الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب وجوب قراءة الفاتحة

                                                                                                                                            693 - ( عن عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } . رواه الجماعة ، وفي لفظ : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب } ، رواه الدارقطني . وقال : إسناده صحيح ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث زاد فيه مسلم وأبو داود وابن حبان لفظ " فصاعدا " لكن قال ابن حبان : تفرد بها معمر عن الزهري وأعلها البخاري في جزء القراءة ورواية الدارقطني صححها ابن القطان ولها شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بهذا اللفظ أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ولأحمد بلفظ : { لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن } .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أنس عند مسلم والترمذي . وعن أبي قتادة عند أبي داود والنسائي . وعن عبد الله بن عمر عند ابن ماجه . وعن أبي سعيد عند أحمد وأبي داود وابن ماجه . وعن أبي الدرداء عند النسائي وابن ماجه . وعن جابر عند ابن ماجه . وعن علي عند البيهقي . وعن عائشة وأبي هريرة وسيأتيان إن شاء الله تعالى . وعن عبادة وسيأتي في الباب الذي بعد هذا

                                                                                                                                            والحديث يدل على تعين فاتحة الكتاب في الصلاة وأنه لا يجزئ غيرها وإليه ذهب مالك والشافعي وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم وهو مذهب العترة لأن النفي المذكور في الحديث يتوجه إلى الذات إن أمكن انتفاؤها ، وإلا توجه إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة لا إلى الكمال لأن الصحة أقرب المجازين والكمال أبعدهما ، والحمل على أقرب المجازين واجب . وتوجه النفي ههنا إلى الذات ممكن كما قال الحافظ في الفتح : لأن المراد بالصلاة معناها الشرعي لا اللغوي لما تقرر من أن ألفاظ الشارع محمولة على عرفه لكونه بعث لتعريف الشرعيات لا لتعريف الموضوعات اللغوية ، وإذا [ ص: 244 ] كان المنفي الصلاة الشرعية استقام نفي الذات لأن المركب كما ينتفي بانتفاء جميع أجزائه ينتفي بانتفاء بعضها فلا يحتاج إلى إضمار الصحة

                                                                                                                                            ولا الإجزاء ولا الكمال ، كما روي عن جماعة ، لأنه إنما يحتاج إليه عند الضرورة وهي عدم إمكان انتفاء الذات ، ولو سلم أن المراد هنا الصلاة اللغوية فلا يمكن توجه النفي إلى ذاتها لأنها قد وجدت في الخارج كما قاله البعض لكان توجيه النفي إلى الصحة أو الإجزاء لا إلى الكمال أما أولا فلما ذكرنا من أن ذلك أقرب المجاز وأما ثانيا فلرواية الدارقطني المذكورة في الحديث فإنها مصرحة بالإجزاء فيتعين تقديره . إذا تقرر هذا فالحديث صالح للاحتجاج به على أن الفاتحة من شروط الصلاة لا من واجباتها فقط ، لأن عدمها قد استلزم عدم الصلاة وهذا شأن الشرط . وذهبت الحنفية وطائفة قليلة إلى أنها لا تجب بل الواجب آية من القرآن ، هكذا قال النووي . والصواب ما قاله الحافظ أن الحنفية يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن بنوا على قاعدتهم أنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن ، وقد قال تعالى : { فاقرءوا ما تيسر منه } فالفرض قراءة ما تيسر وتعين الفاتحة إنما يثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه .

                                                                                                                                            وهذا تعويل على رأي فاسد حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة فكم موطن من المواطن يقول فيه الشارع لا يجزئ كذا لا يقبل كذا لا يصح كذا ، ويقول المتمسكون بهذا الرأي يجزئ ويقبل ويصح ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي . ومن جملة ما أشادوا به هذه القاعدة أن الآية مصرحة بما تيسر وهو تخيير فلو تعينت الفاتحة لكان التعيين نسخا للتخيير والقطعي لا ينسخ بالظني فيجب توجيه النفي إلى الكمال وهذه الكلية ممنوعة . والسند ما تقدم من تحول أهل قباء إلى الكعبة بخبر واحد ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بل مدحهم كما تقدم ذلك في باب الاستقبال ولو سلمت لكان محل النزاع خارجا عنها لأن المنسوخ إنما هو استمرار التخيير وهو ظني ، وأيضا الآية نزلت في قيام الليل فليست مما نحن فيه . وأما

                                                                                                                                            قولهم إن الحمل على توجيه النفي إلى الصحة إثبات للغة بالترجيح وأن الصحة عرف متجدد لأهل الشرع فلا يحمل خطاب الشارع عليه . وإن تصحيح الكلام ممكن بتقدير الكمال فيكفي لأن الواجب التقدير بحسب الحاجة فيرده تصريح الشارع بلفظ الإجزاء وكونه من إثبات اللغة بالترجيح ممنوعة بل هو من إلحاق الفرد المجهول بالأعم الأغلب المعلوم

                                                                                                                                            ومن جملة ما استظهروا به على توجيه النفي إلى الكمال أن الفاتحة لو كانت فرضا لوجب تعلمها ، واللازم باطل فالملزوم مثله . لما في حديث المسيء صلاته بلفظ : { فإن كان معك قرآن وإلا فاحمد الله وكبره وهلله } عند النسائي وأبي داود [ ص: 245 ] والترمذي وهذا ملتزم فإن أحاديث فرضيتها تستلزم وجوب تعلمها لأن ما لا يتم الواجب إلا به واجب كما تقرر في الأصول

                                                                                                                                            وما في حديث المسيء لا يدل على بطلان اللازم لأن ذلك فرضه حين لا قرآن معه على أنه يمكن تقييده بعدم الاستطاعة لتعلم القرآن كما في حديث ابن أبي أوفى عند أبي داود والنسائي وأحمد وابن الجارود وابن حبان والحاكم والدارقطني : { أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئا فعلمني ما يجزئني في صلاتي فقال : قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله } ولا شك أن غير المستطيع لا يكلف لأن الاستطاعة شرط في التكليف فالعدول ههنا إلى البدل عند تعذر المبدل غير قادح في فرضيته أو شرطيته . ومن أدلتهم ما في حديث المسيء بلفظ : { ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } والجواب عنه أنه قد ورد في حديث المسيء أيضا عند أحمد وأبي داود وابن حبان بلفظ : { ثم اقرأ بأم القرآن }

                                                                                                                                            فقوله " ما تيسر " مجمل مبين أو مطلق مقيد أو مبهم مفسر بذلك لأن الفاتحة كانت هي المتيسرة لحفظ المسلمين لها ، وقد قيل إن المراد بما تيسر فيما زاد على الفاتحة جمعا بين الأدلة ، لأن حديث الفاتحة زيادة وقعت غير معارضة وهذا حسن . وقيل إن ذلك منسوخ بحديث تعيين الفاتحة ، وقد تعقب القول بالإجمال والإطلاق والنسخ ، والظاهر الإبهام والتفسير ، وهذا الكلام إنما يحتاج إليه على القول بأن حديث المسيء يصرف ما ورد في غيره من الأدلة المقتضية للفرضية . وأما على القول بأنه يؤخذ بالزائد فالزائد ، فلا إشكال في تحتم المصير إلى القول بالفرضية بل القول بالشرطية لما عرفت ومن أدلتهم أيضا حديث أبي سعيد بلفظ { : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب أو غيرها }

                                                                                                                                            قال ابن سيد الناس : لا يدرى بهذا اللفظ من أين جاء ، وقد صح عن أبي سعيد عند أبي داود أنه قال : { أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر } وإسناده صحيح ورواته ثقات ، ومن أدلتهم أيضا حديث أبي هريرة عند أبي داود بلفظ : { لا صلاة إلا بقرآن ولو بفاتحة الكتاب } ويجاب بأنه من رواية جعفر بن ميمون وليس بثقة كما قال النسائي . وقال أحمد : ليس بقوي في الحديث ، وقال ابن عدي : يكتب حديثه في الضعفاء . وأيضا قد روى أبو داود هذا الحديث من طريقه عن أبي هريرة بلفظ : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنادي أنه { لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد } كما سيأتي وليست الرواية الأولى بأولى من هذه . وأيضا أين تقع هذه الرواية على فرض صحتها بجنب الأحاديث المصرحة بفرضية فاتحة الكتاب وعدم إجزاء الصلاة بدونها

                                                                                                                                            ( ومن أدلتهم ) أيضا ما روى ابن ماجه عن ابن عباس { أنه لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث صلاة أبي بكر بالناس ومجيء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم وفيه : فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر وقال ابن عباس : وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في القراءة من حيث كان بلغ [ ص: 246 ] أبو بكر } ويجاب عنه بأنه روي بإسناد فيه قيس بن الربيع قال البزار : لا نعلم روي هذا الكلام إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ، وقيس قال ابن سيد الناس : هو ممن اعتراه من ضعف الرواية وسوء الحفظ بولاية القضاء ما اعترى ابن أبي ليلى وشريكا ، وقد وثقه قوم وضعفه آخرون ، على أنه لا مانع من قراءته صلى الله عليه وسلم الفاتحة بكمالها في غير هذه الركعة التي أدرك أبا بكر فيها ، لأن النزاع إنما هو في وجوب الفاتحة في جملة الصلاة لا في وجوبها في كل ركعة فسيأتي

                                                                                                                                            هذا خلاصة ما في هذه المسألة من المعارضات وقد استدل بهذا الحديث على وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة بناء على أن الركعة تسمى صلاة ، وفيه نظر لأن قراءتها في ركعة واحدة تقتضي حصول مسمى القراءة في تلك الصلاة ، والأصل عدم وجوب الزيادة على المرة الواحدة وإطلاق اسم الكل على البعض مجاز لا يصار إليه إلا لموجب فليس في الحديث إلا أن الواجب في الصلاة التي هي اسم لجميع الركعات قراءة الفاتحة مرة واحدة فإن دل دليل خارجي على وجوبها في كل ركعة وجب المصير إليه ، وقد نسب القول بوجوب الفاتحة في كل ركعة النووي في شرح مسلم والحافظ في الفتح إلى الجمهور

                                                                                                                                            ورواه ابن سيد الناس في شرح الترمذي عن علي وجابر وعن ابن عون والأوزاعي وأبي ثور ، قال : وإليه ذهب أحمد وداود ، وبه قال مالك إلا في الناسي ، وإليه ذهب الإمام شرف الدين من أهل البيت ، قال المهدي في البحر : إن الظاهر مع من ذهب إلى إيجابها في كل ركعة واستدلوا أيضا على ذلك بما وقع عند الجماعة واللفظ للبخاري من { قوله صلى الله عليه وسلم للمسيء : ثم افعل ذلك في صلاتك كلها } بعد أن أمره بالقراءة ، وفي رواية لأحمد وابن حبان والبيهقي في قصة المسيء صلاته أنه قال في آخره : { ثم افعل ذلك في كل ركعة } . وقد نسب صاحب ضوء النهار هذه الرواية إلى البخاري من حديث أبي قتادة وهو وهم والذي في البخاري عن أبي قتادة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب }

                                                                                                                                            وهذا الدليل إذا ضممته إلى ما أسلفنا لك من حمل قوله في حديث المسيء { ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن } على الفاتحة لما تقدم انتهض ذلك للاستدلال به على وجوب الفاتحة في كل ركعة ، وكان قرينة لحمل قوله في حديث المسيء { ثم كذلك في كل صلاتك فافعل } على المجاز وهو الركعة وكذلك حمل : { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب } عليه . ويؤيد وجوب الفاتحة في كل ركعة حديث أبي سعيد عند ابن ماجه بلفظ { لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة في فريضة أو غيرها } . قال الحافظ : وإسناده ضعيف . وحديث أبي سعيد أيضا بلفظ { أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة } رواه إسماعيل بن سعيد الشاكنجي ، قال ابن عبد الهادي في التفتيح : رواه إسماعيل هذا وهو صاحب الإمام أحمد من حديث عبادة [ ص: 247 ] وأبي سعيد بهذا اللفظ

                                                                                                                                            وظاهر هذه الأدلة وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة من غير فرق بين الإمام والمأموم وبين إسرار الإمام وجهره ، وسيأتي الكلام على ذلك ومن جملة المؤيدات لوجوب الفاتحة في كل ركعة ما أخرجه مالك في الموطأ والترمذي وصححه عن جابر أنه قال : { من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء الإمام } وذهب الحسن البصري والهادي والمؤيد بالله وداود وإسحاق إلى أن الواجب في الصلاة قراءة الفاتحة وقرآن معها مرة واحدة في أي ركعة أو مفرقة . وقال زيد بن علي والناصر : إن الواجب القراءة في الأوليين ، وكذا قال أبو حنيفة ، لكن من غير تخصيص للفاتحة كما سلف عنه . وأما الأخريان فلا تتعين القراءة فيهما عندهم بل إن شاء قرأ وإن شاء سبح زاد أبو حنيفة وإن شاء سكت

                                                                                                                                            واحتج القائلون بوجوب الفاتحة مرة واحدة بالأحاديث المذكورة في الباب فإن المعنى الحقيقي للصلاة هو جميعها لا بعضها . وقد عرفت الجواب عن ذلك واحتج من قال بوجوبها في الأوليين فقط بما روي عن علي عليه السلام أنه قرأ في الأوليين وسبح في الأخريين . وقد اختلف القائلون بتعين الفاتحة في كل ركعة هل تصح صلاة من نسيها فذهبت الشافعية وأحمد بن حنبل إلى عدم الصحة ، وروى ابن القاسم عن مالك أنه إن نسيها في ركعة من صلى ركعتين فسدت صلاته ، وإن نسيها في ركعة من صلى ثلاثية أو رباعية فروي عنه أنه يعيدها ولا تجزئه وروي عنه أنه يسجد سجدتي السهو وروي عنه أن يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام . ومقتضى الشرطية التي نبهناك على صلاحية الأحاديث للدلالة عليها أن الناسي يعيد الصلاة كمن صلى بغير وضوء ناسيا واختلف هل تجب القراءة بزيادة على الفاتحة أو لا ؟ وسيأتي تحقيقه

                                                                                                                                            694 - ( وعن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج } رواه أحمد وابن ماجه وقد سبق مثله من حديث أبي هريرة ) . الحديث أخرجه ابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة . ومحمد بن إسحاق فيه مقال مشهور ، ولكنه يشهد لصحته حديث أبي هريرة المتقدم الذي أشار إليه المصنف عند الجماعة إلا البخاري بلفظ : { من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج } وتقدم هنالك أيضا ضبط الخداج وتفسيره . ويشهد له أيضا ما أخرجه البيهقي عن علي عليه السلام مرفوعا بلفظ { كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج } . والحديث احتج به الجمهور القائلون بوجوب [ ص: 248 ] قراءة الفاتحة

                                                                                                                                            وأجاب القائلون بعدم الوجوب عنه بأن الخداج معناه النقص وهو لا يستلزم البطلان . ورد بأن الأصل أن الصلاة الناقصة لا تسمى صلاة حقيقة وقد تقدم الكلام على بقية الأدلة في المسألة .

                                                                                                                                            695 - ( وعن أبي هريرة { أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد } . رواه أحمد وأبو داود ) . الحديث أخرجه أبو داود من طريق جعفر بن ميمون . وقد تقدم أن النسائي قال : ليس بثقة ، وأحمد قال : ليس بقوي ، وابن عدي قال يكتب حديثه في الضعفاء . ولكنه يشهد لصحته ما عند مسلم وأبي داود وابن حبان من حديث عبادة بن الصامت بلفظ : { لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا } وإن كان قد أعلها البخاري في جزء القراءة كما تقدم . ويشهد له أيضا حديث أبي سعيد عند أبي داود بلفظ : { أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر } قال ابن سيد الناس : وإسناده صحيح ورجاله ثقات وقال الحافظ : إسناده صحيح ويشهد له أيضا حديث أبي سعيد عند ابن ماجه بلفظ : { لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة } وقد تقدم تضعيف الحافظ له وهذه الأحاديث لا تقصر عن الدلالة على وجوب قرآن مع الفاتحة ولا خلاف في استحباب قراءة السورة مع الفاتحة في صلاة الصبح والجمعة والأوليين من كل الصلوات ، قال النووي : إن ذلك سنة عند جميع العلماء وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك وجوب السورة . قال النووي وهو شاذ مردود . وأما السورة في الركعة الثالثة والرابعة فكره ذلك مالك واستحبه الشافعي في قوله الجديد دون القديم . وقد ذهب إلى إيجاب قرآن مع الفاتحة عمر وابنه عبد الله وعثمان بن أبي العاص والهادي والقاسم والمؤيد بالله كذا في البحر

                                                                                                                                            وقدره الهادي بثلاث آيات ، قال القاسم والمؤيد بالله : أو آية طويلة ، والظاهر ما ذهبوا إليه من إيجاب شيء من القرآن ، وأما التقدير بثلاث آيات فلا دليل عليه إلا توهم أنه لا يسمى ما دون ذلك قرآنا لعدم إعجازه كما قال المهدي في البحر ، وهو فاسد لصدق القرآن على القليل والكثير لأنه جنس وأيضا المراد وما يسمى قرآنا لا ما يسمى معجزا ولا تلازم بينهما ، وكذلك التقدير بالآية الطويلة . نعم لو كان حديث أبي سعيد المصرح فيه بذكر السورة صحيحا لكان مفسرا للمبهم في الأحاديث من قوله : " فما زاد " وقوله : " فصاعدا " وقوله : " وما تيسر " ولكان دالا على وجوب الفاتحة وسورة في كل ركعة ، ولكنه ضعيف كما عرفت . وقد عورضت هذه الأحاديث بما في البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة أنه قال " في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا [ ص: 249 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعناكم وما أخفى عنا أخفينا عنكم ، وإن لم تزد على أم القرآن أجزأت ، وإن زدت فهو خير " ولكن الظاهر من السياق أن قوله " وإن لم تزد " . . . إلخ ليس مرفوعا ولا مما له حكم الرفع فلا حجة فيه

                                                                                                                                            وقد أخرج أبو عوانة هذا الحديث كرواية الشيخين إلا أنه زاد في آخره وسمعته يقول : { لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب } قال الحافظ في الفتح : وظاهر سياقه أن ضمير سمعته للنبي صلى الله عليه وسلم فيكون مرفوعا بخلاف رواية الجماعة ثم قال : نعم . فقوله { ما أسمعنا وما أخفى عنا } يشعر بأن جميع ما ذكره متلقى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيكون للجميع حكم الرفع ا هـ .

                                                                                                                                            وهذا الإشعار في غاية الخفاء باعتبار جميع الحديث ، فإن صح جمع بينه وبين الأحاديث المصرحة بزيادة ما تيسر من القرآن بحملها على الاستحباب . وقد قيل إن المراد بقوله " فصاعدا " دفع توهم حصر الحكم على الفاتحة ، كذا قال الحافظ ، وهو معنى ما قال البخاري في جزء القراءة أن قوله : " فصاعدا " نظير قوله : " تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " قال الحافظ في الفتح : وادعى ابن حبان والقرطبي وغيرهما الإجماع على عدم وجوب قدر زائد على الفاتحة وفيه نظر لثبوته عن بعض الصحابة وغيرهم ا هـ .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية