الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وبكل حال، فالسؤال إن كان متوجها كان ذلك أقوى في الحجة، وإن لم يكن متوجها لم يرد بحال. وذلك أنه إذا لم يكن للجملة حقيقة غير كل واحد واحد، لم يكن هنا مجموع نحتاج أن نصفه بوجوب أو إمكان غير كل واحد واحد، وتلك كلها ممكنة، فتكون الحجة على هذا التقدير أقل مقدمات، فإنه إذا كانت الجملة غير الآحاد، احتيج إلى نفي وجوبها بنفسها أو بالآحاد، أما إذا قدر انتفاء ذلك، لم يحتج إلى ذلك، فلا يحتاج إلى نفي الوجوب عنها، لا بنفسها ولا بالآحاد.

ولهذا قال في الاعتراض: إذا لم تكن الجملة غير الآحاد لم يلزم أن تكون معللة بغير علة الآحاد.

وهذا مما يقوي الحجة، فإنها إذا لم تكن معللة بغير علة الآحاد -ومعلوم أنه لا بد من إثبات علة الآحاد- فذلك وحده كاف، بخلاف ما إذا كانت غير الآحاد، فإنه يحتاج إلى نفي وجوبها بنفسها أو بالآحاد. [ ص: 282 ]

وهذا هو السؤال الثالث، وهو قوله: "ما المانع أن يكون المجموع -وهو الجملة- مترجحا بآحاده الداخلة فيه لا بواحد منها، بل طريق ترجحه بالآحاد الداخلة فيه بترجح كل واحد من آحاده بالآخر إلى غير نهاية".

وقد أجاب عن هذا بقوله: "مجموع الآحاد نفس الجملة المفروضة، وفيه ترجح الشيء بنفسه، وهو محال".

وهذا السؤال هو الذي ذكره في كتابه الآخر، وذكر أنه لا يعرف له جوابا، حيث قال: "ما المانع من ترجحها بترجح آحادها، وترجح آحادها كل واحد بالآخر إلى غير نهاية."

قال: "وهذا إشكال مشكل، وربما يكون عند غيري حله".

والجواب الذي ذكر عنه إنما يستقيم إذا أرادوا بالجملة كل واحد واحد من الأجزاء، ولم يجعلوا للاجتماع قدرا زائدا، وجعلوا الاجتماع جزءا، فإنه حينئذ يقال: الجملة هي الآحاد، فأما إذا أريد بالجملة الاجتماع، وهو الهيئة الاجتماعية وأن ترجحها بالآحاد المتعاقبة، لم يكن الجواب صحيحا. [ ص: 283 ]

وهذا هو الذي استشكله في كتابه الآخر، وحينئذ يكون السؤال: "لم لا يجوز ترجح الاجتماع بالآحاد المجتمعة، وترجح كل واحد بالآخر وليس الجملة هو الآحاد المتعاقبة كما تقدم، بل هو الهيئة الاجتماعية، ولكن يمكن تقرير هذا الجواب إذا جعلت الهيئة الاجتماعية جزءا من أجزاء الجملة وهذا أمر اصطلاحي، فإن المجموع المركب من أجزاء قد يجعل نفس الاجتماع، ليس جزءا من المجموع، وقد يجعل جزءا من المجموع، فإذا جعل الاجتماع جزءا من المجموع، كان تقرير السؤال أن هذا الجزء معلل بسائر الأجزاء، وترجح كل جزء بالآخر، وترجح جزء ممكن بجزء ممكن، كترجح جزء ممكن بأجزاء ممكنة، وحينئذ فإجابته بقوله: "مجموع الآحاد نفس الجملة المفروضة، وفيه ترجح الشيء بنفسه، ليس بجواب مطابق، فإنهم لم يدعوا ترجح المجموع بالمجموع، بل ترجح الاجتماع بكل واحد واحد من الأجزاء المتعاقبة، والاجتماع وإن كان جزءا فليس هو من الأجزاء المتعاقبة، لكن هذا فيه ترجيح بعض الأجزاء ببعض، فهو كتعليل بعض الممكنات ببعض، فيعود الأمر ويقال: فالجموع هو واجب بنفسه أو ممكن، معلول لنفسه أو معلول ببعضه أو بخارج عنه، كما تقدم تقرير ابن سينا لحجته.

التالي السابق


الخدمات العلمية