الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
مثل التالي كتاب الله في غفلة

ومثل التالي كتاب الله في غفلة كمثل رجل بين يديه حقاق في كل حقة منها جوهر بعثه إليه الملك فهو في غطاء عن تلك الجواهر ففي حقة منها ياقوتة حمراء وفي أخرى منها ياقوتة صفراء وفي أخرى ياقوتة زرقاء وفي أخرى ياقوتة خضراء وفي أخرى لؤلؤة بيضاء صافية فليس له من تلك الجواهر إلا عد الحقاق وإحصاؤها وهو يعلم أنها ثمينة نفيسة ولكن لا يلتذ بها ولا يتغنى بها لأن عينه إنما تأخذ الحقاق ونفسه تحسن ما ترى عينه وعلمه بنفاستها وأثمانها علم لا يحركه ولا يبعثه ولا يهيجه إلى شيء فهو كالناعس قد أخذه ريح النوم فهو في نفسه ثقيل فإذ فتش الحقة فأبصر جواهر تتلألأ ونظر إلى [ ص: 54 ] شيء ملأ نفسه سرورا وسبي قلبه بها فإذا نظر فيها فوجد اسمه مكتوبا عليها منقوشا فاشتد عجبه وتضاعف سروره وبهجته وتاه في البهجة .فسروره بنفاسة تلك الجوهرة يهنيه ويهنيه في اسمه الذي وجده منقوشا على تلك الياقوتة فقال في نفسه صار لي إلى الملك محلا بعث إلي جوهرا مثل هذه واسمي منقوش عليها يعرفني ذلك محلي عنده إني قد أعددت لك هذه الجواهر وباسمك لعظيم قدرك عندي وكثرة بالي بك ورفيع محلك عندي وحبي لك فكيف يكون حال هذا العبد من الفرح والسرور ككتاب الله تعالى كلام عزيز حروف منسوقة مؤلفة ألفها رب العالمين بحكمته البالغة ومعنى قوله البالغة أي بلغت تلك الحكمة يوم المقادير ومنها خرجت إلى العباد فصارت حكمة فقيل حكمة بالغة أي تبلغ بصاحبها علم المقادير فمن بلغ علم المقادير فقد وفر حظه من العلم كما وفر الحظ للخضر عليه السلام حتى ساح في المفاوز وخاض البحار وعبر معابر العبر بحظه من علم المقادير فرأى في كل شيء ربوبية العزيز القهار فذلك تأليف عجزت عنه الملائكة والرسل والثقلان وجميع الخلق [ ص: 55 ] لأنه وضع في كل حرف لعباده شيئا فهو أعلم بما يحتاج إليه عباده من تلك الأشياء فألف الحروف للأشياء الموضوعة في الحروف يخاطبهم بها وهي لطائف وبشرى ووعد ووعيد ونذارة وتأديب وتحضيض وتنديب وأنباء ما مضى وأنباء ما هو كائن في الدارين فذلك قوله تعالى لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا فمن غبي فهمه عن هذا تحير فيه

ولو قال قائل كيف لا يقدرون أن يأتوا بمثله وإنما هو لسان العرب فمن شاء ساق كلاما بهذه اللغة فكيف لا يمازجه ولا يدانيه

وهذا هوس وكلام المنهوكين الذين أعينهم في غطاء عن ذكره وإنما معرفتهم ربهم على ألسنتهم

[ ص: 56 ] وإنما عجرت الجن والإنس عن تأليف مثله لأن جميع الكلام الذي أبرزه رب العالمين للعباد إنما هو تسع وعشرون حرفا وضع في كل حرف أمرا من أموره وأعلم خواصه بذلك من الأنبياء وخاص الأولياء فمن دام على ذلك الأمر وخالصه وصفاه فاستوجب .هذا النور الأعظم الذي إذا أشرق في صدره وطالع ما في حشو كل حرف من هذه الحروف فعندها يعقل تأليف رب العالمين

قال له قائل اشرح لنا شيئا نفهم به بعض ما وصفت

قال نبين ذلك في قوله بسم الله الرحمن الرحيم ففي الباء بهاؤه وفي السين سناؤه وفي الميم مجده فمن أعطي في قلبه سراجا فأنار ذلك السراج في صدره عاين فؤاده ذلك البهاء والسناء والمجد وعاين ما أجرى إليه رب العالمين من بهائه وسنائه ومجده فأوصل إليه في دينه ودنياه فإذا عاين فؤاده ذلك كان كمثل من وضع بين يديه حقة وقد علم أنه فيها جوهر ثمين نفيس يخطف الأبصار تلألأ فيضيء القلوب شغوفا به فهو في ذلك حيران لا يلتذ ولا يبهج به لأنه سكران أو نائم فالسكران [ ص: 57 ] والنائم لا حظ لهما من اللذة والبهجة فإذا رفع عن الحقة رأسها وتلألأ ذلك الجوهر في وجهه يكاد يخطف بصره وسبى قلبه فإذا رأى اسمه منقوشا على ذلك الجوهر كاد ينصدع قلبه فرحا وسرورا بما اطلع من حاله عند الملك

قال له قائل زدنا في شرحه

قال نزل ربنا جل جلاله كلامه تنزيلا فهو كلام مؤلف محشو كل حرف بما فيه حشاه ثم تكلم به ثم أنزله فلو عقلت هذا لدهشت من قبل أن تسمو إلى حشوه

التالي السابق


الخدمات العلمية