الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( بان فسق ) الولي ، أو ( الشاهد ) أو غيره من موانع النكاح كجنون ، أو إغماء ، أو صغر ادعاه وارثه ، أو وارثها وقد عهد ، أو أثبته ( عند العقد ) ( فباطل على المذهب ) كما لو بانا كافرين لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر وخرج بعند [ ص: 221 ] العقد تبينه قبله .

                                                                                                                            نعم تبينه قبل مضي زمن الاستبراء كتبينه عنده والطريق الثاني هو صحيح في أحد قولين اكتفاء بالستر يومئذ ( وإنما يتبين ) الفسق ، أو غيره بعلم الحاكم حيث ساغ له الحكم بعلمه فيلزمه التفريق بينهما ولو لم يترافعا إليه ما لم يحكم حاكم يراه بصحته ، أو ( ببينة ) تشهد به مفسرا سواء أكان الشاهد عدلا أو مستورا ، وكون الستر يزول بإخبار عدل بالفسق ولو غير مفسر محله فيما قبل العقد ، بخلافه بعده لانعقاده ظاهرا فلا بد من ثبوت مبطله ( أو اتفاق الزوجين ) على فسقهما عند العقد سواء أعلما به عنده أم بعده ما لم يقرا قبل عند حاكم أنه بعدلين ويحكم بصحته ، وإلا لم يلتفت لاتفاقهما : أي بالنسبة لحقوق الزوجية لا لتقرير النكاح .

                                                                                                                            وذكر ابن الرفعة في المطلب بحثا عدم قبول إقرار السفيه في إبطال ما ثبت لها من المال ومثلها الأمة ، ثم محل بطلانه باتفاقهما إنما هو فيما يتعلق بحقهما دون حق الله تعالى ، فلو طلقها ثلاثا ثم توافقا وأقاما أو الزوج بينة بفساد النكاح بذلك أو بغيره لم يلتفت لذلك بالنسبة لسقوط التحليل لأنه حق لله تعالى فلا يرتفع بذلك .

                                                                                                                            قاله الخوارزمي ، ولأن إقدامه على العقد يقتضي اعترافه باستجماع معتبراته نظير ما مر في الضمان والحوالة ، وقضيته سماعها ممن زوجه وليه ، وهو غير مراد فالمعول عليه من التعليل الأول ، وبهما علم ضعف قول الزبيلي تسمع بينته إن بينت السبب ولم يسبق منه إقرار بصحته .

                                                                                                                            نعم إن علما المفسد جاز لهما العمل بقضيته باطنا ، لكن إذا علم [ ص: 222 ] الحاكم بهما فرق بينهما كنظيره الآتي قبيل فصل تعليق الطلاق بالأزمنة ، وما نقل عن الكافي من عدم التعرض لهما محمول على غير الحاكم مع أنه منازع فيه وإنما هو بحث للأذرعي ، وبحث السبكي قبول بينته إذا لم يرد نكاحا بل التخلص من المهر : أي ولم يسبق منه إقرار بصحته وخرج بأقاما ، أو الزوج ما لو قامت حسبة ووجدت شروط قيامها فتسمع كما نقله صاحب الأنوار وغيره واعتمدوه ، وذكر البغوي في تعليقه أن بينة الحسبة تقبل لكنهم ذكروا في باب الشهادات أن محل قبول بينة الحسبة عند الحاجة إليها كأن طلق شخص زوجته وهو يعاشرها أو أعتق رقيقه وهو ينكر ذلك ، أما إذا لم تدع إليها حاجة فلا تسمع ، وهنا كذلك نبه على ذلك الوالد رحمهما الله وهو حسن ( ولا أثر ) ( لقول الشاهدين كنا ) عند العقد ( فاسقين ) مثلا لأنهما مقران على غيرهما ، نعم له أثر في حقيهما [ ص: 223 ] فلو حضرا عقد أختهما مثلا ثم ماتت وورثاها سقط المهر قبل الوطء وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل : أي إن كان دون المسمى ، أو مثله لا أكثر كما بحثه بعض المتأخرين ، وهو واضح لئلا يلزم أنهما أوجبا بإقرارهما حقا لهما على غيرهما ( ولو اعترف به الزوج وأنكرت فرق بينهما ) مؤاخذة له بقوله وهي فرقة فسخ لا تنقص عددا ( وعليه ) أي الزوج المقر بالفسق ( نصف المهر ) المسمى ( إن لم يدخل بها وإلا ) كأن دخل بها ( فكله ) عليه ولا يرثها لأن حكم اعترافه مقصور عليه ومن ثم ورثته ، لكن بعد حلفها أنه عقد بعدلين وخرج باعترافه اعترافها بخلل ولي ، أو شاهد فلا يفرق بينهما لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها والأصل بقاؤها ، ولكن لو مات لم ترثه وإن ماتت ، أو طلقها قبل وطء فلا مهر أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ما لم تكن محجورا عليها بسفه فلا سقوط لفساد إقرارها في المال كما مر ، وبحث الإسنوي أن محل سقوطه قبل الوطء ما إذا لم تقبضه ، وإلا لم يسترده أخذا من قول الرافعي لو قال طلقها بعد الوطء فلي الرجعة فقالت بل قبله صدقت وهو مقر لها بالمهر ، فإن كانت قبضته لم يرجع به وإلا لم تطالبه إلا بنصفه والنصف الذي ينكره هناك بمثابة الكل هنا .

                                                                                                                            وما أجيب به عن ذلك بأن الزوجين في تلك اتفقا على حصول الموجب للمهر وهو العقد واختلفا في المقر له وهو الوطء وهنا تدعي نفي السبب الموجب له فلو ملكناها شيئا منه لملكته بغير سبب تدعيه رده الوالد رحمهما الله بأن الجواب المذكور لا يجدي شيئا والمعتمد التسوية بين المسألتين ، إذ الجامع المعتبر بينهما أن من في يده المال معترف بأنه لغيره وذلك الغير ينكره فيقر المال في يده فيهما .

                                                                                                                            ونقل ابن الرفعة عن الذخائر أنه لو قالت نكحني بغير ولي وشهود فقال بل بهما صدقت بيمينها لأن ذلك إنكار لأصل العقد ، قال الزركشي : وهو ما نص عليه في الأم مردود بأنه تفريع على تصديق مدعي الفساد ، فالأصح أن القول قوله ، وفي كلام ابن الرفعة ما يدل عليه حيث قال : وكان ينبغي تخريجه على دعوى الصحة والفساد .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ، أو وارثها ) قضيته أنه لو ادعاه أحد الزوجين لا تسمع [ ص: 221 ] دعواه ( قوله : تبينه قبله ) أي فلا يضر ( قوله : كتبينه عنده ) فيضر وهو واضح في الشاهد دون الولي لأنه لا يشترط لصحة عقده بعد التوبة مضي مدة الاستبراء ( قوله : حيث ساغ له الحكم بعلمه ) أي بأن كان مجتهدا ( قوله : تشهد به مفسرا ) أي وقت العقد ( قوله : لا لتقرير النكاح ) أي فإنه يبطل ( قوله : وقضيته ) أي قوله ولأن إقدامه ( قوله : من التعليل الأول ) أي وهو حق الله ( قوله : نعم إن علما المفسد إلخ ) معتمد ( قوله : ولم يسبق منه إقرار بصحته ) وبينتها إذا أرادت بعد الوطء مهر المثل وكان أكثر من المسمى حيث لم يسبق منها إقرار بصحته ، وبهذا يرد بحث الغزي إطلاق قبول بينتها ، وعليه لو أقيمت لذلك وحكم بفساده لم يرتفع ما وجب من التحليل لما علم من تبعيض الأحكام [ ص: 222 ] وأن إقرارهما وبينتهما إنما يعتد بهما فيما يتعلق بحقهما لا غير ، ومنه يؤخذ أنه لو طلقها ثم أقيمت بينة بفساد النكاح ثم أعادها عادت إليه بطلقتين فقط لأن إسقاط الطلقة حق لله تعالى فلا تفيده البينة أيضا ويحتمل خلافه ا هـ .

                                                                                                                            حج وكتب أيضا لطف الله به قوله ولم يسبق منه إقرار بصحته ، أي وعليه يسقط التحليل تبعا ، وعبارة شيخنا الزيادي عند قوله إذا لم يرد نكاحا إلخ ما نصه : وإن ترتب على ذلك عدم صحة النكاح ، ويترتب على ذلك سقوط التحليل لوقوعه تبعا ا هـ .

                                                                                                                            وهو مخالف لما ذكرناه عن حج .

                                                                                                                            [ فرع ] وقع السؤال عمن طلق زوجته ثلاثا عامدا عالما هل يجوز له أن يدعي بفساد العقد الأول لكون الولي كان فاسقا أو الشهود كذلك بعد مدة من السنين ، وهل له الإقدام على هذا الفعل من غير وفاء عدة من نكاحه الأول ، وهل يتوقف نكاحه الثاني على حكم حاكم بصحته وهل الأصل في عقود المسلمين الصحة ، أو الفساد وأجبنا عنه بما صورته : الحمد لله لا يجوز له أن يدعي بذلك عند القاضي ، ولا تسمع دعواه بذلك وإن وافقته الزوجة عليه حيث أراد به إسقاط التحليل ، نعم إن علم بذلك جاز له فيما بينه وبين الله تعالى العمل به ، فيصح نكاحه لها من غير محلل إن وافقته الزوجة على ذلك ، ومن غير وفاء عدة منه لأنه يجوز للإنسان أن يعقد في عدة نفسه سواء كانت عن شبهة ، أو طلاق ، ولا يتوقف حل وطئه لها وثبوت أحكام الزوجية له على حكم حاكم بل المدار على علمه بفساد الأول في مذهبه واستجماع الثاني لشروط الصحة المختلفة كلها ، أو بعضها في العقد الأول ولا يجوز لغير القاضي التعرض له فيما فعل ، وأما القاضي فيجب عليه أن يفرق بينهما إذا علم بذلك ، والأصل في العقود الصحة ، فلا يجوز الاعتراض في نكاح ولا غيره على من استند في فعله إلى عقد ما لم يثبت فساده بطريقه وهذا كله حيث لم يحكم حاكم بصحة النكاح الأول ممن يرى صحته مع فسق الولي والشهود ، أما إذا حكم به حاكم فلا يجوز له العمل بخلافه لا ظاهرا ولا باطنا لما هو مقرر أن حكم الحاكم يرفع الخلاف ، ولا فرق فيما ذكر بين أن يسبق من الزوج تقليد لغير إمامنا الشافعي ممن يرى صحة النكاح مع فسق الشاهد والولي أم لا .

                                                                                                                            وعبارة م ر في شرحه ثم : ومحل بطلانه باتفاقهما ، إلى قوله : فليس له التعرض لهما ( قوله : ووجدت شروط قيامها ) [ ص: 223 ] ومنها الاحتياج إليها كما لو لم يعلمها بطلاقه لها ثلاثا وظناه يعاشرها بحكم الزوجية فشهد بمبطل النكاح عند القاضي ، وبهذا يجاب عن قوله الآتي وهنا كذلك إلخ ( قوله : لكن بعد حلفها ) أي وجوبا ( قوله : لم يرجع ) أي الزوج ( قوله بأن الزوجين في تلك ) أي قوله أخذا من قول الرافعي إلخ .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : كجنون أو إغماء أو صغر إلخ ) عبارة التحفة كصغر أو جنون ادعاه ، فقدم الشارح الجنون مع أن ضمير عهد إنما يرجع له ; لأنه الذي يقال فيه عهد ، وأما الصغر فإنما يقال فيه أمكن كما هو كذلك في عباراتهم ، ويجوز أنه جعل عهد وصفا لهما تغليبا ومعناه في الصغر أمكن ( قوله : ادعاه وارثه أو وارثها ) قضيته أنه لا تسمع دعوى أحد الزوجين ذلك فليراجع [ ص: 221 ] قوله : كتبينه عنده ) قال الشهاب سم : هذا غير ظاهر في الولي الذي زاده على المتن لما سيأتي أنه إذا تاب زوج في الحال ( قوله : أو غيره ) قال الشهاب المذكور : هو شامل لما مثل به فيما سبق للغير بقوله كصغر أو جنون فانظر ما أفاده الحصر هنا مع قوله هناك وقد عهد أو أثبته . ا هـ . ( قوله : ما لم يقر قبل عند حاكم أنه بعدلين إلخ ) هذا مأخوذ من القوت للأذرعي ، لكنه ذكره بالنسبة لاتفاق الزوجين وبالنسبة لاعتراف الزوج الآتي في المتن ، وظاهر أن قوله : أي بالنسبة لحقوق الزوجية إنما يتأتى في الشق الثاني خلافا لما صنعه الشارح كابن حج من تأتيه في الشق الأول بل قصره عليه ومن ثم استشكله المحقق سم بما حاصله أن الزوجة معترفة بسقوط حقوق الزوجية فكيف تثبت لها ، وعبارة القوت : قضية إطلاق الشيخين وغيرهما أنه لا فرق في الحكم ببطلانه بتصادقهما على فسق الشاهدين أو بإقرار الزوج بين أنه سبق منهما إقرار بعدالتهما عند العقد أم لا حكم بصحة النكاح أم لا . ثم ساق كلاما للماوردي صريحا في خلاف ذلك وقال عقبه : وقد أفهم كلامه : يعني الماوردي أنه إذا أقر أولا بصحته ثم ادعى سفه الولي وفسق الشاهدين أنه يلزم بصحة النكاح حتى يقر عليه لو أراده ويلغو اعترافه اللاحق لأجل إقراره السابق

                                                                                                                            والظاهر أن مراده أنه يلزمه بما تضمنه إقراره السابق من حقوق الزوجية من نفقة ومهر وغيرهما لا أنا نقرهما إلى آخر ما ذكره رحمه الله تعالى ، فالضمائر في قوله أنه يلزم بصحة النكاح حتى يقر عليه إلخ إنما هي للزوج كما لا يخفى ( قوله : وذكر ابن الرفعة إلخ ) هذا راجع لأصل المسألة ( قوله : وأقاما أو الزوج بينة إلخ ) أي واتفقا على [ ص: 222 ] ذلك كما علم بالأولى ، وكان الأولى ذكره قبل كما في التحفة لانسجام العبارة ( قوله منازع فيه ) أي من حيث نقله عن الكافي بدليل قوله وإنما هو إلخ ، وعبارة التحفة : منازع في كونه فيه : أي الكافي ، فلعل في كونه سقط من الكتبة من الشارح ( قوله : وهنا كذلك ) قال في التحفة : وقول بعضهم شرط سماعها الضرورة وهي لا تتصور هنا ممنوع انتهى . قال الشهاب سم : يرد المنع أن من صور ذلك أن يريد هنا معاشرتها . ا هـ . ولعل المراد أنهما يشهدان أنه عقد عليها بفاسقين مثلا ويريد معاشرتها ، وإلا فمتى قالا إنه طلقها ثلاثا ويريد معاشرتها كان ذلك متضمنا [ ص: 223 ] لاعترافهما بصحة العقد وخرج عن صورة المسألة




                                                                                                                            الخدمات العلمية