الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          ومن أدب الدعاء بسط يديه ، ورفعهما إلى صدره ، ومرادهم وكشفهما أولى ، ومثله رفعهما في التكبير روى أبو داود بإسناد حسن عن مالك بن بشار مرفوعا : { إذا سألتم الله فاسألوه ببطون أكفكم ، ولا تسألوه بظهورها } ورواه أيضا من حديث ابن عباس وهو ضعيف ، وفيه الأمر بمسح الوجه ، وفيه المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما والاستغفار أن نشير بأصبع واحدة ، والابتهال أن تمد يديك جميعا ، ورفع يديه ، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه وقد رواه الحاكم ولأحمد عن يزيد عن حماد ، عن ثابت ، عن أنس : { أنه عليه السلام كان إذا دعا جعل ظاهر كفيه مما يلي وجهه ، وباطنهما مما يلي الأرض } حديث صحيح ، ومراده أحيانا ، لرواية أبي داود ، وعنه { رأيته عليه السلام يدعو هكذا بباطن [ ص: 457 ] كفيه وظاهرهما } وفي الاستسقاء ، وهو ظاهر كلام شيخنا ، أو مراده دعاء الرهبة على ما ذكر ابن عقيل وجماعة أن دعاء الرهبة بظهر الكف ، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ، مع أن بعضهم ذكر فيه وجها ، وأطلق جماعة الرفع فيه ، فظاهره كغيره ، واختاره شيخنا ، وقال صار كفهما نحو السماء لشدة الرفع لا قصدا له وإنما كان بوجه بطنهما مع القصد ، وأنه لو كان قصده فغيره أكثر وأشهر ، قال : ولم يقل أحد ممن يرى رفعهما في القنوت أن يرفع ظهورهما ، بل بطونهما ولأحمد بسند ضعيف عن خلاد بن السائب عن أبيه { أنه عليه السلام كان إذا سأل الله جعل باطن كفيه إليه ، وإذا استعاذ جعل ظاهرهما إليه } ، والبدأة بحمد الله والثناء عليه .

                                                                                                          وقال شيخنا وغيره ، وختمه به والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أوله وآخره ، قال الآجري ووسطه لخبر جابر وسؤاله بأسمائه وصفاته بدعاء جامع مأثور ، قالت عائشة رضي الله عنها { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء ويدع ما سوى ذلك } رواه أبو داود بإسناد جيد بتأدب وخشوع وخضوع بعزم ورغبة وحضور قلب ورجاء .

                                                                                                          وقال جماعة : لا يستجاب من قلب غافل رواه أحمد وغيره من حديث عبد الله بن عمر ، ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة ، وفيهما { ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة } ويكون متطهرا مستقبل القبلة ، ويلح ، ويكرره ثلاثا .

                                                                                                          وفي الصحيحين { أنه عليه السلام برك على خيل أحمس ورجالها خمسا } ولا يسأم من تكرارها في أوقات ، ولا يعجل .

                                                                                                          وفي الصحيحين أو في [ ص: 458 ] الصحيح عنه عليه السلام { يستجاب لأحدكم ما لم يعجل قالوا : وكيف يعجل يا رسول الله ؟ قال يقول قد دعوت فلم أر يستجيب لي ، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء بل ينتظر الفرج من الله سبحانه فهو عبادة أيضا } .

                                                                                                          روى الترمذي عن ابن مسعود مرفوعا { سلوا الله من فضله ، فإن الله يحب أن يسأل ، وأفضل العبادة انتظار الفرج } قال سفيان بن عيينة : لم يأمره بالمسألة إلا ليعطي ، وقد روى الترمذي وصححه من حديث عبادة { ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها ، أو صرف عنه من السوء مثلها ، ما لم يدع بأثم ، أو قطيعة رحم ، فقال رجل من القوم : إذا نكثر ؟ قال : الله أكثر } .

                                                                                                          ولأحمد من حديث أبي سعيد مثله ، وفيه { إما أن يعجلها ، أو يدخرها له في الآخرة ، أو يصرف عنه من السوء مثلها } ويجتنب السجع ، أي قصده ، وسئل ابن عقيل هل يجوز أن يقال في القرآن سجع ؟ فأجاب بالجواز ، كقوله تعالى { وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد } { ذلك ما كنت منه تحيد } { ذلك يوم الوعيد } وكما في الشمس ، والذاريات ، و " ص " ، قال ابن الصيرفي : لو سكت ابن عقيل عن هذا كان أحسن ، وأجاب قبله بمثله الغزالي ، وسأله صالح عن الاعتداء فقال : يدعو بدعاء معروف ، وظاهر كلام بعضهم يكره الاعتداء في الدعاء ، وحرمه شيخنا ، واحتج بقوله تعالى { إنه لا يحب المعتدين } وبالأخبار فيه ، قال : ويكون [ الاعتداء ] في نفس الطلب ، وفي نفس المطلوب وفي الفصول في آخر [ ص: 459 ] الجمعة الإسرار بالدعاء عقب الصلاة أفضل ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الإفراط في الدعاء ، وهو يرجع إلى ارتفاع الصوت ، وكثرة الدعاء ، كذا قال ، ويبدأ بنفسه ، قاله بعضهم ، وقال بعضهم يعمم ( م 27 ) وفي الصحيحين من حديث أبي بن كعب في قصة موسى والخضر عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : رحمة الله علينا وعلى موسى ; لو صبر لرأى العجب } قال : { وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه : رحمة الله علينا وعلى أخي } وفي الترمذي بإسناد صحيح .

                                                                                                          وقال حسن صحيح عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم كان { إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه } ، وعن أبي الدرداء مرفوعا { دعوة المسلم لأخيه في ظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به : ولك بمثل ذلك } رواه مسلم .

                                                                                                          ولأبي داود { قالت الملائكة آمين ، ولك بمثل ذلك } ، وعن عبد الله بن عمر مرفوعا { أسرع الدعاء إجابة دعوة غائب لغائب } إسناده ضعيف ، رواه أبو داود والترمذي ، وسبق حديث عائشة الذي رواه أبو داود ، وفي السنن { أنه سمع عليا رضي الله عنه يدعو فقال يا علي ، عم ، فإن فضل العموم على الخصوص كفضل السماء على الأرض } ويؤمن المستمع ، وتأمينه في أثناء دعائه وختمه به متجه ، للأخبار ، وذكر شيخنا أيضا ختمه به ويكره رفع بصره ، ذكره في الغنية من الأدب ، [ ص: 460 ] وهو قول شريح وآخرين ، وظاهر كلام جماعة ، واختاره شيخنا في الأجوبة المصرية الأصولية لفعله عليه السلام ( و م ش ) قال : وذكر بعض أصحابنا خلافا بيننا في كراهته ، قال شيخنا وما علمت أحدا استحبه ، كذا قال ، وصح عنه عليه السلام { أنه كان إذا خرج من بيته رفع نظره إلى السماء ودعا بالتعوذ المشهور } وفي جامع القاضي رواية حنبل أنه يستحب في أذان وإقامة رفع وجهه إلى السماء ، وكذا الإشارة بأصبعه في التشهد ، قال وكذا يستحب الإشارة إلى نحو السماء في الدعاء ولمسلم من حديث المقداد { أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم أطعم من أطعمني ، واسق من سقاني } وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء ، وقال : سبحان الله العظيم وإذا اجتهد في الدعاء قال يا حي يا قيوم } رواه الترمذي من رواية إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف ، ويأتي في صلاة الليل خبر ابن عباس في قراءته عليه السلام وهو ينظر إلى السماء .

                                                                                                          وقال الآجري فيه وفي الاعتداء في الجهر ورفع اليدين منكر ، لا يجوز ، وشرطه الإخلاص ، قال الآجري واجتناب الحرام ، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره أنه من الأدب .

                                                                                                          وقال شيخنا تبعد إجابته ، إلا مضطرا أو مظلوما ، قال وذكر القلب وحده أفضل من ذكر اللسان وحده ، وظاهر كلام بعضهم عكسه وانتظار الصلاة يأتي في آخر الجمعة ، ويأتي في أوائل ذكر أهل الزكاة سؤال الغير الدعاء . .

                                                                                                          [ ص: 456 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 456 ] تنبيه : قوله : وسأله صالح عن الاعتداء قال يدعو بدعاء معروف كذا في أكثر النسخ ووجد في بعضها يدعو بدعاء غير معروف وهو أولى لأنه طبق السؤال وعلى الأول يكون ابتداء كلام ومراده يدعو بدعاء معروف لا غير معروف . [ ص: 457 - 459 ]

                                                                                                          ( مسألة 27 ) قوله ويبدأ بنفسه قاله بعضهم ، وقال بعضهم : يعمم انتهى ، قلت الثاني أولى ، ولو قيل هو مخير كان متجها .




                                                                                                          الخدمات العلمية