الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا يملك ) في غير الهبة الضمنية ( موهوب ) بالمعنى الأعم الشامل لجميع ما مر ولو من أب لولده الصغير ونقل ابن عبد البر إجماع الفقهاء أنه يكفي هنا الإشهاد لعله يريد فقهاء مذهبه ( إلا بقبض ) كقبض المبيع [ ص: 306 ] فيما مر بتفصيله نعم لا يكفي هنا الإتلاف ولا الوضع بين يديه بلا إذن ؛ لأن قبضه غير مستحق كالوديعة فاشتراط تحققه بخلاف المبيع وبحث بعضهم الاكتفاء به في الهدية فيه نظر وإن تسومح فيها بعدم الصيغة للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم { أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا فمات قبل أن تصل إليه فقسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه } ويقاس بالهدية الباقي وقال به كثيرون من الصحابة رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف والهبة الفاسدة المقبوضة كالصحيحة في عدم الضمان لا الملك

                                                                                                                              وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب ، أو ( بإذن الواهب ) ، أو وكيله فيه أو فيما يتضمنه كالإعتاق وكذا نحو الأكل خلافا للقاضي على ما قاله شارح لكن جزم غير واحد بما قاله القاضي وإن كان في يد المتهب فلو قبضه من غير إذن ضمنه ولو أذن ورجع عن الإذن أو جن ، أو أغمي ، أو حجر عليه ، أو مات أحدهما قبل القبض بطل الإذن ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله وقال المتهب بعده صدق الواهب على ما استظهره الأذرعي من تردد له في ذلك [ ص: 307 ] وله احتمال بتصديق المتهب ؛ لأن الأصل عدم الرجوع قبله وهو قريب ، ثم رأيت أن هذا هو المنقول كما ذكرته في شرح الإرشاد في باب الرهن مع فروع أخرى يتعين استحضارها هنا ويكفي الإقرار بالقبض كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته فقال نعم ، والإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة لا يستلزم القبض نعم يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما كما مر ، أو أخر الإقرار قال بعضهم وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه لئلا يتنبه له ، والهبة ذات الثواب بيع فإذا أقبض الثواب استقل بالقبض ( فلو مات أحدهما ) أي : الواهب ، والمتهب بالمعنى الأعم الشامل للهدية ، والصدقة على الأوجه ( بين الهبة ، والقبض قام وارثه مقامه ) في القبض ، والإقباض ؛ لأنه خليفته .

                                                                                                                              ( وقيل ينفسخ العقد ) بالموت لجوازه كالشركة وفرق الأول بأنها تئول للزوم بخلاف نحو الشركة ويؤخذ منه تضعيف ما في تحرير الجرجاني أن الهدية تنفسخ بالموت قبل وصولها قولا واحدا لعدم القبول ا هـ ووجه ضعفه أن المدار ليس على القبول بل على الأيلولة للزوم وهو جار في الهدية والصدقة أيضا ولا تبطل الهبة بجنون الواهب وإغمائه فيكفي إقباضه بعد إفاقته لا إقباض وليه قبلها وكذا المتهب نعم لوليه القبض قبل إفاقته .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله ولا الوضع بين يديه بلا إذن ) تقدم في هامش قوله في الهدية ، والقبض من ذلك عن التجريد وغيره مع نقله عن البغوي أنه يكفي الوضع بين يديه إذا أعلمه فلم يشترط الإذن بل الإعلام وهو متجه وقد يقال الإعلام يقوم مقام الإذن ( قوله : كالإعتاق ) تمثيل لما يتضمنه وقوله وكذا إلخ عطف على الإعتاق ش ( قوله : على ما قاله شارح ) جزم به في الروض حيث قال فرع ليس الإتلاف أي : من المتهب قبضا إلا إن أذن له في الأكل ، أو [ ص: 307 ] العتق عنه قال في شرحه فيكون قبضا ويقدر أنه ملك قبل الازدراد ، والعتق ( قوله : وله احتمال بتصديق المتهب ) اعتمده م ر ( قوله : الشامل للهدية ، والصدقة ) كأن صورة الصدقة أن يقول لآخر خذ هذا صدقة فيموت قبل أخذه

                                                                                                                              ( قوله : في المتن قام وارثه مقامه ) علم منه ومن قوله وقيل ينفسخ العقد إلخ أن الصحيح عدم انفساخ كل من الهبة ، والهدية ، والصدقة بالموت فإن قلت لا فائدة لعدم الانفساخ لما تقدم من بطلان الإذن في القبض بالموت فلا بد من إذن الوارث فإن أذن كان ابتداء تمليك منه وإلا لم يملك شيئا قلت بل له فائدة فإنه إذا مات الواهب بعد عقد الهبة فأذن وارثه في القبض ملك المتهب بالقبض ولو حكم بانفساخ العقد لم يملك به وتوقف الملك على إيجاب الوارث وقبول المتهب ، ثم القبض بإذن الوارث ولو أرسل الهدية ، ثم مات قبل تسليمها للمهدي إليه فإذن الوارث فيه حصل الملك بتسلمها ولو انفسخ الإهداء لم يكف مجرد الإذن في التسلم ؛ لأنه ليس إهداء بل كان يحتاج إلى إرسال من الوارث ولو وضع بين يديه درهما على وجه التصدق به عليه فمات قبل قبضه فأذن الوارث له في قبضه ملكه بالقبض ولو قلنا بانفساخ التصديق لم يملك بمجرد إذن الوارث في قبضه فيما يظهر بل كان بالإباحة أشبه فليتأمل

                                                                                                                              ( قوله : ويؤخذ منه تضعيف ما في تحرير الجرجاني ) أي : ولا ينافي تضعيفه ما تقدم في قضية النجاشي إذ ليس فيها انفساخها بل رجوع المهدي وهو هو عليه الصلاة والسلام ولا إشكال فيه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله في غير الهبة ) إلى قول المتن فلو مات في المغني إلا قوله وبحث بعضهم إلى ، والهبة الفاسدة وقوله خلافا إلى وإن كان في يد المتهب وقوله الواهب على ما إلى المتهب ؛ لأن وقوله نعم يكفي إلى ، والهبة ذات ( قوله : في غير الهبة الضمنية ) سيذكر محترزه ( قوله بالمعنى الأعم إلخ ) عبارة المغني بالهبة الصحيحة غير الضمنية وذات الثواب الشاملة للهدية والصدقة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ونقل ابن عبد البر إلخ ) عبارة المغني خلافا لما حكاه ابن عبد البر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ابن عبد البر ) هو مالكي [ ص: 306 ] ا هـ ع ش ( قوله فيما مر بتفصيله ) فلا بد من إمكان السير إليه إن كان غائبا ، والزيادة الحادثة من الموهوب قبل قبضه للواهب لبقائه على ملكه ويقبض المشاع بقبض الجميع منقولا كان أو غيره فإن كان منقولا ومنع من القبض شريكه ووكله الموهوب له في قبض نصيبه صح فإن لم يوكله الموهوب له قبض الحاكم ولو بنائبه ويكون في يده لهما ويصح بيع الواهب للموهوب قبل القبض وإن ظن لزوم الهبة وحصول الملك بالعقد ويبطل الهبة مغني وروض مع شرحه

                                                                                                                              ( قوله : لا يكفي هنا الإتلاف ) أي : إلا إن كان الإتلاف بالأكل أو العتق وأذن فيه الواهب فيكون قبضا ا هـ شيخنا الزيادي ا هـ ع ش وسيفيده الشارح بقوله كالإعتاق وكذا نحو الأكل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ولا الوضع بين يديه إلخ ) تقدم في هامش قوله في الهدية ، والقبض من ذلك عن التجريد وغيره مع نقله عن البغوي أنه يكفي الوضع بين يديه إذا أعلمه فلم يشترط الإذن بل الإعلام وهو متجه وقد يقال الإعلام يقوم مقام الإذن سم على حج ا هـ ع ش وقوله وقد يقال إلخ أي فلا مخالفة ( قوله : وبحث بعضهم إلخ ) عبارة النهاية ، والأوجه اعتبار ذلك أي : القبض في الهدية خلافا لما بحثه بعضهم فيها ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : الاكتفاء به إلخ ) أي كما عليه عمل الناس ( قوله : فيه نظر ) ، ولعل الخلاف إنما هو بالنسبة لأحكام الدنيا فقط فلو تصرف المهدى إليه في الهدية المذكورة فلا يطالب بها في الآخرة فليراجع

                                                                                                                              ( قوله للخبر الصحيح ) تعليل للمتن ا هـ رشيدي عبارة المغني عقب المتن فلا يملك بالعقد لما روى الحاكم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم { أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا ، ثم قال لأم سلمة إني لأرى النجاشي قد مات ولا أدري الهدية التي أهديت إليه ألا تسترد وإذا ردت إلي فهي لك فكان كذلك } ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بين نسائه ) أي صلى الله عليه وسلم لكن الذي مر آنفا عن المغني عن الحاكم يقتضي في الهبة تخصيصه بأم سلمة فليحرر ا هـ سيد عمر ( قوله : وقال به ) أي باشتراط القبض في الهبة بالمعنى العام ( قوله : كثيرون من الصحابة إلخ ) أي : فهو إجماع سكوتي وإنما احتاج لهذا بعد الخبر الصحيح ؛ لأن لقائل أن يقول إن الهدية تملك بأحد شيئين القبض أو الوضع بين اليدين مثلا ولم يوجد واحد منهما فيه فتصرفه صلى الله عليه وسلم في الهدية لانتفائهما ا هـ رشيدي ( قوله : بإقباض الواهب ) أي : أو وكيله

                                                                                                                              ( قوله : فيه ) أي : القبض ، والجار متعلق بإذن إلخ ( قوله : يتضمنه ) أي : القبض أو الإذن فيه ( قوله كالإعتاق ) تمثيل لما يتضمنه و ( قوله : وكذا إلخ ) عطف على الإعتاق ش ا هـ سم ولا يخفى ما في هذا العطف لو قال راجع إلى الإعتاق لكان أولى ، عبارة المغني فإن أذن له في الأكل أو العتق عنه أي : المتهب فأكله أو أعتقه كان قبضا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : على ما قاله الشارح ) لعل الأسبك تقديمه على قوله خلافا للقاضي قال سم جزم به أي : بما قاله الشارح الروض حيث قال فرع ليس الإتلاف أي : من المتهب قبضا إلا إن أذن له في الأكل ، أو العتق أي : عنه قال في شرحه فيكون قبضا ويقدر أنه ملكه قبل الازدراد ، والعتق انتهى ا هـ وكذا جزم به المغني والزيادي كما مر وقوله قبل الازدراد إلخ قال ع ش قياس ما هو المعتمد في الضيافة من الملك بالوضع في الفم أن يقدر انتقاله إليه هنا قبيل الوضع في الفم ، والتلفظ بالصيغة ا هـ أي : صيغة العتق ( قوله : وإن كان في يد المتهب ) غاية لما في المتن ا هـ رشيدي

                                                                                                                              ( قوله : من غير إذن ) أي ولا إقباض ا هـ مغني ( قوله : قبل القبض ) أي : قبل تمامه ولو معه ا هـ ع ش ( قوله : قبل القبض ) راجع إلى قوله ورجع وما عطف عليه ( قوله : ولو قبضه إلخ ) ولو أقبضه وقال قصدت به الإيداع ، أو العارية وأنكر المتهب صدق الواهب كما في الاستقصاء ا هـ نهاية زاد المغني ولو اختلفا في الإذن في القبض صدق الواهب ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : صدق الواهب إلخ ) عبارة النهاية صدق المتهب ؛ لأن الأصل عدم الرجوع خلافا لما استظهره الأذرعي من تصديق الواهب [ ص: 307 ] ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : ؛ لأن الأصل عدم الرجوع إلخ ) ظاهره وإن اتفقا على وقت الرجوع واختلفا في وقت القبض ولو قيل بمجيء تفصيل الرجعة فيه لم يبعد فيقال ، إن اتفقا على وقت القبض واختلفا في وقت الرجوع صدق المتهب ، وفي عكسه يصدق الواهب ، وفيما إذا لم يتفقا على شيء يصدق السابق بالدعوى ، وإن ادعيا معا صدق المتهب ا هـ ع ش ( قوله : وهو قريب إلخ ) أي : الاحتمال

                                                                                                                              ( قوله : والإقرار ، والشهادة إلخ ) عبارة المغني ، والروض مع شرحه وليس الإقرار بالهبة ولو مع الملك إقرارا بالقبض للموهوب لجواز أن تعتقد لزومها بالعقد ، والإقرار يحمل على اليقين إلا إن قال وهبته له وخرجت منه إليه وكان في يد المتهب وإلا فلا وقوله وهبته وأقبضته له إقرار بالهبة ، والقبض ا هـ ( قوله : نعم يكفي إلخ ) وينبغي أن يأتي مثله فيما لو قال الشاهد أشهد أنه ملكه ملكا لازما فيغني ذلك عن قوله وهبه وأقبضه ا هـ ع ش ( قوله : سؤال الشاهد عنه ) أي القبض وينبغي أن محله في العالم بأنها لا تملك إلا بالقبض ا هـ ع ش ( قوله : استقل ) أي : المتهب ( قوله : أي : الواهب ) إلى قوله لا إقباض وليه في المغني إلا قوله ويؤخذ إلى وهو جار ( قوله : في القبض إلخ ) أي : وارث الواهب في الإقباض ، والإذن في القبض ووارث المتهب في القبض ا هـ مغني ( قوله : للهدية ، والصدقة ) كان صورة الصدقة أن يقول لآخر خذ هذا صدقة فيموت قبل أخذه ا هـ سم ( قوله : بأنها ) أي الهبة

                                                                                                                              ( قوله : ويؤخذ منه ) أي : من ذلك الفرق ( قوله : وهو جار ) أي الأيلولة إلى اللزوم ( قوله : أيضا ) أي : كالهبة بالمعنى الخاص ( قوله : لا إقباض وليه إلخ ) ولولي المجنون قبضه قبل الإفاقة نهاية ومغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية