الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      وأتبع ذلك قوله: واستغفر الله ؛ أي: الذي له الإحاطة التامة؛ والغنى المطلق؛ كان ؛ أي: أزلا وأبدا؛ غفورا رحيما ؛ وهذا الاستغفار لا عن ذنب؛ إذ هو منزه عن ذلك؛ معصوم منه؛ ولكن عن مقام عال تام؛ للارتقاء إلى أعلى منه وأتم; وقد روى الترمذي سبب نزول هذه الآيات؛ إلى قوله (تعالى): فقد ضل ضلالا بعيدا ؛ من وجه مستقص مبين بيانا شافيا؛ وسمى بني أبيرق "بشرا"؛ و"بشيرا"؛ و"مبشرا"؛ ولم يذكر طعمة؛ والله [ ص: 390 ] - سبحانه وتعالى - أعلم؛ قال: عن قتادة بن النعمان قال: كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق: بشر؛ وبشير؛ ومبشر؛ فكان بشير رجلا منافقا؛ يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ ثم ينحله بعض العرب؛ ثم يقول: قال فلان كذا وكذا؛ فإذا سمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث؛ قال: وكانوا أهل بيت حاجة؛ وفاقة في الجاهلية؛ والإسلام؛ فقدمت ضافطة من الشام؛ فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك؛ فجعله في مشربة له؛ وفي المشربة سلاح؛ درع وسيف؛ فعدي عليه من تحت البيت؛ فنقبت المشربة؛ وأخذ الطعام والسلاح؛ فلما أصبح أتاني عمي رفاعة؛ فقال: يا ابن أخي؛ إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه؛ فنقبت مشربتنا؛ وذهب بطعامنا؛ وسلاحنا؛ قال: فتحسسنا في الدار؛ فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق [ ص: 391 ] استوقدوا في هذه الليلة؛ ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم؛ قال: وكان بنو أبيرق قالوا - ونحن نسأل في الدار -: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل - رجل منا له صلاح وإسلام -؛ فلما سمع لبيد اخترط سيفه وقال: أنا أسرق؟! فوالله ليخالطنكم هذا السيف؛ أو لتبينن هذه السرقة؛ قالوا: إليك عنا أيها الرجل؛ فما أنت بصاحبها؛ فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها؛ فقال لي عمي: يا ابن أخي؛ لو أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له؛ قال قتادة: فأتيته؛ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سآمر في ذلك"؛ فلما سمع بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير بن عروة؛ فكلموه في ذلك؛ فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار؛ فقالوا: يا رسول الله؛ إن قتادة بن النعمان؛ وعمه؛ عمدا إلى أهل بيت منا؛ أهل إسلام؛ وصلاح؛ يرمونهم بالسرقة من غير بينة؛ ولا ثبت؛ قال [ ص: 392 ] قتادة: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمته؛ فقال: "عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح؛ ترميهم بالسرقة على غير ثبت؛ وبينة؟!"؛ قال: فقال لي عمي: يا ابن أخي؛ ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال: الله المستعان؛ فلم يلبث أن نزل القرآن: إنا أنـزلنا إليك الكتاب بالحق ؛ إلى: خصيما بني أبيرق؛ واستغفر الله ؛ مما قلت لقتادة؛ إن الله كان غفورا رحيما ؛ إلى قوله: فسوف نؤتيه أجرا عظيما فلما نزل القرآن أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسلاح؛ فرده إلى رفاعة؛ فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين؛ فنزل على سلافة بنت سعد بن سمية؛ فأنزل الله - سبحانه وتعالى - ومن يشاقق الرسول ؛ إلى قوله: ضلالا بعيدا "؛ وروى الحديث ابن إسحاق في السيرة؛ وزاد: إن حسانا قال في نزوله عندها أبياتا؛ فطردته؛ فلحق بالطائف؛ فدخل بيتا ليسرق منه؛ فوقع عليه فمات؛ فقالت قريش: والله ما يفارق محمدا من أصحابه أحد فيه خير.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية