الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 550 ] المسألة الثانية .

وهي اختلافهم في بيع مال العبد .

وذلك أنهم اختلفوا في مال العبد : هل يتبعه في البيع والعتق ؟ على ثلاثة أقوال :

أحدها : أن ماله في البيع والعتق لسيده ، وكذلك في المكاتب ، وبه قال الشافعي ، والكوفيون .

والثاني : أن ماله تبع له في البيع والعتق ، وهو قول داود ، وأبي ثور .

والثالث : أنه تبع له في العتق لا في البيع إلا أن يشترطه المشتري ، وبه قال مالك ، والليث .

فحجة من رأى أن ماله في البيع لسيده إلا أن يشترطه المبتاع : حديث ابن عمر المشهور ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من باع عبدا وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع " . ومن جعله لسيده في العتق فقياسا على البيع .

وحجة من رأى أنه تبع للعبد في كل حال : انبنت على كون العبد مالكا عندهم ، وهي مسألة اختلف العلماء فيها اختلافا كثيرا ( أعني : هل يملك العبد ، أو لا يملك ؟ ) ويشبه أن يكون هؤلاء إنما غلبوا القياس على السماع; لأن حديث ابن عمر هو حديث خالف فيه نافع سالما; لأن نافعا رواه عن ابن عمر ، وسالما رواه عن ابن عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما مالك ، فغلب القياس في العتق والسماع في البيع . وقال مالك في الموطإ : الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إذا اشترط مال العبد فهو له نقدا كان ، أو عرضا ، أو دينا . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من أعتق غلاما فماله له إلا أن يستثنيه سيده " ، ويجوز عند مالك أن يشتري العبد وماله بدراهم ، وإن كان مال العبد دراهم أو فيه دراهم .

وخالفه أبو حنيفة ، والشافعي إذا كان مال العبد نقدا ، وقالوا : العبد وماله بمنزلة من باع شيئين لا يجوز فيهما إلا ما يجوز في سائر البيوع .

واختلف أصحاب مالك في اشتراط المشتري لبعض مال العبد في صفقة البيع : فقال ابن القاسم : لا يجوز ، وقال أشهب : جائز أن يشترط بعضه ، وفرق بعضهم فقال : إن كان ما اشترى به العبد عينا وفي مال العبد عين لم يجز ذلك; لأنه يدخله دراهم بعرض ودراهم ، وإن كان ما اشترى به عروضا أو لم يكن في مال العبد دراهم جاز .

ووجه قول ابن القاسم إنه لا يجوز أن يشترط بعضه : تشبيهه بثمر النخل بعد الإبار . ووجه قول أشهب تشبيه الجزء بالكل ، وفي هذا الباب مسائل مسكوت عنها كثيرة ليست مما قصدناه .

ومن مشهور مسائلهم في هذا الباب : الزيادة ، والنقصان اللذان يقعان في الثمن الذي انعقد عليه البيع بعد البيع بما يرضى به المتبايعان ( أعني : أن يزيد المشتري البائع بعد البيع على الثمن الذي انعقد عليه البيع أو يحط منه البائع ، هل يتبع حكم الثمن أم لا ؟ ) ، وفائدة الفرق : أن من قال هي من الثمن أوجب ردها في الاستحقاق ، وفي الرد بالعيب وما أشبه ذلك .

وأيضا من جعلها في حكم الثمن الأول إن كانت فاسدة البيع ، ومن لم يجعلها من الثمن ( أعني : الزيادة لم يوجب شيئا من هذا ، فذهب أبو حنيفة إلى أنها من الثمن إلا أنه قال لا تثبت الزيادة في حق [ ص: 551 ] الشفيع ولا في بيع المرابحة ، بل الحكم للثمن الأول ، وبه قال مالك .

وقال الشافعي : لا تلحق الزيادة والنقصان بالثمن أصلا وهو في حكم الهبة ، واستدل من ألحق الزيادة بالثمن بقوله عز وجل : ( ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) قالوا : وإذا لحقت الزيادة في الصداق بالصداق لحقت في البيع بالثمن .

واحتج الفريق الثاني : باتفاقهم على أنها لا تلحق في الشفعة .

وبالجملة : من رأى أن العقد الأول قد تقرر قال : الزيادة هبة . ومن رأى أنها فسخ للعقد الأول وعقد ثان عدها من الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية