الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويسن للوالد ) أي : الأصل وإن علا ( العدل في عطية أولاده ) أي : فروعه وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال جمع يحرم ، والأصل في ذلك خبر البخاري { اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم } وخبر أحمد أنه صلى الله عليه وسلم { قال لمن أراد أن يشهده على عطية لبعض أولاده لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم } . وفي رواية لمسلم { أشهد على هذا غيري ، ثم قال أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال فلا }

                                                                                                                              إذن فأمره بإشهاد غيره صريح في الجواز وأن تسميته جورا باعتبار ما فيه من عدم العدل المطلوب فإن فضل البعض أعطى الآخرين ما يحصل به العدل [ ص: 308 ] وإلا رجع ندبا للأمر به في رواية نعم الأوجه أنه لو علم من المحروم الرضا وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يسن الرجوع ولم يكره التفضيل كما لو أحرم فاسقا لئلا يصرفه في معصية ، أو عاقا ، أو زاد أو آثر الأحوج ، أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة رضي الله تعالى عنهما ، والأوجه أن تخصيص بعضهم بالرجوع في هبته كهو بالهبة فيما مر وأفهم قوله كغيره عطية أنه لا يطلب منه التسوية في غيرها كالتودد بالكلام وغيره .

                                                                                                                              لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في القيل أي : للمميزين وله وجه إذ كثيرا ما يترتب على التفاوت في ذلك ما مر في الإعطاء ومن ثم ينبغي أن يأتي هنا أيضا استثناء التمييز لعذر ويسن للولد أيضا العدل في عطية أصوله فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة عن الدارمي فإن فضل فالأولى أن يفضل الأم وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه إنه أولى من بعض بل في شرح مسلم عن المحاسبي الإجماع على تفضيلها في البر على الأب وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة ، والعاصب أقوى من غيره ، وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى ؛ لأنها أحوج وبهذا فارق ما مر أنه يقدم عليها في الفطرة ؛ لأن ملحظها الشرف كما مر ويسن على الأوجه العدل بين نحو الإخوة أيضا لكنها دون طلبها في الأولاد وروى البيهقي خبر { حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده } وفي رواية { الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب } وإنما يحصل [ ص: 309 ] العدل بين من ذكر ( بأن يسوي بين الذكر ، والأنثى ) لرواية ظاهرة في ذلك في الخبر السابق ولخبر ضعيف متصل وقيل الصحيح إرساله { سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء وفي نسخة البنات } ( وقيل كقسمة الإرث ) وفرق الأول بأن ملخص هذا العصوبة وهي مختلفة مع عدم تهمة فيه وملحظ ذاك الرحم وهما فيه سواء مع التهمة فيه وعلى هذا ، وما مر في إعطاء أولاد الأولاد مع الأولاد تتصور التسوية بأن يفرض الأسفلون في درجة الأعلين نظير ما يأتي في ميراث الأرحام على قول ( فرع )

                                                                                                                              أعطى آخر دراهم ليشتري بها عمامة مثلا ولم تدل قرينة حاله على أن قصده مجرد التبسط المعتاد لزمه شراء ما ذكر وإن ملكه ؛ لأنه ملك مقيد يصرفه فيما عينه المعطي ولو مات قبل صرفه في ذلك انتقل لورثته ملكا مطلقا كما هو ظاهر لزوال التقييد بموته كما لو ماتت الدابة الموصى بعلفها قبل الصرف فيه فإنه يتصرف فيه مالكها كيف شاء ولا يعود لورثة الموصي ، أو بشرط أن يشتري بها ذلك بطل الإعطاء من أصله ؛ لأن الشرط صريح في المناقضة لا يقبل تأويلا بخلاف غيره .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : وإن سفلوا إلخ ) كذا شرح م ر ( قوله : أم تبرعا ) كالإباحة ( قوله : [ ص: 308 ] وإلا رجع ) الظاهر أن الرجوع لا يأتي في الوقف ( قوله : حتى في القيل ) أي : الكلام ( قوله : ؛ لأنها أحوج ) [ ص: 309 ] يتأمل فإن الأحوجية لا تدل على تلك الأقووية .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : أي : الأصل ) إلى الفرع في النهاية إلا قوله وقضيته إلى بل في شرح مسلم وقوله وإنما فضل إلى ويسن ( قوله وإن سفلوا ) أي : ذكورا كانوا أو إناثا ا هـ ع ش ( قوله : خصص الأولاد ) عبارة النهاية خصصه بالأولاد ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : أم تبرعا آخر ) كالإباحة ا هـ سم عبارة السيد عمر يشمل ما لو كان بطريق المحاباة في ضمن عقد وهو ظاهر ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كره إلخ ) وهو المعتمد ا هـ مغني ( قوله : في ذلك ) أي : سن العدل ( قوله : فأمره إلخ ) لعل الأولى الواو بدل الفاء

                                                                                                                              ( قوله : وأن تسميته إلخ ) عطف على جملة أمره بإشهاد إلخ فكان الأولى حذف أن كما في النهاية ( قوله : المطلوب ) أي : ندبا ( قوله : أعطى ) أي : [ ص: 308 ] الأصل المفضل ( قوله : وإلا رجع ) الظاهر أن الرجوع لا يأتي في الوقف ا هـ سم ( قوله : ورقة دينه ) لعل الواو بمعنى ، أو ( قوله : ولم يكره إلخ ) لا يخفى ما في عطفه على ما قبله إلا أن يراد بالمحروم ما يشمل المحروم بالفعل وبالإرادة وبالعقوق ما يشمل العقوق لو رجع ، والعقوق لو لم يفضل تأمل ولو قال كما لا يكره التفضيل لو أحرم فاسقا إلخ لكان واضحا عبارة المغني ( تنبيه )

                                                                                                                              محل الكراهة عند الاستواء في الحاجة أو عدمها وإلا فلا كراهة وعلى ذلك يحمل تفضيل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فيما يأتي ويستثنى العاق والفاسق إذا علم أنه يصرفه في المعاصي فلا يكره حرمانه ا هـ قال ع ش بقي ما لو اختلف العصيان كأن كان أحدهما مبتدعا والآخر فاسقا يشرب الخمر مثلا وأراد دفعه لأحدهما ، والأقرب أنه يؤثر به الأول ؛ لأنه بنى عقيدته على شبهة فهو معذور ومن ثم تقبل شهادته وينبغي أنه لو لم يكن لأحدهما شبهة لكن كانت معصية أحدهما أغلظ ككونه فسق بشرب الخمر ، والزنا ، واللواط ، والآخر بشرب الخمر فقط ، أو بتعاطي العقود الفاسدة أن يقدم الأخف ا هـ وقوله ، والأقرب أنه يؤثر إلخ ينبغي حمله على إذا لم يكن هناك قول بكفره ببدعته وإلا فالأقرب أن يؤثر به الثاني ( قوله : في معصيته ) ينبغي أن يحرم إن غلب على الظن صرفه في المعصية ا هـ سيد عمر ( قوله : أو عاقا ) تأمل الجمع بينه وبين ما مر آنفا في قوله وظن عقوق غيره فإنه قد يتبادر أنهما متنافيان وأيضا فإطلاق حديث { صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأحسن إلى من أساء إليك } يقتضي أنه أولى بالبر من البار فليتأمل لا سيما إذا غلب على الظن أن الحرمان يزيد في عقوقه ، ولعله محمول على ما إذا ظن زوال العقوق بالحرمان ، ثم رأيت قول الشارح الآتي في الرجوع وبحث الإسنوي إلخ وهو مؤيد لما ذكرته والله أعلم ا هـ سيد عمر وقوله إذا ظن زوال العقوق إلخ أقول ، أو ظن عدم إفادة الإعطاء والحرمان شيئا أخذا مما يأتي

                                                                                                                              ( قوله : أو زاد ) أي : في الإعطاء عطف على أحرم ( قوله : أو آثر ) أي للإعطاء و ( قوله : الأحوج إلخ ) تنازع فيه الفعلان وأعمل فيه الثاني ( قوله : بنحو فضل ) كالعلم ، والورع ا هـ حلبي ، والجار متعلق بالمتميز ( قوله : كما فعله الصديق مع عائشة إلخ ) وعمر مع عاصم وعبد الله بن عمر مع بعض أولاده رضي الله تعالى عنهم ا هـ مغني ( قوله : ، والأوجه إلخ ) كذا في في المغني ( قوله : كهو ) أي : كالتخصيص ( قوله : فيما مر ) أي : في كراهته بلا عذر ( قوله وغيره ) أي : غير الكلام كالقبلة ، والواو بمعنى ، أو ( قوله : حتى في القيل ) أي الكلام ا هـ سم ( قوله : في ذلك ) أي : في نحو الكلام ( قوله : ما مر إلخ ) انظر في أي محل عبارة المغني عقب التعليل بالأحاديث المارة ولئلا يفضي بهم الأمر إلى العقوق ، أو التحاسد ا هـ ، ولعل الشارح توهم سبق نظيرها منه

                                                                                                                              ( قوله هنا ) أي : في كراهة التفضيل بغير الهبة ( قوله : التمييز ) أي تفضيل بعض أولاده بنحو الكلام ( قوله ويسن للولد ) إلى قوله وقضيته في المغني إلا قوله خلافا إلى فإن فضل وقوله وأقره ( قوله فإن فضل ) أي : فإن ارتكب المكروه وفضل قاله ع ش ورشيدي وهذا إنما يناسب مختار النهاية كالمغني من كراهة تفضيل بعض الأصول خلافا للشارح ( قوله : ثلثي البر ) وعليه يحمل ما في شرح مسلم إلخ كذا في النهاية وكذا كان في أصل الشارح ، ثم ضرب وزاد ما ترى ا هـ سيد عمر قال الرشيدي قوله مر عليه يحمل إلخ أي : على ما إذا ارتكب المكروه وهذا ما يظهر من الشارح مر وأما ما في التحفة عن الروضة من ذكر الأولوية التي استنبط منها عدم الكراهة فلا يوافق ما في الروضة وعبارتها ينبغي للوالد أن يعدل بين أولاده في العطية فإن لم يعدل فقد فعل مكروها وإلى أن قال وكذا الولد لو وهب لوالديه قال الدارمي فإن فضل فليفضل الأم والله أعلم انتهت ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إذ لا يقال إلخ ) فيه نظر إذ لا مانع من كون بعض أفراد المكروه أخف من بعض

                                                                                                                              ( قوله : وإنما فضل إلخ ) أي : الأب ( قوله : وهي فيه ) أي الأم في الرحم ( قوله : ؛ لأنها أحوج ) يتأمل فإن الأحوجية لا تدل على تلك الأقووية ا هـ سم ( قوله ويسن على الأوجه ) إلى المتن في المغني ( قوله : لكنها ) أي : العدالة ، والتسوية ( قوله : وروى البيهقي إلخ ) المراد أنه كما يستحب للوالد التسوية بين أولاده فكبير الإخوة يستحب له العدل بين إخوته فيما [ ص: 309 ] يتبرع به عليهم وهذا بناء على الغالب من أن الكبير يتميز في العادة عن إخوته يكفلهم ويتصرف في أمورهم وإلا فقد يحصل للصغير من الإخوة شرف يتميز به عن كبارهم فينبغي له مراعاتهم ، والعدل بينهم ا هـ ع ش وقوله المراد أنه إلخ فيه تأمل ( قوله : وفي نسخة إلخ ) أي : رواية ا هـ ع ش ( قوله ملحظ هذا ) أي : الميراث و ( قوله مع عدم تهمة فيه ) أي : ؛ لأن الوارث رضي بما فرض الله تعالى ا هـ مغني

                                                                                                                              ( قوله : وملحظ ذاك ) أي عطية الأصل و ( قوله : مع التهمة فيه ) أي : ؛ لأنها بر أي : المعطى ( قوله وعلى هذا ، وما مر إلخ ) يتأمل المراد به سيد عمر أقول بجعل الواو بمعنى مع يتضح أن المراد به دفع ما يتراءى من التنافي بين هذا القيل الظاهر في حجب أولاد الأولاد عن العطية بالأولاد بين ما مر الصريح في عدم الحجب ( قوله : فرع أعطى إلخ ) يتأمل مناسبته لهذا المحل ا هـ سيد عمر أي ، والمناسب ذكره في مبحث شروط الهبة قبيل العمرى ، والرقبى ( قوله ولو مات ) أي : المعطي له ( قوله : أو بشرط إلخ ) عطف على ليشتري بها إلخ ( قوله : في المناقضة ) أي : للتمليك ( قوله : بخلاف غيره ) أي : كي يشتري بها عمامة .




                                                                                                                              الخدمات العلمية