الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6723 ) فصل : وسراية الجناية مضمونة بلا خلاف ; لأنها أثر الجناية ، والجناية مضمونة ، فكذلك أثرها . ثم إن سرت إلى النفس ، وما لا يمكن مباشرته بالإتلاف ، مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينيه ، وجب القصاص فيه ، ولا خلاف في ذلك في النفس ، وفي ضوء العين خلاف قد ذكرناه فيما تقدم وإن سرت إلى ما يمكن مباشرته بالإتلاف ، مثل إن قطع إصبعا ، فتآكلت أخرى وسقطت من مفصل ، ففيه القصاص أيضا ، في قول إمامنا وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن

                                                                                                                                            وقال أكثر الفقهاء : لا قصاص في الثانية ، وتجب ديتها ; لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية ، كما لو رمى سهما فمرق منه إلى آخر . ولنا ، أن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية ، كالنفس وضوء العين ، ولأنه أحد نوعي القصاص ، فأشبه ما ذكرنا ، وفارق ما ذكروه ، فإن ذلك فعل وليس بسراية ، ولأنه لو قصد ضرب رجل فأصاب آخر ، لم يجب القصاص ، ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص ، ولو ضرب إبهامه فمرق إلى سبابته ، وجب القصاص فيهما ، فافترقا ; ولأن الثانية تلفت بفعل أوجب القصاص ، فوجب القصاص فيها ، كما لو رمى إحداهما فمرق إلى الأخرى .

                                                                                                                                            فأما إن قطع إصبعا ، فشلت إلى جانبها أخرى ، وجب القصاص في المقطوعة وحسب والأرش في الشلاء ، وبهذا قال مالك ، والشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص فيهما ويجب أرشهما جميعا ، لأن حكم السراية لا ينفرد عن الجناية ، بدليل ما لو سرت إلى النفس ، فإذا لم يجب القصاص في إحداهما ، لم يجب في الأخرى ، ولنا أنها جناية موجبة للقصاص لو لم تسر ، فأوجبته إذا سرت ، كالتي تسري إلى سقوط أخرى ، وكما لو قطع يد [ ص: 269 ] حبلى فسرى إلى جنينها . وبهذا يبطل ما ذكره .

                                                                                                                                            وفارق الأصل ; لأن السراية مقتضية للقصاص ، كاقتضاء الفعل له ، فاستوى حكمهما ، وها هنا بخلافه ، ولأن ما ذكره غير صحيح ; فإن القطع إذا سرى إلى النفس ، سقط القصاص في القطع ، ووجب في النفس ، فخالف حكم الجناية حكم السراية ، فسقط ما قاله . إذا ثبت هذا ، فإن الأرش يجب في ماله ، ولا تحمله العاقلة ، لأنه جناية عمد ، وإنما لم يجب القصاص فيه لعدم المماثلة في القطع والشلل ، فإذا قطع إصبعه فشلت أصابعه الباقية وكفه ، فعفا عن القصاص ، وجب له نصف الدية ، وإن اقتص من الإصبع ، فله في الأصابع الباقية أربعون من الإبل ، ويتبعها ما حاذاها من الكف ، وهو أربعة أخماسه ، فيدخل أرشه فيها ، ويبقى خمس الكف فيه وجهان ; أحدهما يتبعها في الأرش ، ولا شيء فيه .

                                                                                                                                            والثاني ، فيه الحكومة ; لأن ما يقابل الأربع تبعها في الأرش ، لاستوائهما في الحكم ، وحكم التي اقتص منها مخالف لحكم الأرش ، فلم يتبعها .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية