الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويحرم نظر أمرد ) وهو من لم يبلغ أوان طلوع اللحية غالبا ، وينبغي ضبط ابتدائه بحيث لو كانت صغيرة لاشتهيت للرجال مع خوف فتنة بأن لم يندر وقوعها كما قاله ابن الصلاح أو ( بشهوة ) إجماعا وكذا كل منظور إليه ، ففائدة ذكرها فيه تمييز طريقة الرافعي ، وضبط في الإحياء الشهوة بأن يتأثر بجمال صورته بحيث يدرك من نفسه فرقا بين الملتحي وبينه ، وقريب منه قول السبكي هي أن ينظر فيلتذ وإن لم يشته زيادة وقاع أو مقدمة له فذاك زيادة في الفسق ، وكثيرون يقتصرون على مجرد النظر والمحبة ظانين سلامتهم من الإثم وليسوا سالمين منه ( قلت وكذا ) يحرم نظره ( بغيرها ) أي الشهوة ولو مع أمن الفتنة ( في الأصح المنصوص ) ; لأنه مظنة الفتنة فهو كالمرأة في الكلام في الجميل الوجه النقي البدن كما قيد به المصنف رحمه الله في التبيان وغيره بل هو أشد إثما من الأجنبية لعدم حله بحال ، وقد حكي عن أبي عبد الله الجلاء قال : كنت أمشي مع أستاذي يوما فرأيت حدثا جميلا فقلت : يا أستاذي ترى يعذب الله هذه الصورة ؟ فقال : سترى غبه ، فنسي القرآن بعد عشرين سنة . والثاني لا يحرم وإلا لأمر الأمرد بالاحتجاب كالنساء ، ورد لما في ذلك من المشقة الصعبة عليهم وترك الأسباب اللازم له وعلى غيرهم غض البصر عند توقع الفتنة لا سيما مع مخالطة الناس لهم من عصر الصحابة إلى الآن مع العلم بأنهم لم يؤمروا بغض البصر عنهم في كل حال كالنساء بل عند توقع الفتنة .

                                                                                                                            ونازع في المهمات في العزو للنص وقال : الصادر من الشافعي على ما بينه في الروضة إنما هو إطلاق يصح حمله على حالة الشهوة ا هـ .

                                                                                                                            وقال الشيخ أبو حامد : لا أعرف هذا النص للشافعي كما نبه عليه ابن الرفعة ، ولم يذكره البيهقي في معرفته ولا سننه ولا مبسوطه ، وتبعه المحاملي على عدم معرفته للنص .

                                                                                                                            وقال البلقيني : ما صححه المصنف لم يصرح به أحد وليس وجها ثانيا ، فإن الموجود في كتب الأصحاب أنه إن لم يخف فتنة لا يحرم قطعا ، فإن خاف فوجهان ، وما ذكره عن النص مطعون فيه . ولعله وقع للشافعي ذلك عند حصول شهوة أو خوف فتنة .

                                                                                                                            وأما عند عدم الشهوة وعدم [ ص: 193 ] الفتنة فإنه لا يحرم النظر بلا خلاف ، وهذا إجماع من المسلمين ، ولا يجوز أن ينسب للشافعي ما يخرق الإجماع ا هـ .

                                                                                                                            وقال الشارح : لم يصرح هو أعني المصنف ولا غيره بحكايتها في المذهب ا هـ .

                                                                                                                            فعلم مما تقرر أن ما قاله المصنف من اختياراته لا من حيث المذهب ، وأن المعتمد ما صرح به الرافعي كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، وشرط الحرمة على كلام المصنف أن لا يكون الناظر محرما بنسب أو رضاع أو مصاهرة ولا سيدا ، وأن لا تدعو إلى نظره حاجة ، فإن دعت كما لو كان للمخطوبة نحو ولد أمرد وتعذر عليه رؤيتها وسماع وصفها جاز له نظره إن بلغه استواؤهما في الحسن وإلا فلا كما بحثه الأذرعي ، وظاهر أن محله عند انتفاء الشهوة وعدم خوف الفتنة ، والأوجه حل نظر مملوكه وممسوح بشرطهما المار وخرج بالنظر المس فيحرم وإن حل كما هو ظاهر ; لأنه أفحش وغير محتاج له والخلوة به فتحرم لكن إن حرم النظر فيما يظهر .

                                                                                                                            والفرق بينها وبين المس ظاهر ( والأصح عند المحققين أن الأمة كالحرة ، والله أعلم ) لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة ، بل جمال كثير من الإماء أكثر من جمال كثير من الحرائر فخوفها فيهن أعظم .

                                                                                                                            وأما ضرب عمر رضي الله عنه أمة استترت كالحرة وقوله لها أتتشبهين بالحرائر [ ص: 194 ] يا لكاع ، فغير دال على الحل لاحتمال قصده بذلك نفي الأذى عن الحرائر ; لأن الإماء كن يقصدن للزنا ، قال تعالى { ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين } وكانت الحرائر تعرف بالستر فخشي أنه إذا استترت الإماء حصل الأذى للحرائر فأمر الإماء بالتكشف ويحترزن في الصيانة من أهل الفجور .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ويحرم نظر أمرد ) أي ولو على أمرد مثله ا هـ حج ( قوله : وهو من لم يبلغ ) أي باعتبار العادة الغالبة للناس لا جنسه ( قوله : بأن لم يندر وقوعها ) نبه به على أن مجرد الخوف لا يكفي في الحرمة وإن كان هو المتبادر من الخوف ، فإن الخوف يصدق بمجرد احتماله ولو على بعد فلا بد من ظن الفتنة بأن كثر وقوعها ( قوله : أو بشهوة ) ع والظاهر أن شعر رأسه كباقي بدنه فيحرم النظر إلى شعره المنفصل كالمتصل ا هـ سم على منهج ( قوله : ففائدة ذكرها ) أي الشهوة وقوله : فيه أي الأمرد ( قوله : بحيث يدرك ) أي باللذة ( قوله : فرقا بين الملتحي ) أي بحيث تسكن نفسه إليه ما لا تسكنه عند رؤية الملتحي ويوضحه قوله : وقريب منه قول السبكي إلخ ، وقوله : زيادة وقاع هو من إضافة الصفة إلى الموصوف : أي وإن لم يشته وقاعا زائدا على مجرد اللذة ( قوله : لعدم حله بحال ) أي ومع ذلك فالزنا بالمرأة أشد إثما من اللواط به على الراجح لما يؤدي إليه الزنا من اختلاط الأنساب ( قوله : سترى غبه ) أي عاقبة هذا الكلام ( قوله : ونازع في المهمات ) أي للإسنوي ( قوله : وقال الشيخ أبو حامد ) مرادهم به الإسفراييني عند الإطلاق ( قوله : ولا مبسوطه ) أي مع استقصائه النصوص فيها ( قوله : ولعله وقع للشافعي ) أي التعبير به

                                                                                                                            [ ص: 193 ] عند حصول إلخ ( قوله : كما أفتى به الوالد ) خلافا لحج .

                                                                                                                            وينبغي تقييد الجواز بعدالة الناظر والمنظور إليه أخذا مما مر له في نظر عبد المرأة لها ونظر الممسوح ومن قوله الآتي والأوجه حل نظر مملوكه إلخ ( قوله : نحو ولد أمرد ) لعل التقييد به ; لأن المشابهة في الغالب إنما تقع بين نحو الأم وولدها ، وإلا فلو بلغه استواء المرأة وشخص أجنبي عنها وتعذرت رؤيتها فينبغي جواز النظر إليه ، وفي سم على حج : وينبغي أنه يجوز نظر نحو أختها لكن إن كانت متزوجة فينبغي امتناع نظرها بغير رضا زوجها أو ظن رضاه ، وكذا بغير رضاها إذا كانت عزبا ; لأن مصلحتها ومصلحة زوجها مقدمة على مصلحة هذا الخاطب ا هـ .

                                                                                                                            وينبغي تقييد ذلك بأمن الفتنة وعدم الشهوة وإن لم يعتبر ذلك في المخطوبة نفسها ( قوله : وسماع وصفها ) قضيته أنه لو أمكنه إرسال امرأة تنظرها له وتصفها له لا يجوز له النظر .

                                                                                                                            وقد يتوقف فإن الخبر ليس كالمعاينة ، فقد يدرك الناظر من نفسه عند المعاينة ما تقصر العبارة عنه ( قوله : جاز له نظره ) قضية إطلاقه أنه لا يشترط لجواز رؤية الأمرد رضاه ولا رضا وليه ، وعليه فيمكن الفرق بينه وبين نظر أخت الزوجة بأنه يتسامح به في نظر الأمرد ما لا يتسامح به في نظر المرأة ومن ثم كان المعتمد جواز نظر الأمرد الجميل عند أمن الفتنة ( قوله : وعدم خوف الفتنة ) ولا يقال إن ذلك منزل منزلة النظر إليها ; لأن المخطوبة محل التمتع في الجملة ا هـ خطيب ( قوله : والأوجه حل نظر مملوكه ) أي مملوك الأمرد له ( قوله : وخرج بالنظر المس ) أي ولو بحائل على ما مر له في قوله وحينئذ فيلحق بها الأمرد في ذلك ، وقدمنا عن سم تقييد الحائل بالرقيق ، لكن عبارة الشارح في السير بعد قول المصنف ويسن ابتداؤه : أي السلام ما نصه : ويحرم تقبيل أمرد حسن لا محرمية بينه وبينه ونحوها ومس شيء بدنه بلا حائل كما مر ا هـ .

                                                                                                                            فإن كان مراده بما مر ما ذكره هنا فغير صحيح ; لأن ما هنا سوى فيه بين الحائل وغيره ، وإن أراد غيره فلينظر ( قوله : فيحرم وإن حل ) أي النظر ( قوله : فيما يظهر ) عبارة شيخنا الزيادي والخلوة به أو مس شيء من بدنه حرام حتى على طريقة الرافعي ; لأنهما أفحش ( قوله : والفرق بينهما وبين المس ظاهر ) [ ص: 194 ] أي وهو أن المس مظنة لتحريك الشهوة ( قوله : يا لكاع ) أي يا لئيمة ( قوله : ذلك أدنى أن يعرفن ) أي يميزن عن الإماء والقينات ا هـ بيضاوي ( قوله : ويحترزن في الصيانة ) أي فلا يلزم من كشف رأسها النظر إليها وبفرضه فلعل الأمر به أن المفسدة فيه أخف من المفسدة المترتبة على الستر من قصد الحرائر بالزنا



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : تمييز طريقة الرافعي ) أي مع ما قدمه من الحكمة في ذلك ( قوله : ولو مع أمن الفتنة ) أي أخذا من إطلاقه ( قوله : لا سيما مع مخالطة الناس لهم إلخ ) هذا لا تعلق له بما قبله كما يدرك بالتأمل ، وإنما هو من جملة ما يرد به اختيار المصنف ( قوله : على ما نبه عليه ابن الرفعة ) في التحفة كما نبه عليه ابن الرفعة ، وانظر ما مراده الذي نبه عليه ابن الرفعة ، ولعل المراد أنه نبه على قول أبي حامد لا أعرف هذا النص للشافعي لكن كان اللائق أن يقول كما [ ص: 193 ] نقله عنه ابن الرفعة أو نحو ذلك ( قوله : بحكايتها ) يعني الحرمة عند أمن الفتنة لكن الشارح : أعني المحلي لم يذكر ذلك في مقام الرد على المصنف كما يوهمه سباق الشارح هنا ، وإنما ذكره في مقام الاعتذار عمن نسب إلى المصنف الحرمة عند أمن الفتنة كما يعلم بمراجعة كلامه ( قوله : والأوجه حل نظر مملوكه إلخ ) أي إذا قلنا بطريقة المصنف ، وقوله نظر مملوكه : أي إليه فهو مصدر مضاف لفاعله ( قوله : لكن إن حرم النظر ) نظر فيه الشهاب سم ، وفي [ ص: 194 ] حاشية الزيادي أن الخلوة به حرام حتى على طريقة الرافعي




                                                                                                                            الخدمات العلمية