الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          باب ومن سورة بني إسرائيل

                                                                                                          3130 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري أخبرني سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسري بي لقيت موسى قال فنعته فإذا رجل حسبته قال مضطرب رجل الرأس كأنه من رجال شنوءة قال ولقيت عيسى قال فنعته قال ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني الحمام ورأيت إبراهيم قال وأنا أشبه ولده به قال وأتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر خمر فقيل لي خذ أيهما شئت فأخذت اللبن فشربته فقيل لي هديت للفطرة أو أصبت الفطرة أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          ( ومن سورة بني إسرائيل )

                                                                                                          مكية إلا وإن كادوا ليفتنونك الآيات الثماني .

                                                                                                          مائة وعشر آيات أو إحدى عشرة آية .

                                                                                                          قوله : ( قال ) أي أبو هريرة ( فنعته ) أي وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ موسى " فإذا رجل " قال حسبته قال مضطرب وعند البخاري : فإذا رجل حسبته ، قال مضطرب بحذف قال قبل حسبته ، وكذلك في بعض نسخ الترمذي قال الحافظ في الفتح : القائل حسبته هو عبد الرزاق ، والمضطرب : الطويل [ ص: 446 ] غير الشديد ، وقيل الخفيف اللحم . وتقدم في رواية هشام بلفظ ضرب وفسر بالنحيف ولا منافاة بينهما . انتهى ( رجل الرأس ) بفتح الراء وكسر الجيم ، دهين الشعر مسترسله . وقاله ابن السكيت : شعر رجل : أي غير جعد " كأنه من رجال شنوءة " بفتح المعجمة وضم النون وسكون الواو بعدها همزة ثم هاء تأنيث حي من اليمن ينسبون إلى شنوءة ، وهو عبد الله بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد ، ولقب شنوءة لشنئان كان بينه وبين أهله ، والنسبة إليه شنوئي بالهمز بعد الواو ، وبالهمز بغير واو .

                                                                                                          وقال الداودي : رجال الأزد معروفون بالطول ( قال ربعة ) بفتح الراء وسكون الموحدة ويجوز فتحها وهو المرفوع ، والمراد أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط ( من ديماس ) بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره مهملة ( يعني الحمام ) هو تفسير عبد الرزاق كما في الفتح ، والديماس في اللغة : السرب ، ويطلق أيضا على الكن والحمام من جملة الكن . والمراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كن فخرج منه وهو عرقان .

                                                                                                          وفي رواية ابن عمر عند البخاري : ينطف رأسه ماء . وهو محتمل لأن يراد الحقيقة وأنه عرق حتى قطر الماء من رأسه ، ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد نضارة وجهه . ويؤيده أن في رواية عبد الرحمن بن آد عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود : يقطر رأسه ماء وإن لم يصبه بلل ( قال وأنا أشبه ولده به ) أي قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أنا أشبه أولاد إبراهيم عليه السلام به صورة ، ومعنى ( وأوتيت بإناءين أحدهما لبن ) قيل ولم يقل فيه لبن كأنه جعله لبنا كله تغليبا للبن على الإناء لكثرته وتكثيرا لما اختاره ، ولما كان الخمر منهيا عنه قلله فقال ( والآخر فيه خمر ) أي خمر قليل .

                                                                                                          اعلم أنه قد اختلفت الروايات في عدد الآنية ، ففي بعضها : أوتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر فيه خمر كما في هذه الرواية ، وفي بعض روايات البخاري : ثم رفع لي البيت المعمور ثم أوتيت بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل .

                                                                                                          وفي حديث أبي سعيد عند ابن إسحاق في قصة الإسراء فصلى بهم يعني الأنبياء ثم أتي بثلاثة آنية : إناء فيه لبن ، وإناء فيه خمر ، وإناء فيه ماء ، فأخذت اللبن .

                                                                                                          [ ص: 447 ] واختلفت الروايات أيضا في مكان عرض الآنية ، ففي رواية مسلم عن أنس : ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت فجاء جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن فأخذت اللبن . وفي بعض روايات البخاري : أتي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليلة أسري به بإيلياء بإناء فيه خمر وإناء فيه لبن ، فنظر إليهما فأخذ اللبن . فهاتان الروايتان تدلان على أن عرض الآنية كان في بيت المقدس . وفي بعض روايات البخاري المذكورة : أنه كان في السماء .

                                                                                                          قال الحافظ بعد ذكر هذه الروايات وغيرها : يجمع بين هذا الاختلاف إما بحمل ثم على غير بابها من الترتيب ، وإنما هي بمعنى الواو هنا ، وإما بوقوع عرض الآنية مرتين ، مرة عند فراغه من الصلاة ببيت المقدس ، وسببه ما وقع له من العطش كما في حديث شداد : فصليت من المسجد حيث شاء الله وأخذني من العطش أشد ما أخذني ، فأوتيت بإناءين أحدهما لبن والآخر عسل إلخ ، ومرة عند وصوله إلى سدرة المنتهى ، ورؤية الأنهار الأربعة وأما الاختلاف في عدد الآنية وما فيها فيحمل على أن بعض الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر ، ومجموعها أربعة آنية فيها أربعة أشياء من الأنهار الأربعة التي رآها تخرج من أصل سدرة المنتهى . ووقع في حديث أبي هريرة عند الطبري لما ذكر سدرة المنتهى : يخرج من أصلها أنهار من ماء غير آسن ، ومن لبن لم يتغير طعمه ، ومن خمر لذة للشاربين ، ومن عسل مصفى ، فلعله عرض عليه من كل نهر إناء . انتهى ( هديت للفطرة أو أصبت الفطرة ) شك من الراوي ، والأول بصيغة الخطاب مجهولا ، والثاني معلوما .

                                                                                                          قال القرطبي : يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة لأنه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه ، والسر في ميل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إليه دون غيره لكونه كان مألوفا له ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة ( أما ) بالتخفيف حرف التنبيه ( إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك ) أي ضلت نوعا من الغواية المترتبة على شربها ، بناء على أنه لو شربها لأحل للأمة شربها فوقعوا في ضررها وشرها ، وفيه إيماء إلى أن استقامة المقتدي من النبي والعالم والسلطان ونحوهم سبب لاستقامة أتباعهم لأنهم بمنزلة القلب للأعضاء كذا في المرقاة .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .




                                                                                                          الخدمات العلمية