الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                معلومات الكتاب

                                                                                                                                بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع

                                                                                                                                الكاساني - أبو بكر مسعود بن أحمد الكاساني

                                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                                وأما كيفية التشييع فالمشي خلف الجنازة أفضل عندنا ، وقال الشافعي : " المشي أمامها أفضل " واحتج بما روى الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر { أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر [ ص: 310 ] كانوا يمشون أمام الجنازة } وهذا حكاية عادة وكانت عادتهم اختيار الأفضل ; ولأنهم شفعاء الميت ، والشفيع أبدا يتقدم ; لأنه أحوط للصلاة لما فيه من التحرز عن احتمال الفوت .

                                                                                                                                ولنا ما روي عن ابن مسعود موقوفا عليه ، ومرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { : الجنازة متبوعة وليست بتابعة ليس معها من تقدمها } وروي عنه أنه عليه السلام { كان يمشي خلف جنازة سعد بن معاذ } وروى معمر عن طاوس عن أبيه قال : { ما مشى رسول الله حتى مات إلا خلف الجنازة } وعن ابن مسعود فضل المشي خلف الجنازة على المشي أمامها كفضل المكتوبة على النافلة ; ولأن المشي خلفها أقرب إلى الاتعاظ ; لأنه يعاين الجنازة فيتعظ فكان أفضل ، والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم لبيان الجواز وتسهيل الأمر على الناس عند الازدحام ، وهو تأويل فعل أبي بكر وعمر ، والدليل عليه ما روي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال : بينا أنا أمشي مع علي خلف الجنازة وأبو بكر وعمر يمشيان أمامها فقلت : لعلي ما بال أبي بكر وعمر يمشيان أمام الجنازة فقال : إنهما يعلمان أن المشي خلفها أفضل من المشي أمامها إلا أنهما يسه لان على الناس ومعناه أن الناس يتحرزون عن المشي أمامها تعظيما لها ، فلو اختار المشي خلف الجنازة لضاق الطريق على مشيعيها .

                                                                                                                                وأما قوله : " إن الناس شفعاء الميت " فينبغي أن يتقدموا فيشكل هذا بحالة الصلاة ، فإن حالة الصلاة حالة الشفاعة ومع ذلك لا يتقدمون الميت بل الميت قدامهم ، وقوله : " هذا أحوط للصلاة " قلنا : عندنا إنما يكون المشي خلفها أفضل إذا كان بقرب منها بحيث يشاهدها ، وفي مثل هذا لا تفوت الصلاة .

                                                                                                                                ولو مشى قدامها كان واسعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما فعلوا ذلك في الجملة على ما ذكرنا غير أنه يكره أن يتقدم الكل عليها ; لأن فيه إبطال متبوعية الجنازة من كل وجه .

                                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                                الخدمات العلمية