الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ مفارقة الأمر للنهي في الدوام والتكرار ] النهي يفارق الأمر في الدوام والتكرار فإن في اقتضاء الأمر التكرار خلافا مشهورا ، وها هنا قطع جماعة منهم الصيرفي والشيخ أبو إسحاق بأن النهي المطلق يقتضي التكرار والدوام ، ونقل الإجماع فيه الشيخ أبو حامد الإسفراييني وابن برهان ، وكذا قاله أبو زيد في التقويم " . وأما الخلاف في أن الأمر هل يقتضي التكرار أم لا ؟ فلا يتصور مجيئه في النهي ; لأن الانتهاء عن النهي مما يستغرق العمر إن كان مطلقا ; لأنه لا [ ص: 371 ] انتهاء إلا بعدم المنهي عنه من قبله ، ولا يتم الانعدام من قبله إلا بالثبوت عليه قبل الفعل فلا يتصور تكراره بخلاف الأمر بالفعل ; لأن الفعل المستمر له حد يعرف وجوده بحده ثم يتصور التكرار بعده . وقال المازري : حكى غير واحد الاتفاق على أن النهي يقتضي الاستيعاب للأزمنة بخلاف الأمر ، لكن القاضي عبد الوهاب حكى قولا أنه كالأمر في اقتضائه المرة الواحدة ، ولم يسم من ذهب إليه ، والقاضي وغيره أجروه مجرى الأمر في أنه لا يقتضي الاستيعاب . وقال أبو الحسين السهيلي في كتاب أدب الجدل " : النهي المطلق يقتضي التكرار في قول الجمهور ، وسمعت فيه وجها آخر أنه يقتضي الاجتناب عن الفعل في الزمن الأول وحده ، وهذا مما لا يجوز حكايته لضعفه وسقوطه . انتهى . وقال ابن عقيل في الواضح " : النهي يقتضي التكرار ، وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : لا يقتضيه ، وهذا النقل عن القاضي يخالفه نقل المازري ، وهو الصواب . وممن نقل الخلاف في المسألة الآمدي وابن الحاجب ، واختار الإمام في المحصول " أنه لا يقتضي التكرار كما لا يقتضيه في الأمر . وقال سليم الرازي : النهي يقتضي التكرار ، وعن بعض الأشعرية أنه يقتضي الكف عقب لفظ النهي .

                                                      [ ص: 372 ] فتحصلنا فيه على مذاهب : يقتضيه مطلقا . يقتضيه مرة واحدة . لا يقتضيه بل يوقف إلى الدليل من خارج ، وهو المنقول عن القاضي أبي بكر ، واختاره في المحصول " ، ويجيء مما سبق في الأمر مذهب آخر بالتفصيل من أن يرجع إلى قطع الواقع فللمرة ، كقولك للمتحرك : لا تتحرك ، وإن رجع إلى اتصال الواقع واستدامته فللدوام ، كقولك للمتحرك : لا تسكن . أما النهي المقيد بشرط أو صفة فالخلاف السابق في الأمر في اقتضائه التكرار يأتي هنا ، فمن قال : النهي لا يقتضي بمجرده التكرار والدوام قال به هاهنا . قال القاضي عبد الوهاب والشيخ أبو إسحاق : والصحيح أنه يتكرر وهو آكد من مطلقه بخلاف الأمر ; لأن مطلق النهي التكرار فالمعلق على الشرط أولى . وقال إلكيا الهراسي : النهي المقيد بشرط أو صفة لا يقتضي التكرار بخلاف النهي المطلق ; لأنه إذا قيده بوصف صار مغلوبا على الاعتماد مختصا به ، فلو اقتضى التكرار مع فهم تعدده كان كالأمر . وحكى صاحب الواضح " عن أبي عبد الله البصري أنه فرق بين النهي المعلق بشرط ، وبين النهي المطلق ، فحمل المطلق على التأبيد ، وفصل بينه وبين الأمر ، وحمل النهي المعلق بشرط على أنه لا يقتضي التكرار سوى بينه وبين الأمر ، ومثله بالسيد إذا قال لعبده : لا تسقني الماء إذا دخل زيد الدار ، فدخل زيد دفعة واحدة كفى ، ولا يجب أن يمنع من سقيه كل دفعة يدخل زيد الدار .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية