الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                      صفحة جزء
                                      قال المصنف رحمه الله تعالى ( وأما بيع نوع منه بنوع آخر ; فإنه ينظر فيه فإن باع الزبد بالسمن [ ص: 460 ] لم يجز ; لأن السمن مستخرج من الزبد ، فلا يجوز بيعه بما استخرج منه ، كالشيرج بالسمسم وإن باع المخيض بالسمن فالمنصوص أنه يجوز ; لأنه ليس في أحدهما شيء من الآخر . قال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري - رحمه الله - : هما كالجنسين ، فيجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا بلا خلاف ، وإن باع الزبد بالمخيض فالمنصوص أنه يجوز ، وقال أبو إسحاق : لا يجوز ; لأن في الزبد شيئا من المخيض ، فيكون بيع زبد ومخيض بمخيض وهذا لا يصح ; لأن الذي فيه من المخيض لا يظهر إلا بالتصفية والنار ، فلم يكن له حكم ، وما سوى ذلك لا يجوز بيع نوع منه بنوع آخر ، ; لأنه يؤدي إلى التفاضل ) .

                                      التالي السابق


                                      ( الشرح ) فيه مسائل ( إحداها ) بيع الزبد بالسمن ، قال الشافعي في المختصر : ( ولا خير في سمن غنم بزبد غنم ) واتفق الأصحاب على ذلك : الصيمري والشيخ أبو حامد وأبو الطيب والمحاملي وابن الصباغ والماوردي والرافعي وغيرهم ، لما ذكره المصنف ، ولتحقق المفاضلة ، بسبب ما فيه من اللبن ، هكذا علله الرافعي ، ولك أن تقول : قد تقدم أن السمن قليل فإذا كان اللبن المختلط بالزبد يسيرا بحيث لا يؤثر في المكيال أشبه التراب المختلط بالحنطة ، فينبغي أن يجوز على هذه العلة . ( وأما ) العلة الأولى التي ذكرها المصنف فإن السمن حاصل في الزبد بالقصد حصول الدقيق في الحنطة ( وأما ) الشيرج فكامن في السمسم لا ظاهر ولذلك يجوز بيع السمسم بالسمسم ، فلا يصح أن يقال : إن السمن مستخرج من الزبد إلا أن يقال : إن ذلك من باب الأولى بما هو كامن فيه فلأن يمتنع بما هو ظاهر فيه أولى ، وهو صحيح .



                                      ( المسألة الثانية ) السمن بالمخيض جزم الشيخ أبو حامد ، ونصر المقدسي . والمحاملي والماوردي وابن الصباغ والقاضي حسين بالجواز كما نقله المصنف عن النص ، ونقله أبو الطيب عن كتاب الصرف والإملاء ، وعن المزني هنا ، وقد رأيته في الصرف في بيع الضمان ، ونقله المحاملي عن المختصر ، وما أظن فيه خلافا ، وما نقله المصنف عن أبي الطيب لم أره في تعليقه ، وهو زيادة على الحكم المنقول عن النص ، فإنه أطلق الجواز فيحتمل أن يكون المراد متفاضلا ، كما قال القاضي أبو الطيب ، وكذلك ابن الصباغ وصاحب [ ص: 461 ] التهذيب ويحتمل أن يراعى شرط التماثل وهو بعيد . قال ابن الصباغ ( فإن قيل : ) أليس قلتم : يجوز بيع الشيرج بالكسب وهما بمنزلة الجنسين ( قلنا : ) الكسب لا ينفرد عن الشيرج ، ولا بد أن يبقى معه شيء بخلاف اللبن فإن المخيض لا يبقى فيه سمن ، ذكره مع السمن في باب بيع الآجال وادعى الإمام اتفاق الأئمة عليه .



                                      ( المسألة الثالثة ) الزبد بالمخيض ، والمنصوص للشافعي أنه يجوز ، وقال أبو إسحاق والشيخ أبو حامد : لا يجوز لما ذكره المصنف ، فأما أبو إسحاق فإنه بناه على تعليله السابق ، والشيخ أبو حامد لم يوافقه على ذلك التعليل ، فكيف وافقه على هذا الحكم هنا ، . وفي البحر أن أبا حامد قال : أجاب الشافعي بهذا ظنا منه أن لا لبن في الزبد ، وليس كما ظن فإن الزبد لا ينفك من اللبن ، فلا يجوز وهذا قياس المذهب ، قال : وأجاب أصحابنا بأن الشافعي إنما قال ذلك إذا لم يكن فيه اللبن ظاهرا ، وذلك لقدر يسير لا يتبين إلا بالنار والتصفية ، فلا حكم له ، وقال القفال : المذهب ما نص عليه ، ; لأن المقصود من الزبد السمن ، والمخيض ليس من جنس السمن إذا كان منزوع الزبد ، فهما جنسان مختلفان ، وهكذا ذكر القاضي الطبري ، فيجوز متفاضلا انتهى كلام الروياني . وقال الروياني أيضا : قال الشيخ أبو محمد الجويني في المنهاج : المخيض الذي في الزبد قليل فلا حكم له كما لو باع حنطة لا شعير فيها بحنطة فيها حبات شعير قليلة قال : وهذا خلاف ما ذكر القفال وهو الأصح وحكى أبو الطيب عن أبي إسحاق الموافقة في بيع السمن بالمخيض ; لأنه لا لبن فيه ، قال أبو الطيب : وهذا التعليل صحيح إلا أن المذهب أنه يجوز البيع في الزبد أيضا ; لأنه لا حكم لذلك إذا كان لا يتبين إلا بالتصفية بالنار .

                                      ( فرع ) إذا بيع الزبد بالمخيض فهما جنسان حتى يجوز التفاضل بينهما كما قال أبو الطيب في السمن بالمخيض ، ويدلك على ذلك ردهم على أبي إسحاق ولو كان الزبد والمخيض جنسا واحدا لم يحتاجوا إلى أن يغتفروه لقلته ، ولم يتجه لأبي إسحاق ما قاله وليس ما قاله أبو الطيب مخالفة للنص ، [ ص: 462 ] ولا للأصحاب ، بل زيادة بيان على ما أجملوه ، وكذلك قول صاحب التهذيب والله أعلم .

                                      وقال صاحب التهذيب : يجوز بيع المخيض بالزبد كالسمن ، وإن كان في الزبد قليل مخيض ، وفي المخيض قليل زبد ; ; لأن المقصودين مختلفان في الجنس ، كبيع الحنطة بالشعير وفي أحدهما قليل قصل أو زوان ( قلت ) يعني أن التماثل ليس شرطا ، فالخلط - وإن منع التماثل - فهو غير مقصود فلا يضر ، وقال إمام الحرمين : لا خلاف أن المخيض والسمن جنسان مختلفان لتباين الصفات ، واختلاف الاسم والغرض . فقد تبين أن ما قاله أبو الطيب لا خلاف فيه ، وكذلك نبه عليه صاحب الوافي في شرح المهذب ، قال : قال شيخنا : لا خلاف في أنه يجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلا . والقاضي أبو الطيب - رحمه الله - ذكر هذا إخبارا عن ذلك ، لا أنه مذهب له يخالف فيه غيره ، وقول المصنف رحمه الله : وما سوى ذلك إلى آخره كذلك هو في تعليق القاضي أبي الطيب ، وملخصه أنه لا يجوز في هذا الفصل إلا بيع السمن بالمخيض ، والزبد بالمخيض ، خلافا لأبي إسحاق والشيخ أبي حامد ، ويدخل فيه مسائل صرح بها الشيخ أبو حامد والمحاملي والماوردي والقاضي حسين وهو أنه لا يجوز بيع شيء من الأقط والجبن والمصل واللبأ بالآخر ، قال المحاملي : ولا بالزبد ، ولا بالسمن ، ولا بالمخيض . قال إمام الحرمين : والأصحاب لما جوزوا بيع المخيض بالزبد لم يفرقوا بين القليل والكثير ، وإذا كثر الزبد فالرغوة قد تبلغ مبلغا يطلب مثله في جنس المخيض ، ولكن المرعي في الباب أن ما يميز من الزبد في الغالب تبدد ، ولا يعنى بجمعه ، وإن كثر الزبد ، فهذا هو المعني بقول الأصحاب : الرغوة غير مقصودة . قال الإمام : إذا امتنع بيع الأقط بالأقط امتنع بيعه بالمصل ، فإنهما من المخيض لا يتفاوتان في الصفات تفاوتا يختلف الجنس به ، ويمتنع بيع المخيض بالأقط والمصل كما يمتنع بيع العصير بالدبس ، وبيع الجبن بالأقط ممتنع ، قال الإمام : قال العراقيون : الأقط والمخيض والمصل والجبن جنس واحد [ ص: 463 ] أما ) المخيض والأقط أو المصل فكما ذكروه ( وأما ) الجبن ففيه ما يجانس المخيص ، وهو كقول القائل : اللبن والأقط جنس واحد ، والوجه أن يقال في اللبن جنس الأقط ( قلت ) وهذه بالمشاحة في العبارة ، ومقصودهم ما ذكروه وأنه يمتنع بيع أحدهما بالآخر والله أعلم .



                                      ( فرع ) بيع جبن الغنم بجبن البقر قال ابن الرفعة يشبه أن يكون فيه مثل الخلاف في بيع خبز القمح بخبز الشعير ( إذا قلنا : ) الأدقة أجناس



                                      ( فرع ) إذا قلنا بأن الألبان جنس فباع سمن البقر بلبن الإبل فيكون حكمه ، وليس في لبن الإبل سمن يتميز بالمخض والعلاج : قال الإمام : الظاهر أنا لا نجعل لبن الإبل مشتملا على سمن تقديرا ، حتى يقال : هو بمثابة سمن البقر بلبن البقر ثم إذا كان كذلك فوراءه احتمال في أن سمن البقر هل يخالف جنس لبن الإبل ؟ والتفريع على تجانس الألبان ؟ فالظاهر أنه خلافه ، فيجوز بيعه به متفاضلا والسبب فيه أنا حكمنا بتجانس الألبان لاجتماعها في الاسم الخاص وقد زال هذا المعنى ولم يقدر في لبن الإبل سمنا ، والعلم عند الله تعالى .



                                      ( فرع ) قال الإمام : الإنفحة الوجه القطع بطهارتها لإجماع المسلمين على طهارة الجبن ، وهو في الغالب لا يخلو عن الإنفحة . والذي إليه إشارة الأصحاب أن الإنفحة جنس على حيالها ، مخالف للبن ، وكل ما يتخذ منه ، ولست أدري أنها من المطعومات وحدها كالملح ؟ حتى تعتبر المماثلة في بيع بعضها ببعض ؟ أم ليست من المطعومات ؟ .




                                      الخدمات العلمية