الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1385 56 - حدثنا محمد بن عبد الله، قال: حدثني أبي، قال: حدثني ثمامة أن أنسا رضي الله عنه حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم: من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة، فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة، فإنها تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطى شاتين أو عشرين درهما، ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا من جملة الحديث الذي ذكره في باب العرض في الزكاة عن أنس بهذا الإسناد بعينه.

                                                                                                                                                                                  قوله: "كتب له فريضة الصدقة" وفي رواية أبي داود: "هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم".

                                                                                                                                                                                  وقال ابن العربي في كتابه "المسالك شرح موطأ مالك": ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الماشية ثلاثة كتب: كتاب أبي بكر، وكتاب آل عمرو بن حزم، وكتاب عمر بن الخطاب، وعليه عول مالك لطول مدة خلافته وسعة بيضة الإسلام في أيامه وكثرة مصدقيه، وما من أحد اعترض عليه فيه; ولأنه استقر بالمدينة وجرى عليه العمل، مع أنه رواية سائر أهل المدينة.

                                                                                                                                                                                  وقال أبو الحارث: قال أحمد بن حنبل: كتاب عمرو بن حزم في الصدقات صحيح وإليه أذهب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "من بلغت عنده" كلمة من مبتدأ فيها معنى الشرط، وقوله: فإنها خبره.

                                                                                                                                                                                  قوله: "صدقة الجذعة" كلام إضافي مرفوع لأنه فاعل بلغت، والواو في "وليست" وفي "وعنده" للحال، وقد مر تفسير الجذعة والحقة وبنت اللبون وبنت مخاض عن قريب.

                                                                                                                                                                                  قوله: "إن استيسرتا" أي: إن وجدتا في ماشيته، يقال: تيسر واستيسر بمعنى، قوله: "أو عشرين" أي: أو يجعل عشرين درهما بدلا عن الشاتين.

                                                                                                                                                                                  قوله: "ومن بلغت عنده صدقة الحقة" الكلام فيه من حيث المعنى والإعراب مثل الكلام في قوله: "ومن بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة" وكذا في لفظ: "ومن بلغت" في المواضع الثلاثة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): قال ابن المنذر: اختلف في المال الذي لا يوجد فيه السن الذي يجب ويوجد دونها، فكان النخعي يقول بظاهر هذا الحديث، وهو قول الشافعي وأبي ثور، وروي عن علي رضي الله عنه: يرد عشرة دراهم أو شاتين وهو قول الثوري.

                                                                                                                                                                                  وقال ابن حزم: وهو قول عمر بن الخطاب.

                                                                                                                                                                                  وقال القرطبي: وهو قول عبيدة وأحد قولي إسحاق، وقوله الثاني كقول الشافعي.

                                                                                                                                                                                  وقيل: تؤخذ فيها قيمة السن الذي يجب عليه وهو قول مكحول والأوزاعي.

                                                                                                                                                                                  وقيل: تؤخذ قيمة السن الذي وجب عليه وإن شاء أخذ الفضل منها ورد عليه فيه دراهم، وإن شاء أخذ دونها وأخذ الفضل دراهم، ولم يعين عشرين درهما ولا غيرها، وهو قول أبي حنيفة.

                                                                                                                                                                                  وقال مالك: على رب المال أن يبتاع للمصدق السن الذي يجب عليه، ولا خير في أن يعطيه بنت مخاض عن بنت لبون، ويزيد ثمنا أو يعطي بنت لبون عن بنت مخاض ويأخذ ثمنا، وقول أبي يوسف وأحمد مثل قول الشافعي إذا وجبت عليه بنت مخاض ولم توجد أخذ ابن لبون.

                                                                                                                                                                                  وفيه في قوله: "أو عشرين" دليل على أن دفع القيم في الزكاة جائز، خلافا للشافعي، وأيضا فإن قوله تعالى: خذ من أموالهم صدقة جعل فيه محل الأخذ ما يسمى مالا ثم التقييد بأنها شاة أو نحوها زيادة [ ص: 17 ] على كتاب الله تعالى، وأنه يجري مجرى النسخ، فلا يجوز ذلك بخبر الواحد والقياس.

                                                                                                                                                                                  وأما ما ورد من ذكر عين الشاة وذكر عين صنف من أصناف الإبل والبقر فلبيان الواجب بما سمى، وتخصيص المسمى لبيان أنه أيسر على صاحب الماشية، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قال: "في الخمس من الإبل شاة" وحرف "في" حقيقة للظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل - عرفنا أن المراد قدرها من المال.

                                                                                                                                                                                  قال الخطابي: وفيه دليل على أن كل واحدة من الشاة والعشرين درهما أصل في نفسه ليست ببدل، وذلك أنه خيره بحرف أو.

                                                                                                                                                                                  قلنا: لا دليل له على هذا الكلام بل التخيير يدل على أن الأصل قدرها من المال كما قررناه.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية