الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " وإذا قرأ السجدة سجد فيها "

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا كما قال يستحب لمن قرأ السجدة ، أو سمع من يقرؤها أن يسجد لها في صلاة كان ، أو غير صلاة ، ولا تجب عليه قارئا كان أو مستمعا ، وبه قال عمر ، وهو مذهب مالك

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : سجود التلاوة واجب على القارئ ، والمستمع في صلاة وغير صلاة ، فإن كان في غير صلاة سجد في الحال ، وإن كان في صلاة فهو بالخيار إن شاء سجد في الحال ، وإن شاء سجد بعد السلام

                                                                                                                                            واستدل بقوله تعالى : فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون [ الانشقاق : 20 ] . فذمهم بترك السجود ووبخهم عليه ، فدل على وجوبه ، قال : ولأنها سجود مفعول في الصلاة فوجب أن يكون واجبا كسجدات الصلاة

                                                                                                                                            ودليلنا رواية عطاء بن يسار عن زيد بن ثابت أنه قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بسورة النجم فلم يسجد ولو كان واجبا لسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر به زيدا ، وروي أن رجلا قرأ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم آية سجدة فسجد ، وقرأها آخر فلم يسجد ، فقال صلى الله عليه وسلم : " كنت إمامنا ، فلو سجدت سجدنا

                                                                                                                                            [ ص: 201 ] وفيه دليلان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه لم يأمره بالسجود وأقره على تركه .

                                                                                                                                            والثاني : قوله صلى الله عليه وسلم : " لو سجدت سجدنا " على سبيل المتابعة والتخيير .

                                                                                                                                            وروى الشافعي أن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، قرأ السجدة على المنبر يوم الجمعة فسجد ، وقرأها في الجمعة الثانية فتهيأ الناس للسجود ، فقال : أيها الناس على رسلكم إن الله عز وجل لم يكتبها علينا إلا أن نشاء .

                                                                                                                                            وروى عنه الشافعي أنه قال : فمن سجد فقد أحسن ، ومن لم يسجد فلا إثم عليه .

                                                                                                                                            فدل قوله رضي الله عنه بحضرة الملإ من المهاجرين ، والأنصار ، وعدم مخالفتهم له على إجماعهم أنه ليس بواجب ، ولأنه سجود يجب للمسافر فعله على الراحلة في الأحوال ، فاقتضى أن لا يكون واجبا .

                                                                                                                                            أصله سجود النافلة ، ولأنها صلاة غير واجبة فوجب أن لا يكون السجود لها واجبا .

                                                                                                                                            أصله إذا أعاد تلك الآية ، ولأنه لما لم يجب عند العود إلى التلاوة لم يجب عند ابتداء التلاوة ، كالطهارة ، ولأن كل سجود لا تبطل الصلاة بتركه فهو مسنون كسجود السهو ، وأما قوله تعالى : وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون فالمراد بها الكفار بدليل ما تعقبها من الوعيد الذي لا يستحقه من ترك سجود التلاوة ، وقوله تعالى : لا يسجدون [ الانشقاق : 21 ] يعني لا يعتقدون ، ألا ترى قوله تعالى : بل الذين كفروا يكذبون [ الانشقاق : 25 ] .

                                                                                                                                            وأما قياسهم فباطل ، لسجود السهو على أن المعنى في سجود الصلاة كونه مرتبا في أوقات معتبرات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية