الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
295 - " أخشى ما خشيت على أمتي كبر البطن؛ ومداومة النوم؛ والكسل؛ وضعف اليقين " ؛ (قط)؛ في الأفراد؛ عن جابر .

التالي السابق


(أخشى ما خشيت على أمتي) ؛ أي: أخوف ما خفت عليهم؛ قال الزمخشري : " الخشية" : خوف يشوبه تعظيم؛ وأكثر ما يكون ذلك عن علمه بما يخشى منه؛ ولهذا خص العلماء بها؛ فقال: إنما يخشى الله من عباده العلماء ؛ (كبر البطن) ؛ يعني: الانهماك في الأكل؛ والشرب؛ والذي يحصل منه كبرها؛ ومن كانت همته ما يدخله بطنه؛ فقيمته ما يخرج من بطنه؛ إذ لا فرق بين إدخال الطعام إلى البطن؛ وبين إخراجه؛ فهما ضروريان في الجبلة؛ فكما لا يكون قضاء الحاجة من همتك؛ التي تشغل بها قلبك؛ فلا ينبغي كون تناول الطعام من همتك التي تشغل بها قلبك؛ فمن زاد على ثلث بطنه؛ وصرف همته وبهمته لتحصيل لذيذ الأطعمة؛ ولم يقنع بما يتفق؛ فهو من المخوف عليهم؛ قال الغزالي: و" الخوف" : رعدة تحصل في القلب؛ عن ظن مكروه يناله؛ و" الخشية" ؛ نحوه؛ لكن الخشية تقتضي ضربا من الاستعظام والمهابة؛ (ومداومة النوم) ؛ المفوت للحقوق المطلوبة شرعا؛ الجالب لغضب الرب؛ وقسوة القلب؛ قال الغزالي: قال عبد الله بن الحسن: كنت معجبا بجارية رومية لي؛ ففقدتها من محلها في الليل؛ فطلبتها؛ فإذا هي ساجدة؛ تقول: بحبك لي؛ إلا ما غفرت لي؛ فقلت لها: لا تقولي: بحبك لي؛ وقولي: بحبي لك؛ قالت: لا يا مولاي؛ بحبه لي أخرجني من الكفر إلى الإسلام؛ وبحبه لي أيقظني؛ وكثير من خلقه نيام؛ (والكسل) ؛ بالتحريك؛ التقاعس عن النهوض إلى معاظم الأمور؛ وكفايات الخطوب؛ وتحمل المشاق والمتاعب في المجاهدة في الله؛ ولله؛ والفتور عن القيام بالطاعات الفرضية؛ والنفلية؛ الذي من ثمراته قسوة القلب؛ وظلمة اللب؛ ففي الحديث للديلمي: عن عائشة - رضي الله (تعالى) عنها -: " ثلاث خصال تورث قسوة القلب: حب الطعام؛ وحب النوم؛ وحب الراحة" ؛ ومن ثم تشمر لذلك السلف حق التشمير؛ وأقبلوا على إحياء ليلهم؛ ورفضوا له الرقاد والدعة؛ وجاهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم؛ واصفرت ألوانهم؛ فظهرت السيما في وجوههم؛ وترامى أمرهم إلى خدمة ربهم؛ فخفف عنهم؛ قال الراغب : ومن تعود الكسل؛ ومال إلى الراحة؛ فقد الراحة؛ فحب الهوينا يكسب النصب؛ وقد قيل: إن أردت ألا تتعب؛ فاتعب؛ لئلا تتعب؛ وقيل: إياك والكسل والضجر؛ فإنك إن كسلت لم تؤد حقا؛ وإن ضجرت لم تصبر على الحق؛ وما أحسن ما قيل:


علو الكعب بالهمم العوالي ... وعز المرء في سهر الليالي

ومن رام العلى من غير كد
... أضاع العمر في طلب المحال



(تنبيه) : قال بعض العارفين: السهر نتيجة الجوع؛ فلذا ذكره عقبه؛ والسهر سهر عين؛ وسهر قلب؛ فسهر القلب: انتباهه من نومات الغفلة؛ طلبا للمشاهدة؛ وسهر العين: رغبة في إلقاء الهمة في القلب؛ لطلب المسامرة؛ إذ العين إذا نامت بطل عمل القلب؛ فإذا كان القلب غير نائم؛ منع نوم العين؛ فغايته مشاهدة سهره المتقدم فقط؛ وأما أن يلحظ غير ذلك فلا؛ ففائدة السهر استمرار عمل القلب؛ وارتقاء المنازل العلية؛ (وضعف اليقين) ؛ أي: استيلاء الغفلة على القلب؛ المانعة من ولوج النور فيه؛ وإيمان العبد على قدر يقينه؛ ومن ثم كان الأنبياء أوفر حظا في اليقين؛ ومطالعتهم أمور الآخرة بقربهم أكثر.

(قط؛ في) ؛ كتاب (الأفراد) ؛ بفتح الهمزة؛ وكذا الديلمي ؛ (عن جابر) ؛ ابن عبد الله ؛ وفيه محمد بن [ ص: 216 ] القاسم الأزدي؛ قال الذهبي : كذبه أحمد والدارقطني .



الخدمات العلمية