الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      في نوادر من حكم الشافعي ، وأحواله أذكرها إن شاء الله تعالى رموزا للاختصار قال رحمه الله : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة ، وقال : من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ، وقال : ما تقرب إلى الله تعالى بشيء بعد الفرائض أفضل من طلب العلم ، وقال : ما أفلح في العلم إلا من طلبه بالقلة ، وقال رحمه الله : الناس في غفلة عن هذه السورة { : والعصر إن الإنسان لفي خسر } ، وكان قد جزأ الليل ثلاثة أجزاء : الثلث الأول يكتب ، والثاني يصلي ، والثالث ينام ، وقال الربيع : نمت في منزل الشافعي ليالي فلم يكن ينام من الليل إلا أيسره ، وقال بحر بن نصر : ما رأيت ، ولا سمعت كان في عصر الشافعي أتقى لله ، ولا أورع ، ولا أحسن صوتا بالقرآن منه ، وقال الحميدي كان الشافعي يختم في كل شهر ستين ختمة .

                                      وقال حرملة سمعت الشافعي يقول : وددت أن كل علم أعلمه تعلمه الناس أؤجر عليه ، ولا يحمدونني ، وقال أحمد بن حنبل رحمه الله : كأن الله تعالى قد جمع في الشافعي كل خير ، وقال الشافعي رحمه الله : الظرف الوقوف مع الحق حيث وقف ، وقال : ما كذبت قط ، ولا حلفت بالله تعالى صادقا ، ولا كاذبا ، وقال : ما تركت غسل الجمعة في برد ، ولا سفر ، ولا غيره ، وقال : ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها من ساعتي ، وفي رواية : من عشرين سنة ، وقال : من لم تعزه التقوى فلا عز له ، وقال : ما فزعت من فقر قط ، وقال : طلب فضول الدنيا عقوبة عاقب الله بها أهل التوحيد ، وقيل للشافعي : مالك تدمن إمساك العصا ، ولست بضعيف ؟ فقال : لأذكر أني مسافر يعني في الدنيا ، وقال : من شهد الضعف من نفسه نال الاستقامة ، وقال : من غلبته [ ص: 31 ] شدة الشهوة للدنيا لزمته العبودية لأهلها ، ومن رضي بالقنوع زال عنه الخضوع ، وقال : خير الدنيا ، والآخرة في خمس خصال : غنى النفس ، وكف الأذى ، وكسب الحلال ، ولباس التقوى ، والثقة بالله تعالى على كل حال ، وقال للربيع : " عليك بالزهد " وقال : أنفع الذخائر التقوى ، وأضرها العدوان . وقال : من أحب أن يفتح الله قلبه أو ينوره ، فعليه بترك الكلام فيما لا يعنيه ، واجتناب المعاصي ، ويكون له خبيئة فيما بينه ، وبين الله تعالى من عمل ، وفي رواية : فعليه بالخلوة ، وقلة الأكل ، وترك مخالطة السفهاء ، وبغض أهل العلم الذين ليس معهم إنصاف ولا أدب " ، وقال : " يا ربيع لا تتكلم فيما لا يعنيك ، فإنك إذا تكلمت بالكلمة ملكتك ، ولم تملكها " ، وقال ليونس بن عبد الأعلى : " لو اجتهدت كل الجهد على أن ترضي الناس كلهم فلا سبيل ، فأخلص عملك ، ونيتك لله عز وجل " وقال : " لا يعرف الرياء مخلص " ، وقال : لو أوصى رجل بشيء لأعقل الناس صرف إلى الزهاد ، وقال : سياسة الناس أشد من سياسة الدواب وقال : " العاقل من عقله عقله عن كل مذموم " ، وقال : " لو علمت أن شرب الماء البارد ينقص من مروءتي ما شربته " .

                                      وقال : " للمروءة أربعة أركان : حسن الخلق ، والسخاء ، والتواضع ، والنسك " ، وقال : " المروءة عفة الجوارح عما لا يعنيها " ، وقال : " أصحاب المروآت في جهد " ، وقال : " من أحب أن يقضي الله له بالخير فليحسن الظن بالناس " ، وقال : " لا يكمل الرجال في الدنيا إلا بأربع بالديانة ، والأمانة ، والصيانة ، والرزانة " ، وقال : أقمت أربعين سنة أسأل إخواني الذين تزوجوا عن أحوالهم في تزوجهم فما منهم أحد قال " إنه رأى خيرا " ، وقال : " ليس بأخيك من احتجت إلى مداراته " ، وقال : " من صدق في أخوة أخيه قبل علله ، وسد خلله ، وغفر زلله " ، وقال : " من علامة الصديق أن يكون لصديق صديقه صديقا " .

                                      وقال : ليس سرور يعدل صحبة الإخوان ، ولا غم يعدل فراقهم " ، وقال : " لا تقصر في حق أخيك اعتمادا على مودته " ، وقال : " لا تبذل ، وجهك إلى من يهون عليه ردك " ، وقال : من برك فقد أوثقك ، ومن جفاك فقد أطلقك " ، وقال : " من نم لك نم بك " ، " ومن إذا أرضيته قال فيك ما ليس فيك ، وإذا أغضبته قال فيك ما ليس فيك " ، وقال : " الكيس العاقل هو الفطن المتغافل " ، وقال : " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه ، وزانه ، ومن ، وعظه علانية فقد فضحه ، وشانه " ، وقال : " من سام بنفسه فوق ما يساوي ، رده الله إلى [ ص: 32 ] قيمته " وقال : " الفتوة حلي الأحرار " وقال : " من تزين بباطل هتك ستره " وقال : " التواضع من أخلاق الكرام ، والتكبر من شيم اللئام " وقال : " التواضع يورث المحبة ، والقناعة تورث الراحة " وقال : " أرفع الناس قدرا من لا يرى قدره ، وأكثرهم فضلا من لا يرى فضله " وقال : " إذا كثرت الحوائج فابدأ بأهمها " وقال : " من كتم سره كانت الخيرة في يده " وقال : " الشفاعات زكاة المروآت " ، وقال : " ما ضحك من خطأ رجل إلا ثبت صوابه في قلبه " . وهذا الباب ، واسع جدا لكن نبهت بهذه الأحرف على ما سواها . فصل .

                                      قد أشرت في هذه الفصول إلى طرف من حال الشافعي رضي الله عنه وبيان رجحان نفسه ، وطريقته ، ومذهبه ، ومن أراد تحقيق ذلك فليطالع كتب المناقب التي ذكرتها ، ومن أهمها : كتاب البيهقي رحمه الله وقد رأيت أن أقتصر على هذه الكلمات ، لئلا أخرج عن حد هذا الكتاب ، وأرجو بما أذكره ، وأشيعه من محاسن الشافعي رضي الله عنه وأدعو له في كتابتي ، وغيرها من أحوالي ، أن أكون موفيا لحقه أو بعض حقه علي لما ، وصلني من كلامه ، وعلمه ، وانتفعت به ، وغير ذلك من وجوه إحسانه إلي رضي الله عنه وأرضاه ، وأكرم نزله ، ومثواه ، وجمع بيني ، وبينه مع أحبابنا في دار كرامته ، ونفعني بانتسابي إليه ، وانتمائي إلى صحبته

                                      التالي السابق


                                      الخدمات العلمية