الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 490 ] تقسيم آخر

الاستعارة فرع التشبيه ، فأنواعها كأنواعه خمسة :

الأول : استعارة حسي لحسي بوجه حسي ، كقوله تعالى : واشتعل الرأس شيبا فإن المستعار منه هو النار ، والمستعار له هو الشيب ، والوجه هو الانبساط ، فالطرفان حسيان ، والوجه أيضا حسي ، وهو استعارة بالكناية ؛ لأنه ذكر التشبيه ، وذكر المشبه ، وذكر المشبه به مع لازم من لوازم المشبه به وهو الاشتعال .

وقوله : وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ( الكهف : 99 ) أصل الموج حركة المياه ؛ فاستعمل في حركتهم على سبيل الاستعارة .

الثاني : حسي لحسي بوجه عقلي ، كقوله تعالى : أرسلنا عليهم الريح العقيم ( الذاريات : 41 ) فالمستعار له الريح ، والمستعار منه المرأة ، وهما حسيان ، والوجه المنع من ظهور النتيجة والأثر وهو عقلي ، وهو أيضا استعارة بالكناية .

قال في " الإيضاح " : وفيه نظر ؛ لأن العقيم صفة للمرأة لا اسم لها ، ولهذا جعل صفة للريح لا اسما ، والحق أن المستعار منه ما في المرأة من الصفة التي تمنع من الحبل ، والمستعار له ما في الريح من الصفة التي تمنع من إنشاء مطر وإلقاح شجر .

وهو مندفع بالعناية ؛ لأن المراد من قوله : " المستعار منه " المرأة التي عبر عنها بالعقيم ، ذكرها السكاكي بلفظ ما صدق عليه . والغرض الوصف العنواني .

ومنه قوله تعالى : وآية لهم الليل نسلخ منه النهار ( يس : 37 ) المستعار له ظلمة النهار من ظلمة الليل ، والمستعار منه ظهور المسلوخ عند جلدته ، والجامع عقلي ، وهو ترتب أحدهما على الآخر .

[ ص: 491 ] وقوله : فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس ( يونس : 24 ) أصل الحصيد النبات والجامع الهلاك ، وهو أمر عقلي .

الثالث : معقول لمعقول ؛ كقوله تعالى : من بعثنا من مرقدنا هذا ( يس : 52 ) فالرقاد مستعار للموت ، وهما أمران معقولان ، والوجه عدم ظهور الأفعال ؛ وهو عقلي ، والاستعارة تصريحية لكون المشبه به مذكورا .

وقوله : ولما سكت عن موسى الغضب ( الأعراف : 154 ) المستعار السكوت ، والمستعار له الغضب ، والمستعار منه الساكت ، وهذه ألطف الاستعارات ؛ لأنها استعارة معقول لمعقول لمشاركته في أمر معقول .

الرابع : محسوس لمعقول ؛ كقوله تعالى : مستهم البأساء والضراء ( البقرة : 214 ) أصل التماس في الأجسام فاستعير لمقاساة الشدة ، وكون المستعار منه حسيا والمستعار له عقليا وكونها تصريحية ، ظاهر ، والوجه اللحوق وهو عقلي .

وقوله : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ( الأنبياء : 18 ) فالقذف والدمغ مستعاران .

وقوله : ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ( آل عمران : 112 ) .

وقوله : فنبذوه وراء ظهورهم ( آل عمران : 187 ) .

وقوله : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ( الأنعام : 68 ) وكل خوض ذكره الله في القرآن فلفظه مستعار من الخوض في الماء .

[ ص: 492 ] وقوله : فاصدع بما تؤمر ( الحجر : 94 ) استعارة لبيانه عما أوحي إليه ، كظهور ماء في الزجاجة عند انصداعها .

وقوله : أفمن أسس بنيانه ( التوبة : 109 ) البنيان مستعار ، وأصله للحيطان .

وقوله : ويبغونها عوجا ( هود : 19 ) العوج مستعار .

وقوله : لتخرج الناس من الظلمات إلى النور ( إبراهيم : 1 ) وكل ما في القرآن من الظلمات والنور مستعار .

وقوله : فجعلناه هباء منثورا ( الفرقان : 23 ) .

ألم تر أنهم في كل واد يهيمون ( الشعراء : 225 ) الوادي مستعار ، وكذلك الهيمان ، وهو على غاية الإيضاح .

ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ( الإسراء : 29 ) .

الخامس استعارة معقول لمحسوس : إنا لما طغى الماء ( الحاقة : 11 ) المستعار منه التكبر ، والمستعار له الماء ، والجامع الاستعلاء المفرط .

وقوله : وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ( الحاقة : 6 ) العتو هاهنا مستعار .

وقوله : تكاد تميز من الغيظ ( الملك : 8 ) فلفظ الغيظ مستعار .

وقوله : وجعلنا آية النهار مبصرة ( الإسراء : 12 ) فهو أفصح من ( مضيئة ) .

حتى تضع الحرب أوزارها ( محمد : 4 ) .

ومنها الاستعارة بلفظين ؛ كقوله تعالى : قوارير من فضة ( الإنسان : 16 ) يعني تلك الأواني ليس من الزجاج ، ولا من الفضة ، بل في صفاء القارورة وبياض الفضة ، وقد سبق عن الفارسي جعله من التشبيه .

[ ص: 493 ] ومثله : فصب عليهم ربك سوط عذاب ( الفجر : 13 ) ينبي عن الدوام ، والسوط ينبي عن الإيلام ، فيكون المراد - والله أعلم - تعذيبهم عذابا دائما مؤلما .

التالي السابق


الخدمات العلمية