قوله تعالى : { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }

                                                                                                                                                                                                              استدل بها علماؤنا على وجوب تبليغ الحق وبيان العلم على الجملة .

                                                                                                                                                                                                              وللآية تحقيق هو أن العالم إذا قصد الكتمان عصى ، وإذا لم يقصده لم يلزمه التبليغ إذا عرف أن معه غيره .

                                                                                                                                                                                                              قال عثمان رضي الله عنه : لأحدثنكم حديثا لولا آية في كتاب الله عز وجل ما حدثتكموه : [ ص: 73 ] قال عروة : الآية { إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب }

                                                                                                                                                                                                              قال أبو هريرة : إن الناس يقولون أكثر أبو هريرة ، والله لولا آية في كتاب الله ما حدثت شيئا ، ثم تلا هذه الآية ، وكان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لا يحدثان بكل ما سمعا من النبي صلى الله عليه وسلم إلا عند الحاجة إليه .

                                                                                                                                                                                                              وكان الزبير أقلهم حديثا مخافة أن يواقع الكذب ; ولكنهم رأوا أن العلم عم جميعهم فسيبلغ واحد إن ترك آخر .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : فالتبليغ فضيلة أو فرض ، فإن كان فرضا فكيف قصر فيه هؤلاء الجلة كأبي بكر ، وعمر ، والزبير ، وأمثالهم ، وإن كان فضيلة فلم قعدوا عنها ؟ فالجواب : أن من سئل فقد وجب عليه التبليغ لهذه الآية ; ولما روى أبو هريرة وعمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار } وأما من لم يسأل فلا يلزمه التبليغ إلا في القرآن وحده .

                                                                                                                                                                                                              وقد قال سحنون : إن حديث أبي هريرة وعمرو هذا إنما جاء في الشهادة .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 74 ] والصحيح عندي ما أشرنا إليه من أنه إن كان هناك من يبلغ اكتفي به ، وإن تعين عليه لزمه ، وسكت الخلفاء عن الإشارة بالتبليغ ; لأنهم كانوا في المنصب من يرد ما يسمع أو يمضيه مع علمهم بعموم التبليغ فيه ، حتى إن عمر كره كثرة التبليغ ، وسجن من كان يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ; وقد بينا تحقيقه في شرح الحديث الصحيح .

                                                                                                                                                                                                              وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضيلة التبليغ أنه قال : { نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها } . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية