الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب ذكر الاستفتاح بين التكبير والقراءة

                                                                                                                                            681 - ( عن أبي هريرة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة ، فقلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد } رواه الجماعة إلا الترمذي )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله " هنيهة " في رواية هنية قال النووي : وأصله هنوة فلما صغرت صارت هنيوة فاجتمعت ياء وواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء ثم أدغمت ، وقد تقلب هاء كما هو في رواية الكتاب ، قال النووي أيضا : والهمزة خطأ . وقال القرطبي : إن أكثر الرواة قالوه بالهمز . قوله : ( بأبي أنت وأمي ) هو متعلق بمحذوف إما اسم أو فعل والتقدير أنت مفدي وأفديك . قوله : ( أرأيت ) الظاهر أنه يفتح التاء بمعنى أخبرني . قوله : ( ما تقول ) فيه إشعار بأنه قد فهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول قولا . قال ابن دقيق العيد : ولعله استدل على أصل القول بحركة الفم كما استدل على غيره على القراءة باضطراب اللحية :

                                                                                                                                            قوله : ( باعد ) قال الحافظ : المراد بالمباعدة محو ما حصل منها يعني الخطايا والعصمة عما سيأتي منها انتهى .

                                                                                                                                            وفي هذا اللفظ مجازان الأول : استعمال المباعدة التي هي في الأصل للأجسام في مباعدة المعاني

                                                                                                                                            الثاني : استعمال المباعدة في الإزالة بالكلية مع أن أصلها لا يقتضي الزوال ، وموضع التشبيه أن التقاء المشرق والمغرب مستحيل ، وكأنه أراد أن لا يقع منهما اقتراب بالكلية ، وكرر لفظ بين لأن العطف . على الضمير المجرور يعاد فيه الخافض . قوله : نقني بتشديد القاف وهو مجاز عن زوال الذنوب ومحوها بالكلية . قال الحافظ : ولما كان الدنس في الثوب الأبيض أظهر من غيره من الألوان وقع التشبيه به والدنس الوسخ الذي يدنس الثوب . قوله : ( بالثلج والماء والبرد ) جمع بين الثلاثة تأكيدا أو مبالغة كما قال الخطابي لأن الثلج والبرد نوعان من الماء . قال ابن دقيق العيد : عبر بذلك عن غاية المحو فإن الثوب الذي يتكرر عليه ثلاثة أشياء منقية تكون في غاية النقاء . قال : ويحتمل أن يكون المراد أن كل واحد من هذه الأشياء مجاز عن صفة يقع بها المحو . والحديث [ ص: 223 ] يدل على مشروعية الدعاء بين التكبير والقراءة . وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه والأحاديث ترد عليه .

                                                                                                                                            وفيه جواز الدعاء في الصلاة بما ليس من القرآن خلافا للحنفية والهادوية وفيه أن دعاء الاستفتاح يكون بعد تكبيرة الإحرام وخالف في ذلك الهادي والقاسم وأبو العباس وأبو طالب من أهل البيت . وسيأتي بيان ما هو الحق في ذلك

                                                                                                                                            682 - ( وعن علي بن أبي طالب قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة قال : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنت ربي ، وأنا عبدك ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك . وإذا ركع قال : اللهم لك ركعت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي ، وإذا رفع رأسه قال : اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد وإذا سجد قال : اللهم لك سجدت ، وبك آمنت ، ولك أسلمت ، سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه ، وبصره فتبارك الله أحسن الخالقين ثم يكون من آخر ما يقول بين التشهد والتسليم : اللهم اغفر لي ما قدمت ، وما أخرت ، وما أسررت ، وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت } رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه ) . الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي مطولا وابن ماجه مختصرا . وقد وقع في بعض نسخ هذا الكتاب مكان قوله رواه أحمد ومسلم . . . إلخ ، رواه الجماعة إلا البخاري وهو الصواب ، واخرجه أيضا ابن حبان ، وزاد إذا قام إلى الصلاة المكتوبة ، وكذلك رواه الشافعي وقيده أيضا بالمكتوبة وكذا غيرهما . وأما مسلم فقيده بصلاة الليل ، وزاد لفظ من جوف الليل قوله : ( كان إذا قام إلى الصلاة ) زاد أبو داود كبر ثم قال : . وهذا تصريح بأن هذا التوجيه بعد التكبيرة لا كما ذهب إليه من ذكرنا في شرح الحديث السابق من أنه قبل التكبيرة محتجين على ذلك بقوله تعالى : { وكبره تكبيرا } بعد قوله : { الحمد [ ص: 224 ] لله الذي لم يتخذ ولدا } إلى آخره . وهو عندهم التوجه الصغير ، وقوله : ( وجهت وجهي ) التوجه : التكبير وهذا إنما يتم بعد تسليم أن المراد بقوله وكبره تكبيرا الإحرام ، وبعد تسليم أن الواو تقتضي الترتيب ، وبعد تسليم أن قوله تعالى: { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } إلى آخره من التوجيهات الواردة

                                                                                                                                            وهذه الأمور جميعا ممنوعة ودون تصحيحها مفاوز وعقاب ، والأحسن الاحتجاج لهم بإطلاق بعض الأحاديث الواردة كحديث جابر بلفظ ، " كان إذا استفتح الصلاة " وحديث الباب بلفظ : " كان إذا قام إلى الصلاة " ولا يخفى عليك أنه قد ورد التقييد في حديث أبي هريرة المتقدم ، وفي حديث الباب أيضا في رواية أبي داود كما ذكرناه وفي حديث أبي سعيد ( كان إذا قام إلى الصلاة كبر ) وسيأتي . وقد ورد التقييد في غير حديث . وحمل المطلق على المقيد واجب على ما هو الحق في الأصول . ومن غرائبهم قولهم : إنه لا يشرع التوجه بغير ما ورد في هذا الحديث من الألفاظ القرآنية إلا قوله تعالى: { الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا } . . . إلخ وقد وردت الأحاديث الصحيحة بتوجهات متعددة . قوله : ( وجهت وجهي ) قيل معناه قصدت بعبادتي . وقيل : أقبلت بوجهي . وجمع السموات وإفراد الأرض مع كونها سبعا لشرفها . وقال القاضي أبو الطيب : لأنا لا ننتفع من الأرضين إلا بالطبقة الأولى ، بخلاف السماء فإن الشمس والقمر والكواكب موزعة عليها . وقيل لأن الأرض السبع لها سكن أخرج البيهقي عن أبي الضحى عن ابن عباس أنه قد قال قوله : { ومن الأرض مثلهن } قال : سبع أرضين في كل أرض نبي كنبيكم وآدم كآدمكم ونوح كنوحكم وإبراهيم كإبراهيمكم وعيسى كعيساكم . قال : وإسناده صحيح عن ابن عباس غير أني لا أعلم لأبي الضحى متابعا

                                                                                                                                            قوله ( حنيفا ) الحنيف : المائل إلى الدين الحق وهو الإسلام قاله الأكثر ، ويطلق على المائل والمستقيم ، وهو عند العرب اسم لمن كان على ملة إبراهيم وانتصابه على الحال . قوله : ( ونسكي ) النسك : العبادة لله ، وهو من ذكر العام بعد الخاص . قوله ( محياي ومماتي ) أي حياتي وموتي . والجمهور على فتح الياء الآخرة في محياي وقرئ بإسكانها . قوله : ( وأنا من المسلمين ) في رواية لمسلم وأنا أول المسلمين . قال الشافعي : لأنه صلى الله عليه وسلم كان أول مسلمي هذه الأمة .

                                                                                                                                            وفي رواية أخرى لمسلم كما هنا . قال في الانتصار : إن غير النبي إنما يقول وأنا من المسلمين وهو وهم منشؤه توهم أن معنى وأنا أول المسلمين إني أول شخص أتصف بذلك بعد أن كان الناس بمعزل عنه ، وليس كذلك . بل معناه المسارعة في الامتثال لما أمر به ونظيره : { قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين } وقال موسى : { وأنا أول المؤمنين } وظاهر الإطلاق أنه لا فرق في قوله " وأنا من المسلمين " وقوله " وما أنا من المشركين " بين الرجل والمرأة وهو صحيح [ ص: 225 ] على إرادة الشخص . وفي المستدرك للحاكم من رواية عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة : { قومي فاشهدي أضحيتك وقولي : { إن صلاتي ونسكي } إلى قوله { وأنا من المسلمين } } فدل على ما ذكرناه . قوله : ( ظلمت نفسي ) اعتراف بما يوجب نقص حظ النفس من ملابسة المعاصي تأدبا ، وأراد بالنفس هنا الذات المشتملة على الروح

                                                                                                                                            قوله : ( لأحسن الأخلاق ) أي لأكملها وأفضلها . قوله : ( سيئها ) أي قبيحها . قوله : ( لبيك ) هو من ألب بالمكان إذا قام به ، وثني هذا المصدر مضافا إلى الكاف وأصل لبيك لبين فحذف النون للإضافة . وقال النووي قال العلماء : ومعناه . أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة . قوله : ( وسعديك ) قال الأزهري وغيره : معناه مساعدة لأمرك بعد مساعدة ومتابعة لدينك بعد متابعة

                                                                                                                                            قوله : ( والخير كله في يديك ) زاد الشافعي عن مسلم بن خالد عن موسى بن عقبة " والمهدي من هديت " . قال الخطابي وغيره : فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على الله ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور دون مساويها على جهة الأدب . قوله : ( والشر ليس إليك ) قال الخليل بن أحمد والنضر بن شميل وإسحاق بن راهويه ويحيى بن معين وأبو بكر بن خزيمة والأزهري وغيرهم : معناه لا يتقرب به إليك ، روى ذلك النووي عنهم . وهذا القول الأول والقول الثاني حكاه الشيخ أبو حامد عن المزني أن معناه لا يضاف إليك على انفراده لا يقال يا خالق القردة والخنازير ويا رب الشر ونحو هذا وإن كان خالق كل شيء رب كل شيء وحينئذ يدخل الشر في العموم . والثالث معناه : والشر لا يصعد إليك وإنما يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح . والرابع : معناه والشر ليس شرا بالنسبة إليك فإنك خلقته بحكمة بالغة وإنما هو شر بالنسبة إلى المخلوقين . والخامس حكاه : أنه كقولك فلان إلى بني فلان إذا كان عداده فيهم

                                                                                                                                            حكى هذه الأقوال النووي في شرح مسلم وقال : إنه مما يجب تأويله لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل الله تعالى وخلقه سواء خيرها وشرها ا . هـ .

                                                                                                                                            وفي المقام كلام طويل ليس هذا موضعه . قوله : ( أنا بك وإليك ) أي التجائي وانتمائي إليك وتوفيقي بك قاله النووي . قوله : ( تباركت ) قال ابن الأنباري : تبارك العباد بتوحيدك وقيل : ثبت الخير عندك . وقال النووي : استحققت الثناء . قوله : ( خشع لك ) أي خضع وأقبل عليك من قولهم خشعت الأرض إذا سكنت واطمأنت . قوله : ( ومخي ) قال ابن رسلان : المراد به هنا الدماغ وأصله الودك الذي في العظم وخالص كل شيء مخه . قوله : ( وعصبي ) العصب طنب المفاصل وهو ألطف من العظم ، زاد الشافعي في مسنده من رواية أبي هريرة " وشعري " والجمهور على تضعيف هذه الزيادة . وزاد النسائي من رواية جابر { ودمي ولحمي } زاد ابن حبان في صحيحه { وما استقلت به قدمي لله رب العالمين }

                                                                                                                                            قوله : ( ملء السموات ) هو [ ص: 226 ] وما بعده بكسر الميم ونصب الهمزة ورفعها والنصب أشهر ، قاله النووي ورجحه ابن خالويه وأطنب في الاستدلال وجوز الرفع على أنه مرجوح وحكي عن الزجاج أنه يتعين الرفع ولا يجوز غيره ، وبالغ في إنكار النصب . والذي تقتضيه القواعد النحوية هو ما قاله ابن خالويه . قال النووي قال العلماء : معناه حمدا لو كان أجساما لملأ السموات والأرض وما بينهما ، وهكذا قال القاضي عياض ، وصرح أنه من قبيل الاستعارة . قوله : ( وملء ما شئت من شيء بعد ) وذلك كالكرسي والعرش وغيرهم مما لم يعلمه إلا الله ، والمراد الاعتناء في تكثير الحمد . قوله : ( وصوره ) زاد مسلم وأبو داود { فأحسن صوره } وهو الموافق لقوله تعالى: { فأحسن صوركم } . قوله : ( وشق سمعه وبصره ) رواية أبي داود " فشق " قال القاضي عياض : قال الإمام : يحتج به من يقول الأذنان من الوجه وقد مر الكلام على ذلك . قوله ( فتبارك ) هكذا رواية ابن حبان وهو في مسلم بدون الفاء وفي سنن أبي داود بالواو

                                                                                                                                            قوله : ( أحسن الخالقين ) أي المصورين والمقدرين . والخلق في اللغة الفعل الذي يوجده فاعله مقدرا له لا عن سهو وغفلة ، والعبد قد يوجد منه ذلك . قال الكعبي : لكن لا يطلق الخالق على العبد إلا مقيدا كالرب . قوله ( ما قدمت وما أخرت ) المراد بقوله ما أخرت إنما هو بالنسبة إلى ما وقع من ذنوبه المتأخرة لأن الاستغفار قبل الذنب محال كذا قال أبو الوليد النيسابوري . قال الإسنوي : ولقائل أن يقول : المحال إنما هو طلب مغفرته قبل وقوعه ، وأما الطلب قبل الوقوع أن يغفر إذا وقع فلا استحالة فيه . قوله ( وما أسررت وما أعلنت ) أي جميع الذنوب لأنها إما سر أو علن . قوله : ( وما أسرفت ) المراد الكبائر لأن الإسراف : الإفراط في الشيء ومجاوزة الحد فيه . قوله : ( وما أنت أعلم به مني ) أي من ذنوبي وإسرافي في أموري وغير ذلك

                                                                                                                                            قوله : ( أنت المقدم وأنت المؤخر ) قال البيهقي : قدم من شاء بالتوفيق إلى مقامات السابقين ، وأخر من شاء عن مراتبهم ، وقيل : قدم من أحب من أوليائه على غيرهم من عبيده ، وأخر من أبعده من غيره فلا مقدم لما أخر ولا مؤخر لما قدم . قوله : ( لا إله إلا أنت ) أي ليس لنا معبود نتذلل له ونتضرع إليه في غفران ذنوبنا إلا أنت . الحديث يدل على مشروعية الاستفتاح بما في هذا الحديث . قال النووي : إلا أن يكون إماما لقوم لا يرون التطويل .

                                                                                                                                            وفيها استحباب الذكر في الركوع والسجود والاعتدال والدعاء قبل السلام ، وفيه الدعاء في الصلاة بغير القرآن والرد على المانعين من ذلك وهم الحنفية والهادوية

                                                                                                                                            683 - ( وعن عائشة قالت : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك } . رواه أبو داود [ ص: 227 ] والدارقطني مثله من رواية أنس ، وللخمسة مثله من حديث أبي سعيد ، وأخرج مسلم في صحيحه أن عمر كان يجهر بهؤلاء الكلمات : يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ، وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي بكر الصديق أنه كان يستفتح بذلك ، وكذلك رواه الدارقطني عن عثمان بن عفان وابن المنذر عن عبد الله بن مسعود ، وقال الأسود : كان عمر إذا افتتح الصلاة قال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك يسمعنا ذلك ويعلمنا . رواه الدارقطني ) .

                                                                                                                                            أما حديث عائشة فأخرجه الترمذي وابن ماجه والدارقطني والحاكم . قال الترمذي : هذا حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وحارثة يعني ابن أبي الرجال المذكور في إسناد هذا الحديث قد تكلم فيه من قبل حفظه انتهى . وقال أبو داود بعد إخراجه : ليس بالمشهور عن عبد السلام بن حرب لم يروه عن عبد السلام إلا طلق بن غنام . وقال الدارقطني : ليس هذا الحديث بالقوي . وقال الحافظ محمد بن عبد الواحد : ما علمت فيهم يعني رجال إسناد أبي داود مجروحا انتهى . وطلق بن غنام أخرج عنه البخاري في الصحيح وعبد السلام بن حرب أخرج له الشيخان ، ووثقه أبو حاتم ، وقد صحح الحاكم هذا الحديث وأورد له شاهدا وقال الحافظ : رجال إسناده ثقات لكن فيها انقطاع . قال : وفي الباب عن ابن مسعود وعثمان وأبي سعيد وأنس والحكم بن عمرو وأبي أمامة وعمرو بن العاص وجابر وأما حارثة بن أبي الرجال الذي أخرج الحديث الترمذي من طريقه فضعفه أحمد ويحيى والرازيان وابن عدي وابن حبان . وأما حديث أبي سعيد فسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا . وأما إن عمر كان يجهر بهذه الكلمات فرواه مسلم عن عبدة بن أبي لبابة عنه وهو موقوف على عمر ، وعبدة لا يعرف له سماع من عمر وإنما سمع من عبد الله بن عمر ، ويقال رأى عمر رؤية . وقد روي هذا الكلام عن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني : المحفوظ عن عمر موقوف . قال الحاكم : وقد صح ذلك عن عمر وهو في صحيح ابن خزيمة عنه . قال الحافظ : وفي إسناده انقطاع وهكذا رواه الترمذي عن عمر موقوفا ورواه أيضا عن ابن مسعود . قوله : ( سبحانك ) التسبيح : تنزيه الله تعالى وأصله كما قال ابن سيد الناس : المر السريع في عبادة الله ، وأصله مصدر مثل غفران . قوله : ( وبحمدك ) قال الخطابي : أخبرني ابن جلاد : قال : سألت الزجاج عن قوله : " سبحانك اللهم وبحمدك " فقال : معناه سبحتك . قوله : ( تبارك اسمك ) البركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء وفيه إشارة إلى اختصاص أسمائه تعالى بالبركات . قوله : ( وتعالى [ ص: 228 ] جدك ) الجد : العظمة ، وتعالى : تفاعل من العلو أي علت عظمتك على عظمة كل أحد غيرك . قال ابن الأثير : معنى تعالى جدك علا جلالك وعظمتك

                                                                                                                                            . والحديثان وما ذكره المصنف من الآثار تدل على مشروعية الاستفتاح بهذه الكلمات . قال المصنف رحمه الله: واختيار هؤلاء يعني الصحابة الذين ذكرهم بهذا الاستفتاح وجهر عمر به أحيانا بمحضر من الصحابة لتعليمه الناس مع أن السنة إخفاؤه يدل على أنه الأفضل وأنه الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليه غالبا وإن استفتح بما رواه علي أو أبو هريرة فحسن لصحة الرواية انتهى . ولا يخفى أن ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بالإيثار والاختيار

                                                                                                                                            وأصح ما روي في الاستفتاح حديث أبي هريرة المتقدم ثم حديث علي وأما حديث عائشة فقد عرفت ما فيه من المقال وكذلك حديث أبي سعيد ستعرف المقال الذي فيه . قال الإمام أحمد : أما أنا فأذهب إلى ما روي عن عمر ولو أن رجلا استفتح ببعض ما روي كان حسنا . وقال ابن خزيمة : لا أعلم في الافتتاح بسبحانك اللهم خبرا ثابتا وأحسن أسانيده حديث أبي سعيد ثم قال : لا نعلم أحدا ولا سمعنا به استعمل هذا الحديث على وجهه .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية