الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر هجاء يزيد بن مفرغ الحميري بني زياد وما كان منه

كان يزيد بن مفرغ الحميري مع عباد بن زياد بسجستان ، فاشتغل عنه بحرب الترك ، فاستبطأه ابن مفرغ ، وأصاب الجند الذين مع عباد ضيق في علوفات دوابهم ، فقال ابن مفرغ :


ألا ليت اللحى كانت حشيشا فنعلفها خيول المسلمينا



وكان عباد بن زياد عظيم اللحية ، فقيل : ما أراد غيرك . فطلب فهرب منه وهجاه بقصائد ، وكان مما هجاه به قوله :


إذا أودى معاوية بن حرب     فبشر شعب رحلك بانصداع
فأشهد أن أمك لم تباشر     أبا سفيان واضعة القناع



[ ص: 115 ]

ولكن كان أمرا فيه لبس     على وجل شديد وارتياع



وقال أيضا :


ألا أبلغ معاوية بن حرب     مغلغلة من الرجل اليماني


أتغضب أن يقال أبوك عف     وترضى أن يقال أبوك زان
فأشهد أن رحمك من زياد     كرحم الفيل من ولد الأتان



وقدم يزيد بن مفرغ البصرة وعبيد الله بن زياد بالشام عند معاوية ، فكتب إليه أخوه عباد بما كان منه ، فأعلم عبيد الله معاوية به وأنشده الشعر واستأذنه في قتل ابن مفرغ ، فلم يأذن له وأمره بتأديبه .

ولما قدم ابن مفرغ البصرة استجار بالأحنف وغيره من الرؤساء فلم يجره أحد ، فاستجار بالمنذر بن الجارود فأجاره وأدخله داره ، وكانت ابنته عند عبيد الله بن زياد ، فلما قدم عبيد الله البصرة أخبر بمكان ابن مفرغ ، وأتى المنذر عبيد الله مسلما ، فأرسل عبيد الله الشرط إلى دار المنذر فأخذوا ابن مفرغ وأتوه به والمنذر عنده ، فقال له المنذر : أيها الأمير إني قد أجرته ! فقال : يا منذر يمدحك وأباك ويهجوني وأبي وتجيره علي ! ثم أمر به فسقي دواء ثم حمل على حمار وطيف به وهو يسلح في ثيابه ، فقال يهجو المنذر :


تركت قريشا أن أجاور فيهم     وجاورت عبد القيس أهل المشقر
أناس أجارونا فكان جوارهم     أعاصير من فسو العراق المبذر



[ ص: 116 ]

فأصبح جاري من جذيمة نائما     ولا يمنع الجيران غير المشمر



فقال لعبيد الله :


يغسل الماء ما صنعت وقولي     راسخ منك في العظام البوالي


ثم سيره عبيد الله إلى أخيه عباد بسجستان ، فكلمت اليمانية بالشام معاوية فيه ، فأرسل إلى عباد فأخذه من عنده ، فقدم على معاوية وقال في طريقه :


عدس ما لعباد عليك إمارة     أمنت وهذا تحملين طليق
لعمري لقد نجاك من هوة الردى     إمام وحبل للأنام وثيق
سأشكر ما أوليت من حسن نعمة     ومثلي بشكر المنعمين حقيق



فلما دخل على معاوية بكى وقال : ركب مني ما لم يركب من مسلم مثله على غير حدث ، قال : أولست القائل :

ألا أبلغ معاوية بن حرب

القصيدة ؟

فقال : لا والله الذي عظم حق أمير المؤمنين ما قلت هذا ، وإنما قاله عبد الرحمن بن الحكم أخو مروان واتخذني ذريعة إلى هجاء زياد .

قال : ألست القائل :


    فأشهد أن أمك لم تباشر
أبا سفيان واضعة القناع



في أشعار كثيرة هجوت بها ابن زياد ؟ اذهب فقد عفونا عنك فانزل أي أرض الله شئت .

فنزل الموصل وتزوج بها .

فلما كان ليلة بنائه بامرأته خرج حين أصبح إلى [ ص: 117 ] الصيد فلقي إنسانا على حمار .

فقال : من أين أقبلت ؟ فقال : من الأهواز .

قال : فما فعل ( ماء مسرقان ) ؟ قال : على حاله .

فارتاح إلى البصرة فقدمها ودخل على عبيد الله فآمنه .

وغضب معاوية على عبد الرحمن بن الحكم فكلم فيه فقال : لا أرضى عنه حتى يرضى عنه ابن زياد .

فقدم البصرة على عبيد الله وقال له :


لأنت زيادة في آل حرب     أحب إلي من إحدى بناتي
أراك أخا وعما وابن عم     فلا أدري بغيب ما تراني



[ فقال ] : أراك شاعر سوء ! ورضي عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية