الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 14 ] الأمر الثاني : اشتراط التعيين فيما يلتبس دون غيره .

                قال في شرح المهذب : ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { . وإنما لكل امرئ ما نوى } فهذا ظاهر في اشتراط التعيين ، لأن أصل النية فهم من أول الحديث { إنما الأعمال بالنيات } .

                فمن الأول : الصلاة ، فيشترط التعيين في الفرائض ، لتساوي الظهر والعصر فعلا وصورة ، فلا يميز بينهما إلا التعيين ، وفي النوافل غير المطلقة ، كالرواتب ، فيعينها بإضافتها إلى الظهر مثلا ، وكونها التي قبلها أو التي بعدها ، كما جزم به في شرح المهذب ، والعيدين ، فيعينهما بالفطر والنحر .

                وقال الشيخ عز الدين : ينبغي أن لا يجب التعرض لذلك ; لأنهما يستويان في جميع الصفات ; فيلحق بالكفارات والتراويح ، والضحى ، والوتر ، والكسوف ، والاستسقاء ، فيعينها بما اشتهرت به هذا ما ذكر في الروضة ، وأصلها وشرح المهذب ، في باب صفة الصلاة ، وبقي نوافل أخر منها ركعتا الإحرام ، والطواف .

                قال في المهمات : وقد نقل في الكفاية عن الأصحاب : اشتراط التعيين فيهما ، وصرح بركعتي الطواف النووي في تصحيح التنبيه ، وعدها فيما يجب فيه التعيين بلا خلاف .

                قلت : وصرح بركعتي الإحرام في المناسك .

                ومنها : التحية ، فنقل في المهمات عن الكفاية أنها تحصل بمطلق الصلاة ، ولا يشترط فيها التعيين بلا شك ، وقال في شرح المنهاج : فيه نظر لأن أقلها ركعتان ولم ينوهما إلا أن يريد الإطلاق مع التقييد بركعتين .

                ومنها : سنة الوضوء ، قال في المهمات : ويتجه إلحاقها بالتحية ، وقد صرح بذلك الغزالي في الإحياء .

                قلت : المجزوم به في الروضة في آخر باب الوضوء خلاف ذلك وأما الغزالي فإنه أنكر في الإحياء سنة الوضوء ، أصلا ورأسا .

                ومنها : صلاة الاستخارة والحاجة ، ولا شك في اشتراط التعيين فيهما ولم أر من تعرض لذلك ، لكن قال النووي في الأذكار : الظاهر أن الاستخارة تحصل بركعتين من السنن الرواتب ، وبتحية المسجد ، وبغيرها من النوافل .

                قلت : فعلى هذا يتجه إلحاقها بالتحية في عدم اشتراط التعيين ، ومثلها صلاة الحاجة ومنها : سنة الزوال ، وهي أربع ركعات : تصلى بعده لحديث ورد بها ، وذكرها المحاملي في الكتاب وغيره ، والمتجه أنها كسنة الوضوء فإن قلنا : باشتراط التعيين فيها ، فكذا هنا وإلا فلا ; لأن المقصود إشغال ذلك الوقت بالعبادة . كما أشار إليه النبي [ ص: 15 ] صلى الله عليه وسلم حيث قال : { إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح . }

                ومنها : صلاة التسبيح والقتل ، ولا شك في اشتراط التعيين في الأولى وإن كانت ليست ذات وقت ولا سبب ، وأما الثانية فلها سبب متأخر كالإحرام ، فيحتمل اشتراط التعيين فيها ، ويحتمل خلافه .

                ومنها : صلاة الغفلة ، بين المغرب والعشاء ، والصلاة في بيته ، إذا أراد الخروج لسفر ، والمسافر إذا نزل منزلا وأراد مفارقته ، يستحب أن يودعه بركعتين ، والظاهر في الكل عدم اشتراط التعيين ; لأن المقصود إشغال الوقت أو المكان بالصلاة ، كالتحية ولم أر من تعرض لذلك كله .

                ومن ذلك : الصوم ، والمذهب المنصوص الذي قطع به الأصحاب اشتراط التعيين فيه ، لتمييز رمضان من القضاء والنذر ، والكفارة ، والفدية ، وعن الحليمي ، وجه أنه لا يشترط في رمضان ، قاله النووي ، وهو شاذ مردود ، نعم لا يشترط تعيين السنة على المذهب ، ونظيره في الصلاة أنه لا يشترط تعيين اليوم ، لا في الأداء ولا في القضاء ، فيكفي فيه فائتة الظهر ، ولا يشترط أن يقول يوم الخميس ، وقياس ما تقدم في النوافل المرتبة اشتراط التعيين في رواتب الصوم ، كصوم عرفة ، وعاشوراء ، وأيام البيض ، وقد ذكره في شرح المهذب بحثا ولم يقف على نقل فيه ، وهو ظاهر ، إذا لم نقل بحصولها بأي صوم كان كالتحية كما سيأتي عن البارزي .

                ومثل الرواتب في ذلك : الصوم ذو السبب ، وهو الأيام المأمور بها في الاستسقاء ومن الثاني : أعني ما لا يشترط فيه التعيين : الطهارات ، والحج والعمرة ; لأنه لو عين غيرها انصرف إليها ، وكذا الزكاة والكفارات .

                ضابط :

                قال الشيخ في المهذب : كل موضع افتقر إلى نية الفريضة افتقر إلى تعيينها إلا التيمم للفرض في الأصح .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية