الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : قال الشافعي في كتاب [ . . . ] إذا طلق امرأته ثم قال : أعلمتني أن عدتها قد انقضت ، ثم راجعتها لم يكن هذا إقرارا منه بأن عدتها قد انقضت ، لأنها قد تكذبه فيما أعلمته ، وتصح الرجعة إن عادت فأكذبت نفسها ، وهكذا لو أقرت بطلاقها واحدة وراجعها وادعت أنه طلقها ثلاثا لا رجعة فيها ثم صدقته وأكذبت نفسها حل لها الاجتماع معه .

                                                                                                                                            قال الشافعي رحمه الله : " ولو ارتدت بعد طلاقه فارتجعها مرتدة في العدة لم يكن رجعة لأنها تحليل في حال التحريم ( قال المزني ) رحمه الله فيها نظر وأشبه بقوله عندي أن يكون رجعة موقوفة فإن جمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة علمنا أنه رجعة وإن لم يجمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة علمنا أنه لا رجعة لأن الفسخ من حين ارتدت كما نقول في الطلاق إذا طلقها مرتدة أو وثنية فجمعهما الإسلام قبل انقضاء العدة علمنا أن الطلاق كان واقعا وكانت العدة من حين وقع الطلاق وإن لم يجمعهما الإسلام في العدة بطل الطلاق وكانت العدة من حين أسلم متقدم الإسلام " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في المطلقة الرجعية إذا ارتدت عن الإسلام في عدتها ، فالزوج ممنوع من رجعتها في الردة كما كان ممنوعا من نكاحها فإن راجعها وهي في الردة كانت رجعته باطلة سواء رجعت إلى الإسلام قبل مضي العدة أم لا ، وقال المزني : رجعته في الردة موقوفة على إسلامها قبل انقضاء العدة ، فإن أسلمت قبل انقضاء عدتها صحت الرجعة ، وإن لم تسلم حتى انقضت العدة بطلت الرجعة ، استدلالا بأن طلاق المرتدة لما كان موقوفا صح أن تكون رجعتها موقوفة ولما صح أن يكون نكاحها موقوفا على انقضاء العدة فأولى أن تكون رجعتها موقوفة .

                                                                                                                                            ولأن أسوأ أحوال المرتدة أن تكون محرمة وتحريمها لا يمنع من صحة الرجعة [ ص: 324 ] كالمحرمة ، وهذا خطأ لقول الله تعالى : ولا تمسكوا بعصم الكوافر [ الممتحنة : 10 ] وفي الرجعة تمسكا برجعتها بعصمتها ، فوجب أن تكون الردة مانعة منها .

                                                                                                                                            ولأن الرجعة عقد يستباح به بضع الحرة فلم يصح في الردة ، ولا أن يكون موقوفا فيها كالنكاح ، ولأن الردة منافية للرجعة ، لأن الردة تقتضي البينونة ، والرجعة رافعة للبينونة وإذا تنافيا لم يصح أن يجتمعا ، وإذا لم يصح اجتماعهما لتنافيهما ، وقد ثبتت الردة فبطلت الرجعة .

                                                                                                                                            وأما الطلاق فهو غير مناف للردة ، لأنهما معا يقتضيان الفرقة وعلى أن الطلاق يجوز أن يكون موقوفا على شرط لا يصح إيقاف الرجعة ولا تعليقها بشرط فافترق حكمهما في الردة .

                                                                                                                                            وأما النكاح ففسخه موقوف وعقده غير موقوف ، والرجعة ملحقة بالعقد دون الفسخ .

                                                                                                                                            وأما الرجعة في الإحرام فمفارقة للرجعة في الردة ، لأن المزني يقف الرجعة في الردة ، ولا يقفها في الإحرام فلهذا الفرق جوزنا الرجعة في الإحرام وأبطلناها في الردة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية