الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6673 ) مسألة ; قال : ( وإذا قتل رجل اثنين ، واحدا بعد واحد ، فاتفق أولياء الجميع على القود ، أقيد لهما . وإن أراد ولي الأول القود ، والثاني الدية ، أقيد للأول ، وأعطي أولياء الثاني الدية من ماله . وكذلك إن أراد أولياء الأول الدية ، والثاني القود ) وجملة ذلك أنه إذا قتل اثنين ، فاتفق أولياؤهما على قتله بهما ، قتل بهما . وإن أراد أحدهما القود ، والآخر الدية ، قتل لمن اختار أراد القود ، وأعطي أولياء الثاني الدية من ماله ، سواء كان المختار للقود الثاني أو الأول ، وسواء قتلهما دفعة واحدة ، أو دفعتين . فإن بادر أحدهما فقتله ، وجب للآخر الدية في ماله ، أيهما كان .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة ، ومالك : يقتل بالجماعة ، ليس لهم إلا ذلك ، وإن طلب بعضهم الدية ، فليس له ، وإن بادر أحدهم فقتله ، سقط حق الباقين ; لأن الجماعة لو قتلوا واحدا قتلوا به ، فكذلك إذا قتلهم واحد قتل بهم ، كالواحد بالواحد . وقال الشافعي : لا يقتل إلا بواحد ، سواء اتفقوا على طلب القصاص أو لم يتفقوا ; لأنه إذا كان لكل واحد استيفاء القصاص ، فاشتراكهم في المطالبة لا يوجب تداخل حقوقهم ، كسائر الحقوق . ولنا على أبي حنيفة ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { فمن قتل له قتيل ، فأهله بين خيرتين ; إن أحبوا قتلوا ، وإن أحبوا أخذوا العقل } . فظاهر هذا أن أهل كل قتيل يستحقون ما اختاروه من القتل أو الدية ، فإذا اتفقوا على القتل وجب لهم ، وإن اختار بعضهم الدية ، وجب له بظاهر الخبر ، ولأنهما جنايتان لا يتداخلان إذا كانتا خطأ أو إحداهما ، فلم يتداخلا في العمد ، كالجنايات على الأطراف ، وقد سلموها .

                                                                                                                                            ولنا على الشافعي ، أنه محل تعلق به حقان ، لا يتسع لهما معا ، رضي المستحقان به عنهما ، فيكتفي به كما لو قتل عبد [ ص: 250 ] عبدين خطأ فرضي بأخذه عنهما ، ولأنهما رضيا بدون حقهما فجاز ، كما لو رضي صاحب الصحيحة بالشلاء ، أو ولي الحر بالعبد ، وولي المسلم بالكافر . وفارق ما إذا كان القتل خطأ ; فإن الجناية تجب في الذمة ، والذمة تتسع لحقوق كثيرة .

                                                                                                                                            وما ذكره مالك وأبو حنيفة فليس بصحيح ; فإن الجماعة قتلوا بالواحد ، لئلا يؤدي الاشتراك إلى إسقاط القصاص ، تغليظا للقصاص ، ومبالغة في الزجر ، وفي مسألتنا ينعكس هذا ، فإنه إذا علم أن القصاص واجب عليه بقتل واحد ، وأن قتل الثاني والثالث لا يزداد به عليه حق ، بادر إلى قتل من يريد قتله ، وفعل ما يشتهي فعله ، فيصير هذا كإسقاط القصاص عنه ابتداء مع الدية . ( 6674 ) فصل : وإن طلب كل ولي قتله بوليه ، مستقلا من غير مشاركة ، قدم الأول ; لأن حقه أسبق ، ولأن المحل صار مستحقا له بالقتل الأول . فإن عفا ولي الأول ، فلولي الثاني قتله . وإن طالب ولي الثاني قبل طلب الأول ، بعث الحاكم إلى ولي الأول فأعلمه . وإن بادر الثاني فقتله ، أساء ، وسقط حق الأول إلى الدية . وإن كان ولي الأول غائبا أو صغيرا أو مجنونا ، انتظر .

                                                                                                                                            وإن عفا أولياء الجميع إلى الديات ، فلهم ذلك . وإن قتلهم دفعة واحدة ، وتشاحوا في المستوفي ، أقرع بينهم ، فقدم من تقع له القرعة ; لتساوي حقوقهم . وإن بادر غيره فقتله ، استوفى حقه ، وسقط حق الباقين إلى الدية . وإن قتلهم متفرقا ، وأشكل الأول ، أو ادعى كل ولي أنه الأول ، ولا بينة لهم ، فأقر القاتل لأحدهم ، قدم بإقراره ، وإن لم يقر ، أقرعنا بينهم ; لاستواء حقوقهم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية