الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3496 [ ص: 290 ] 3699 - حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن سعيد، عن قتادة، أن أنسا- رضي الله عنه- حدثهم قال: صعد النبي- صلى الله عليه وسلم- أحدا، ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فرجف وقال: " اسكن أحد-أظنه ضربه برجله- فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان". [انظر: 3675- فتح: 7 \ 53]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              في كنيته قولان آخران: أبو عبد الله، وأبو ليلى، ووالده عفان-أبو العاصي- بن أمية بن عبد شمس الأموي، ذو النورين، مهاجر الهجرتين، ومن تستحيي منه الملائكة، وجامع القرآن بعد الاختلاف، ومن السابقين الأولين المشهود لهم بالجنة.

                                                                                                                                                                                                                              أمه: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها أم حكيم البيضاء عمة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقيل: ولد بعد الفيل، وفر بدينه إلى الحبشة مع زوجته رقية، ومناقبه جمة موضحة في الكتاب السالف.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر البخاري أحاديث مسندة ومعلقة، فقال: وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "من يحفر بئر رومة فله الجنة" فحفرها عثمان. وقد سلف في الشرب.

                                                                                                                                                                                                                              وقال: "من جهز جيش العسرة فله الجنة". فجهزه عثمان.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: هي غزوة تبوك سنة تسع، وقيل: حمل فيها على تسعمائة بعير، ثم بستين فرسا أتم بها الألف وقيل: كمل له فيها ألف بعير، ومائتا فرس وألف دينار.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: هنا (فجهزه)، وفي موضع آخر أنه ندبه فأتى بدنانير وأفراس ثم ندبه فأتى بشيء ثم ندبه فأتى بشيء آخر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 291 ] ثم أسند حديث أبي موسى السالف: "بشره بالجنة على بلوى تصيبه" وزاد هنا: فسكت هنيهة ثم قال ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال البخاري: حماد: وثنا عاصم الأحول وعلي بن الحكم، سمعا أبا عثمان يحدث، عن أبي موسى بنحوه، وزاد فيه عاصم أنه- صلى الله عليه وسلم- كان قاعدا في مكان فيه ماء، قد انكشف عن ركبتيه-أو ركبته- فلما دخل عثمان غطاها.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا أسنده عبد الله بن أحمد في "فضائل عثمان- رضي الله عنه-" عن هدبة: ثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي موسى، وعلي بن الحكم البناني ثنا أبو عثمان فذكره بزيادة: "بلوى شديدة تصيبه"، ووهم الداودي هذه الرواية فقال: هذه الرواية وهم ليس من هذا الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أدخل بعض الرواة حديثا في حديث: إنما أتى أبو بكر إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته فكشف فخذه، فجلس أبو بكر، ثم أتى عمر كذلك، ثم أستأذن عثمان فغطى النبي- صلى الله عليه وسلم- فخذه، فقيل له في ذلك; فقال: "إن عثمان رجل حيي، فإن وجدني على تلك الحالة لم يبلغ حاجته". وأيضا: فإن عثمان أولى بالاستحياء لكونه ختنه، فزوج البنت أكثر حياء من أبي الزوجة، يوضحه إرسال علي- رضي الله عنه- ليسأل عن حكم المذي.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث يونس، قال ابن شهاب، أخبرني عروة أن (عبيد) الله بن عدي بن الخيار أخبره، أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 292 ] الأسود بن عبد يغوث
                                                                                                                                                                                                                              قالا: ما يمنعك أن تكلم عثمان لأخيه الوليد فقد أكثر الناس فيه؟ إلى أن قال: ثم استخلفت، أفليس لي من الحق مثل الذي لهم؟ قلت: بلى. قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟ أما ما ذكرت من شأن الوليد، فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله، ثم دعا عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين.

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث مخالف لما رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن المختار عن الداناج عبد الله بن فيروز، عن أبي ساسان حصين بن المنذر، عن علي- رضي الله عنه- أنه جلده عبد الله بن جعفر وعلي- رضي الله عنه- يعد فلما بلغ أربعين قال علي: أمسك، جلد النبي- صلى الله عليه وسلم- أربعين وجلد أبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة.

                                                                                                                                                                                                                              وقد أعاده البخاري في هجرة الحبشة بعد، على الصواب من حديث معمر عن الزهري به، وقال فيه: فجلد الوليد أربعين جلدة، وأمر عليا أن يجلده، وكان هو يجلده.

                                                                                                                                                                                                                              ورواية: (ثمانين) حجة لمالك، ورواية: (أربعين) حجة للشافعي، والزائد تعزيرات، وفي أبي داود أنه لما أمر عثمان عليا أن يضربه قال لابنه الحسن: قم فاضربه، فقال الحسن: ول حارها من تولى قارها; فأمر علي عبد الله بن جعفر فضربه، فلما انتهى إلى أربعين، قال: خل عنه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 293 ] وقول عثمان- رضي الله عنه-: (أعوذ بالله منك) خشي أن ينقم عليه ما هو فيه مظلوم فيضيق بذلك صدره، وفي رواية: أن عبد الله لما أتاه رسول عثمان خشيه، وكان عثمان أتقى لله من ذلك، وما جرأ الناس عليه إلا حلمه.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (صحبت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-ورأيت هديه) خشي أن يقول: إنك خالفت هديه; لقوله: (ورأيت هديه).

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث ابن عمر- رضي الله عنهما-: كنا في زمن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- لا نفضل بين أحد منهم.

                                                                                                                                                                                                                              تابعه عبد الله بن صالح عن عبد العزيز-يعني: ابن الماجشون- أي: تابع شاذان على روايته عن عبد العزيز; هو ظاهر في تفضيل عثمان على علي- رضي الله عنهما-.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ثم نترك أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-). الظاهر إطلاقه وإقراره عليه، وقد روى ابن زنجويه في "فضائله" بزيادة: فبلغ ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فلم ينكره، ورواه الطبراني في "أكبر معاجمه": من قول ابن عمر أيضا: كنا نقول ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- حي، أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر، وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ولا يكره ذلك.

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن التين: لم يذكر أن ذلك كان بعلمه- صلى الله عليه وسلم- وقد يكون ذلك من رجلين أو النفر اليسير، وقد قال عثمان- رضي الله عنه- في الزبير- رضي الله عنه- إنه لخيرهم ما علمت، ذكره البخاري في مناقبه.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 294 ] وقال عبد الرحمن بن عوف: (لينظرن أفضلهم في نفسه)، فلم يفضل منهم أحدا، ولم ينكره عليه أحد.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث عثمان-هو ابن موهب- قال: جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا، فذكر قول ابن عمر في عثمان الوجوه التي عابه بها، وسكت عن ذكر مناقبه، ولو أخبر أنه بشر بالجنة كان أغيظ للسائل.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: أن المبتدع لا يخرج من الملة، وكان عثمان- رضي الله عنه- عام الحديبية بعثه- صلى الله عليه وسلم- ليختبر له الأمر بمكة، ثم أشفق عليه، فكانت البيعة من أجله، ويد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا تعدلها يد.

                                                                                                                                                                                                                              ثم ذكر حديث أنس في رجف أحد بهم، وقد سلف في مناقب الصديق والفاروق، وفي مسلم كان- صلى الله عليه وسلم- على حراء هو وهم، وزيادة علي وطلحة والزبير: فتحركت الصخرة فقال- صلى الله عليه وسلم-: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد".




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية