الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويلزم المجبر ) أي الأب والجد وإن لم يكن لهما الإجبار في بعض الصور الآتية ، فالمراد به من شأنه الإجبار ومثله الحاكم عند عدمه : أي أصلا ، أو بأن لم يمكن الرجوع إليه ، والمجبر بالنصب مفعول مقدم ( تزويج ) بالرفع فاعل مؤخر ( مجنونة ) أطبق جنونها ( بالغة ) محتاجة للوطء نظير ما يأتي ، أو للمهر أو للنفقة ولو ثيبا ، وحذف الحاجة اكتفاء بالبلوغ لأنه مظنتها غالبا ( ومجنون ) أطبق جنونه بالغ ( ظهرت حاجته ) بظهور أمارات توقانه بدورانه حول النساء أو بتوقع الشفاء بقول عدل طبيب أو باحتياجه لمن يخدمه ولم يوجد من يقوم بذلك من نحو محرم ومؤن النكاح أخف من ثمن سرية ومؤنتها ، ولا نظر إلى أن الزوجة لا يلزمها خدمته وإن وعدت فقد لا تفي اكتفاء بداعية طبعها ومسامحتها [ ص: 247 ] له غالبا بل أكثرهن بعد تركه رعونة وحمقا وذلك للحاجة ، وقول الشارح والحكمة في المخالفة بينهما أن تزويجها يفيدها المهر والنفقة وتزويجه يغرمه إياهما بناء على حسب ما فهمه ، وليس كذلك بل وجود الحاجة كاف فيهما إذ المناط في كل الحاجة لا غير كما يصرح به كلام الروضة وأصلها فإنهما قيدا فيهما بالحاجة بظهور أمارات التوقان ، لكن يلزم من ظهوره فيه ظهورها بخلافه فيها للحياء الذي جبلن عليه ، فمن ثم ذكر الظهور فيه دونها ، وقد عبر الشيخ في منهجه بما يفيد التسوية بينهما ، واعتذر عن المصنف بأن البلوغ مظنة الحاجة إلى النكاح ، ولهذا لم يقيد المجنون بالبلوغ لدلالة الحاجة عليه ، وقيل إن ذلك من الاحتباك الذي هو من أنواع البديع ، وهو أن يحذف من الأول ما أثبت آخرا وعكسه ، فحذف ظهور الحاجة في المجنونة وأثبت البلوغ فيها ، وحذف في المجنون البلوغ وذكر فيه الحاجة كما في قوله تعالى { فئة تقاتل في سبيل الله } أي مؤمنة { وأخرى كافرة } أي تقاتل في سبيل الشيطان ، ولا يخالف ما تقرر قول المصنف الآتي ، ويزوج المجنونة أب وجد إن ظهرت مصلحة ، ولا تشترط الحاجة لأن ذلك في جواز التزويج له وهذا في لزومه ، أما إذا تقطع جنونهما لم يزوجا حتى يفيقا ويأذنا وتستمر إفاقتهما إلى تمام العقد ، وعلم مما مر أن هذا في غير البكر بالنسبة للمجبر ( لا صغيرة وصغير ) فلا يلزم تزويجهما ولو مجنونين كما يأتي ، وإن ظهرت الغبطة في ذلك لعدم الحاجة حالا مع ما في النكاح من الأخطار ، أو المؤن ، وبه فارق وجوب بيع ماله عند الغبطة ( ويلزم المجبر ) بالنصب وهو الأب والجد ( وغيره إن تعين ) كأخ واحد ، أو عم ( إجابة ) بالغة ( ملتمسة التزويج ) دعت إلى كفء تحصينا لها وحصول الغرض بتزويج السلطان لا نظر إليه لأن فيه مشقة وهتكا ، على أن تعدد الأولياء لا يمنع التعيين على من شاءت منهم كما قال ( فإن [ ص: 248 ] لم يتعين كإخوة ) أشقاء ، أو لأب ( فسألت بعضهم ) أن يزوجها ( لزمه الإجابة في الأصح ) لئلا يؤدي إلى التواكل كشاهدين معهما غيرهما طلب منهما الأداء ، فإن امتنع الكل زوج السلطان بالعضل .

                                                                                                                            والثاني المنع لإمكانه بغيره .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لأنه ) أي البلوغ ( قوله : ومجنون ) أي من مال المجنون لا من مال نفسه ( قوله بقول عدل ) أي ولا يشترط لفظ الشهادة ولا كون الإخبار بذلك للقاضي ، بل يكفي في الوجوب على الأب مجرد إخبار العدل بالاحتياج ( قوله لمن يخدمه ) بضم [ ص: 247 ] الدال ا هـ مختار ( قوله كاف فيهما ) أي المجنون والمجنونة ( قوله للحياء الذي جبلن عليه ) أي في الأصل فربما استدامت الحالة التي ألفتها قبل الجنون من غير قصد فلا يقال هي بعد الجنون لا تمييز لها حتى تجتنب ما يستحى من فعله ( قوله : لم يزوجا حتى يفيقا ) مفهومه أنهما لا يزوجان ما داما مجنونين وإن أضرهما التعزب ولعله غير مراد ، بل المدار على التضرر وعدمه ا هـ .

                                                                                                                            ثم رأيت في حج بعد قوله هنا العقد كذا أطلقوه وهو بعيد إن عهدت ندرتها وتحققت الحاجة للنكاح فلا ينبغي انتظارها حينئذ ، ويؤيده ما مر في أقرب ندرة إفاقته ، وهو يقتضي أنه لو غلبت الإفاقة وتضررا في مدة الجنون لا يجوز تزويجهما ( قوله : أن هذا ) أي قوله حتى يفيقا ويأذنا إلخ ( قوله : فلا يلزم تزويجهما ) أي بل لا يجوز في المجنون الصغير ويجوز في المجنونة إذا ظهرت مصلحة وكان المزوج الأب ، أو الجد كما يأتي ( قوله : وبه ) أي بما في النكاح من الأخطار إلخ ( قوله : على من شاءت ) أي إرادته فسألته [ ص: 248 ] قوله : فإن امتنع الكل ) أي دون ثلاث مرات ، فإن عضلوا ثلاثا زوج الأبعد على ما مر .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 246 ] قوله : بقول عدل ) المراد به الجنس لما سيأتي في تزويج المحجور من اشتراط عدلين ( قوله : ومؤن النكاح أخف إلخ ) لعل الحال هنا مقيدة ليخرج ما إذا كان ثمن السرية ومؤنها أخف ، ثم رأيت عبارة الروضة نصا فيما [ ص: 247 ] ترجيته ( قوله : وقول الشارح والحكمة إلخ ) صدر عبارة الشارح ففي المحرر والمنهاج اكتفى في المجنونة بالبلوغ عن الحاجة ; لأنه مظنتها ، واقتصر في المجنون على الحاجة الظاهرة لاستلزامها للبلوغ ، بخلاف الخفية التي أشار إليها الأطباء فكأنه قيل بالغة محتاجة وبالغ ظاهر الحاجة والحكمة في المخالفة إلخ : أي فجعله الظهور قيدا لهذه الحكمة بحسب ما فهمه ( قوله : من ظهوره ) أي ظهور التوقان قال الشهاب سم : وكأن المراد بظهوره فيه وجوده فيه ( قوله : ما أثبت آخرا ) أي أو أثبت مقابله بدليل الآية ( قوله : فحذف ظهور الحاجة إلخ ) أي والحكمة في حذف ما حذف وذكر ما ذكر في أحد الجانبين دون الآخر ما تقرر أولا ، وإنما قال فحذف ظهور الحاجة ولم يقل فحذف الحاجة إذ الظهور ليس بقيد كما مر مجاراة للمتن ( قوله : لعدم الحاجة حالا ) هذا ظاهر في حاجة الوطء ، لكن تقدم أن من الحاجة في المجنونة الاحتياج للمهر أو النفقة وفي المجنون توقع الشفاء والاحتياج للخدمة على ما مر فهلا لزم تزويج الصغيرة والصغير لذلك ( قوله : لا يمنع التعيين ) ومعلوم أنه إنما أفرد للخلاف فيه




                                                                                                                            الخدمات العلمية