الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        حكم نصب الإمام .

        15 - فنصب الإمام عند الإمكان واجب .

        16 - وذهب عبد الرحمن بن كيسان إلى أنه لا يجب [ ص: 23 ] ويجوز ترك الناس أخيافا ، يلتطمون ائتلافا واختلافا ، لا يجمعهم ضابط ، ولا يربط شتات رأيهم رابط . وهذا الرجل هجوم على شق العصا ، ومقابلة الحقوق بالعقوق ، لا يهاب حجاب الإنصاف ، ولا يستوعر أصواب الاعتساف ، ولا يسمى إلا عند الانسلال عن ربقة الإجماع ، والحيد عن سنن الاتباع .

        17 - وهو مسبوق بإجماع من أشرقت عليه الشمس شارقة وغاربة ، واتفاق مذاهب العلماء قاطبة .

        18 - أما أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأوا البدار إلى نصب الإمام حقا ; فتركوا لسبب التشاغل به تجهيز رسول الله ودفنه ، مخافة أن تتغشاهم هاجمة محنة .

        19 - ولا يرتاب من معه مسكة من عقل أن الذب عن الحوزة ، والنضال دون حفظ البيضة محتوم شرعا ، ولو ترك الناس فوضى لا يجمعهم على الحق جامع ، ولا يزعهم وازع ، ولا يردعهم عن اتباع خطوات الشيطان رادع ، مع تفنن الآراء ، [ ص: 24 ] وتفرق الأهواء لانتثر النظام ، وهلك العظام ، وتوثبت الطغام والعوام ، وتحزبت الآراء المتناقضة ، وتفرقت الإرادات المتعارضة ، وملك الأرذلون سراة الناس ، وفضت المجامع ، واتسع الخرق على الراقع ، وفشت الخصومات ، واستحوذ على أهل الدين ذوو العرامات ، وتبددت الجماعات ، ولا حاجة إلى الإطناب بعد حصول البيان ، وما يزع الله بالسلطان أكثر مما يزع بالقرآن .

        20 - فإذا تقرر وجوب نصب الإمام ، فالذي صار إليه جماهير الأئمة أن وجوب النصب مستفاد من الشرع المنقول ، غير متلقى من قضايا العقول .

        21 - وذهبت شرذمة من الروافض إلى أن العقل يفيد الناظر العلم بوجوب نصب الإمام .

        واستقصاء القول في استحالة تلقي الأحكام من أساليب العقول [ ص: 25 ] بحر فياض لا يغرف ، وتيار مواج لا ينزف .

        22 - والفئة المخالفة في هذا الباب أخذت مذهبها ، وتلقت مطلبها من مصيرها ، إلى أن الله - تعالى جده - يجب عليه استصلاح عباده ، وزعموا أن الصلاح في نصب الإمام ، واستمدوا في تقرير ما يحاولونه ، وتمهيد ما يزاولونه من الوجوه التي ذكرناها ، وهذا منهم جهل بحقيقة الإلهية ، وذهول عن سر الربوبية .

        ومن وفق للرشاد ، واستد في منهج السداد ، واستقر في نظره على اتئاد ، علم أن من ضرورة تحقق الوجوب ، تعرض من عليه الوجوب للتأثر بالمثاب والعقاب ، ومن تصدى لطرق الغير ، وقبول الأثر ، فهو عرضة للآفات ، ودريئة لأسنة العاهات ، والقديم - تعالى - لا يلحقه نفع ، ولا يناله ضرر يعارضه دفع ، فاعتقاد الوجوب عليه زلل ، فهو الموجب بأمره ، فلا يجب عليه شيء من جهة غيره .

        23 - ثم الأديان والملل ، والشرائع والنحل ، أحوج إلى الأنبياء ، المؤيدين بالمعجزات ، والآيات الباهرات ، منها إلى الأئمة ، فإذا [ ص: 26 ] جاز خلو الزمان عن النبي ، وهو معتصم دين الأمة ، فلا بعد في خلوه عن الأئمة .

        24 - فقد ثبت أنا عرفنا وجوب نصب الإمام من مقتضى الشرع الذي تعبدنا به .

        25 - ولو رددنا إلى العقول ، لم نبعد أن يهلك الله الخلائق ، ويقطعهم في الغوايات على أنحاء وطرائق ، ويغمسهم في غمرات الجهالات ، ويصرفهم عن مسالك الحقائق ، فبحكمه تردى المعتدون ، وبفضله اهتدى المهتدون ، " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " فهذا منتهى الغرض في ذلك .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية