الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( قلت : ويباح ) ( النظر ) للوجه فقط ( لمعاملة ) كبيع وشراء ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلا ( أو شهادة ) تحملا وأداء لها وعليها كنظره للفرج ليشهد بولادة أو زنا أو عبالة أو التحام إفضاء والثدي للرضاع للحاجة ، وتعمد النظر للشهادة غير ضار وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدون فيما يظهر ، ويفرق بينه وبين ما مر في المعالجة بأن النساء ناقصات وقد لا يقبلن والمحارم قد لا يشهدون ، وأيضا فقد وسعوا هنا اعتناء بالشهادة والنظر لغير ذلك عمدا غير مفسق خلافا للماوردي ; لأنه صغيرة وتكلف الكشف للتحمل والأداء ، فإن امتنعت أمرت امرأة أو نحوها بكشفها ، قال السبكي : وعند نكاحها لا بد أن يعرفها الشاهدان بالنسب أو بكشف وجهها ; لأن التحمل عند النكاح منزل منزلة الأداء ا هـ .

                                                                                                                            ولو عرفها الشاهد في النقاب لم يحتج للكشف فعليه يحرم الكشف حينئذ إذ لا حاجة إليه ، ومتى خشي فتنة أو شهوة لم ينظر إلا إن تعين .

                                                                                                                            قال السبكي : ومع ذلك يأثم بالشهوة وإن أثيب على التحمل ; لأنه فعل ذو وجهين ، لكن خالفه غيره فبحث الحل مطلقا ; لأن الشهوة أمر طبعي لا ينفك عن النظر فلا يكلف الشاهد بإزالتها ولا يؤاخذ بها كما لا يؤاخذ الزوج بميل قلبه لبعض نسوته والحاكم بميل قلبه لبعض الخصوم ، والأوجه حمل الأول على ما هو باختياره ، والثاني على خلافه ، وما بحثه الزركشي من كون [ ص: 199 ] حل نظر الشاهد مفرعا على المذهب وهو عدم الاكتفاء بتعريف عدل .

                                                                                                                            أما ما عليه العمل كما يأتي في الشهادة فلا شك في امتناعه فيه نظر .

                                                                                                                            لأنا وإن قلنا به النظر أحوط وأولى ، وكفى بذلك حاجة مجوزة له ( وتعليم ) لأمرد وأنثى وقول الشارح وهو أي التعليم للأمرد خاصة تبع فيه السبكي ، والمعتمد أن جوازه غير مقصور عليه ولا على ما يجب تعليمه كما مر ، وسيعلم مما صرح به في الصداق ، ومحل جواز ذلك عند فقد جنس ومحرم صالح وتعذره من وراء حجاب ووجود مانع خلوة أخذا مما مر في العلاج ، ولا ينافي ذلك ما سيأتي في الصداق من تعذر تعليمه بعد الطلاق ; لأن تعليم المطلق يمتد معه الطمع لسبق مقرب الألفة فاشتدت الوحشة بينهما لتعلق آمال كل منهما بصاحبه بخلاف الأجنبي ، وعليه فلا بد من تلك الشروط هنا أيضا ، والأوجه عدم اعتبارها في الأمرد كما عليه الإجماع الفعلي ، ويتجه اشتراط العدالة فيهما كالمملوك بل أولى ( ونحوها ) كأمة يريد شراءها فينظر ما عدا عورتها وحاكم يحكم لها كما قاله الأذرعي أو عليها أو بحلفها كما قاله الجرجاني ، وإنما يجوز النظر في جميع ما مر ( بقدر الحاجة ) ( والله أعلم ) .

                                                                                                                            فلا يجوز أن يجاوز ما يحتاج إليه ; لأن ما حل لضرورة يقدر بقدرها ، ومن ثم قال الماوردي : لو عرفها الشاهد بنظرة لم تجز ثانية أو برؤية بعض وجهها لم تجز رؤية كله ، وما في البحر عن جمهور الفقهاء أنه يستوعبه مبني على القول بحل نظر وجهها حيث لا فتنة ولا شهوة ، وقد مر أن الأصح خلافه ، وكل ما حل له نظره منها للحاجة يحل لها منه نظره للحاجة أيضا كالمعاملة وغيرها مما مر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أو عبالة ) هي كبر الذكر ( قوله : والنظر لغير ذلك ) أي لغير ما ذكر من الأمور المجردة له ( قوله : أمرت امرأة إلخ ) أي قهرا عليها ويتلطف مريد الكشف بها بحيث لا يؤذيها ولا يتلف شيئا من أسبابها ، فلو امتنعت وأدت محاولة كشفها لإتلاف شيء من أسبابها فالظاهر أن الضمان لنسبة التلف إليها .

                                                                                                                            لا يقال : هي مأذون لها في الفعل من جهة الشارع ، وذلك مسقط للضمان .

                                                                                                                            لأنا نقول : لا يلزم من مجرد الإذن عدم الضمان كما صرحوا به فيما لو بعث سلطان إلى من ذكرت بسوء عنده فأجهضت حيث قيل فيه بالضمان مع أن كلا من الرسول ومرسله مأذون له من جهة الشرع ، إلا أن يقال : إن امتناعها من التمكين من الكشف ومعالجتها مقتض لإحالة التلف عليها ومسقط للضمان ، وأما لو حصل الضرر بمريدة الكشف بامتناع من أريد كشف وجهها للشهادة عليها مثلا فالأقرب ضمان الممتنعة ; لأن ذلك نشأ من امتناعها فنسب إليها ( قوله : لا بد ) أي لصحة النكاح ، حتى لو شهدا على شخص بأنه تزوج أو يتزوج امرأة من غير معرفة نسبها ولا صورتها لم يصح النكاح على ما هو المتبادر من هذه العبارة .

                                                                                                                            ثم رأيت في حج بعد الكلام على نكاح الشغار ما يصرح بعدم اشتراط معرفة الشهود لها حيث قال ما نصه : وتردد الأذرعي في أن الشهود هل يشترط معرفتهم لها كالزوج والذي أفهمه قول المتولي لتعذر تحمل الشهادة عليها أنهم مثله ، لكن رجح ابن العماد أنه لا يشترط معرفتهم لها بل الواجب حضورهم وضبط صيغة العقد لا غير حتى لو دعوا للأداء لم يشهدوا إلا بصورة العقد التي سمعوها كما قاله القاضي في فتاويه ا . هـ .

                                                                                                                            ثم ذكر كلاما أيد به كلام ابن العماد فراجعه ، وكتب عليه سم ما نصه : قوله : لكن رجح ابن العماد واعتمده م ر ا هـ ( قوله : منزل منزلة الأداء ) أي وأداء الشهادة لا بد للاعتداد به من معرفة المشهود عليه بنسبه أو عينه ( قوله : إلا إن تعين ) أي ويأتي مثل ذلك في جميع الصور التي يجوز فيها النظر ما عدا الخطبة على ما مر فيها ( قوله : فبحث الحل مطلقا ) أحل النظر للشهادة بشهوة أو لا ( قوله : والأوجه حمل الأول ) هو قوله : يأثم بالشهوة ، وقوله : والثاني هو قوله : فبحث الحل مطلقا ، وقوله : على خلافه : أي كما يقتضيه ما نظر به حج وهو ظاهر في القاضي ، أما الزوج فقد يمنع أن تعاطيه لما يوجب ميله لبعض [ ص: 199 ] نسائه محذور ، اللهم إلا أن يقال : إن المراد بالميل في حقه الميل المؤدي إلى الجور في القسمة ( قوله : مفرعا على المذهب ) معتمد ( قوله : أما ما عليه العمل ) ضعيف ( قوله : كما يأتي في الشهادة ) أي من الاكتفاء بتعريف العدل ( قوله : فيه نظر ) معتمد أيضا ( قوله : وإن قلنا به ) أي على المرجوح ، والضمير في به راجع لجواز التعريف ( قوله : مقصور عليه ) أي الأمرد ( قوله : عند فقد جنس ) وإنما يحتاج لهذه الشروط حيث لم يكن غير من توفرت فيه أمهر على ما تقدم عن حج ( قوله : فاشتدت الوحشة ) أي طلب كل منهما الآخر ( قوله : والأوجه عدم اعتبارها ) أي الشروط ( قوله : ويتجه اشتراط العدالة فيهما ) أي في الأمرد ومعلمه



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 198 ] قوله : والنظر لغير ذلك ) أي القصد وما بعده [ ص: 199 ] قوله : ولا على ما يجب تعليمه كما مر ) انظر أين مر ( قوله : وسيعلم مما يصرح به في الصداق ) الظاهر أنه معطوف على قوله كما مر فالضمير في سيعلم لما اعتمده من عدم القصر على ما ذكر وهو مخالف لما في التحفة فليراجع ( قوله : فاشتدت الوحشة بينهما ) تتأمل هذه العبارة ( قوله : وعليه فلا بد من تلك الشروط أيضا ) هذا لا موقع له في كلام الشارح وهو تابع فيه للتحفة لكن فيها ظاهر ، فإن المختار فيها خلاف موقع ما اختاره الشارح فيما مر من عدم قصر جواز النظر للتعليم على ما يجب تعليمه فالمختار فيها ذلك القصر ، ثم نقل فيها عن قضية كلام المصنف في الصداق أن ما لا يجب تعليمه كذلك ثم قال وعليه إلخ ( قوله : كأمة يريد شراءها فينظر ما عدا عورتها إلخ ) هذا المثال قطع فيه النظر عما قيد به عقب قول المصنف ويباح النظر من قوله للوجه فقط ( قوله : مبني على القول بحل نظر وجهها إلخ ) قد يقال لو كان كذلك لما تقيد بالمعاملة ونحوها




                                                                                                                            الخدمات العلمية