الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              3603 3814 - حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام- رضي الله عنه- فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 423 ] وتمرا، وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش، إذا كان لك على رجل حق فأهدى إليك حمل تبن، أو حمل شعير، أو حمل قت، فلا تأخذه، فإنه ربا. ولم يذكر النضر وأبو داود ووهب عن شعبة البيت. [7342- فتح: 7 \ 129]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              هو عبد الله بن سلام بتخفيف اللام الإسرائيلي من بني قينقاع، وهم من ولد يوسف الصديق، وكان اسمه في الجاهلية الحصين فغير، وكان حليف الأنصار.

                                                                                                                                                                                                                              ذكر البخاري في الباب ثلاثة أحاديث:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: ما سمعت النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول لأحد يمشي على الأرض: إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام قال: وفيه نزلت هذه الآية وشهد شاهد من بني إسرائيل [الأحقاف: 10] قال: لا أدري: الآية ،أو في الحديث.

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث قيس بن عباد قال: كنت جالسا في مسجد المدينة، فدخل رجل على وجهه أثر الخشوع، فقالوا: هذا رجل من أهل الجنة. فصلى ركعتين تجوز فيهما ثم خرج، وتبعته، فقلت: إنك حين دخلت المسجد قالوا: هذا رجل من أهل الجنة. قال: والله ما ينبغي لأحد أن يقول ما لا يعلم، وسأحدثك لم ذاك، رأيت رؤيا على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- فقصصتها عليه، ورأيت أني في روضة - ذكر من سعتها وخضرتها- وسطها عمود من حديد، وفيه: فأتاني منصف فرفع ثيابي، وفي آخره "فأنت على الإسلام حتى تموت". وذاك الرجل عبد الله بن سلام.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 424 ] وقال لي خليفة: ثنا معاذ، ثنا ابن عون، عن محمد، عن قيس بن عباد، عن ابن سلام قال: وصيف مكان: منصف.

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها:

                                                                                                                                                                                                                              حديث سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، قال: أتيت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام فقال: ألا تجيء فأطعمك سويقا وتمرا وتدخل في بيت؟ ثم قال: إنك بأرض الربا بها فاش; إذا كان لك على رجل حق فأهدى لك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه، فإنه ربا. ولم يذكر النضر وأبو داود ووهب، عن شعبة: البيت.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              ما ذكره في نزول الآية قال به الحسن ومجاهد والضحاك، وأنكره مسروق والشعبي وقالا : السورة مكية. قال الشعبي: وأسلم ابن سلام قبل موته بعامين، واختلفا في المراد بالآية، فقال مسروق: موسى- عليه السلام- وقال الشعبي: هو رجل من أهل الكتاب ابن سلام، وانفصل ابن سيرين إلى احتجابه بأن قال: كانت الآية تنزل فقال لهم: ألحقوها في سورة كذا وكذا.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 425 ] وفيه: جواب آخر وهو أنه يجوز أن تكون الآية نزلت بمكة، والمعنى: أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله، ليؤمنوا، وقال ابن عباس، ومقاتل: إن الشاهد ابن يامين، وقال صاحب "مقامات التنزيل": هذه السورة مكية إلا آيتان مدنيتان منها هذه الآية، وروى السدي عن ابن عباس: أنها نزلت في ابن سلام وابن يامين، واسمه عمير بن وهب [النضري] وقال سعيد بن جبير فيما حكاه عنه عبد بن حميد: اسمه ميمون بن يامين وفيه نزلت هذه الآية.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (ما ينبغي لأحد أن يقول ما لم يعلم)، قال الداودي: هو من أهل بدر، وإنما قال ذلك خوفا وإشفاقا، ولم يسمع قوله في أهل بدر أنهم مغفور لهم، كذا جعله الداودي من أهل بدر، وهو مخالف لما أسلفناه عن الشعبي أنه أسلم قبل موته- صلى الله عليه وسلم- بعامين، وقول سعيد ما سمعته يقول.. إلى آخره، كيف قال هذا، قد علم أنه قال ذلك فيه، وفي باقي العشرة.

                                                                                                                                                                                                                              وأجاب الخطابي بأنه كره التزكية لنفسه، ولزم التواضع، ولم ير لنفسه من الاستحقاق ما رآه لأخيه، وهذا غير بين كما قال ابن التين; لأنه بقي باقي العشرة بقوله: وحكي عن سفيان الثوري أنه كان يقول: أنا أحرس الصحابة، وأقدم العشرة، وأروي عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ما قال: إنهم من أهل الجنة وأرجو لهم ذلك، قال: ولا أشهد لغير رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه في الجنة، ومعنى كلامه كما قال: إن التخيير بينهم

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 426 ] مستفاد من باب المعرفة بفضائلهم، وأما القطع بالجنة فهو من علم الغيب لا يتوصل إليه بأخبار الآحاد; لأنها إنما تفيد علم الظاهر، والعلم المغيب لا يتوصل إليه إلا بكتاب ناطق أو بخبر متواتر.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: (وأتاني منصف) هو الوصيف، كما قال في الرواية الأخرى، وهو بفتح الميم في رواية الشيخ أبي الحسن، وفي بعض روايات أبي ذر: بكسرها، وكذا هو مضبوط في كتاب ابن فارس.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه ما كان عليه عبد الله من الجودة، وإنكاره الربا، وأن هدية الغريم ربا، وهو محمول عندنا على ما إذا اشترطها.

                                                                                                                                                                                                                              و(القت): نبات.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية