الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله والصلاة إلى ظهر قاعد يتحدث ) أي لا تكره كذا في الجامع الصغير وفي رواية الحسن عن أبي حنيفة يكره له أن يصلي وقبله نيام أو قوم يتحدثون لما أخرجه البزار عن ابن عباس مرفوعا { نهيت أن أصلي إلى النيام والمحدثين } وأجيب بأنه محمول في النائمين على ما إذا خاف ظهور صوت منهم يضحكه ويخجل النائم إذا انتبه وفي المحدثين على ما إذا كان لهم أصوات يخاف منها التغليط أو شغل البال ونحن نقول بالكراهة في هذا ثم يعارض الحديث المذكور في النائمين ويقدم عليه لقوته ما في الصحيحين عن عائشة قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاة الليل كلها وأنا معترضة بينه وبين القبلة فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت } وإنما قيد بقوله يتحدث ليفيد عدم الكراهة إلى ظهر من لا يتحدث بالأولى ولعله متفق عليه وقد كان يفعله ابن عمر إذا لم يجد سارية يقول لنافع ول ظهرك وأفاد كلامهم هنا أنه لا كراهة على المتحدث ولهذا نقل الشارح عن الصحابة رضي الله عنهم أن بعضهم كانوا يقرءون القرآن وبعضهم يتذاكرون العلم والمواعظ وبعضهم يصلون ولم ينههم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولو كان مكروها لنهاهم ا هـ .

                                                                                        وقيد بالظهر لأن الصلاة إلى وجه أحد مكروهة كما في الجامع الصغير قال في المنية والاستقبال إلى المصلي مكروه سواء كان المصلي في الصف الأول أو في الصف الأخير ولهذا قال في الذخيرة يكره للإمام أن يستقبل المصلي وإن كان بينهما صفوف وهذا هو ظاهر [ ص: 34 ] المذهب ذكره في الفصل الرابع من كتاب الصلاة .

                                                                                        والحاصل أن استقبال المصلي إلى وجه الإنسان مكروه واستقبال الإنسان وجه المصلي مكروه فالكراهة من الجانبين قال العلامة الحلبي وقد صرحوا بأنه لو صلى إلى وجه إنسان وبينهما ثالث ظهره إلى وجه المصلي لم يكره

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولعله متفق عليه ) أي عدم الكراهة إلى ظهر من لا يتحدث وفي شرح المنية للشيخ إبراهيم وقوله يتحدث لإفادة نفي قول من قال بالكراهة بحضرة المتحدثين وكذا بحضرة النائمين وما روي عنه عليه الصلاة والسلام { لا تصلوا خلف النائم ولا متحدث } ضعيف وتمامه فيه [ ص: 34 ] ( قوله وقد صرحوا إلخ ) أي لأن الثالث صار كالفاصل كما في النهر قال وقياسه أنه لو صلى إلى وجه إنسان هو على مكان عال ينظره إذا قام لا إذا قعد لا يكره ولم أره لهم وفي شرح الشيخ إسماعيل بعد نقله كلام الحلبي ومقتضاه مع ما سبق من كون الظهر سترة تقييد ما في الذخيرة بما إذا كان المصلي متوجها إلى ما بين القاعدين في الصفوف من الفرج لا إلى ظهر أحدهم فليتأمل . ا هـ .

                                                                                        قلت وهذا الجواب مع ما بحثه في النهر ينافيه بقية كلام الذخيرة حيث قال وهذا هو ظاهر المذهب لأنه إذا كان وجهه مقابل وجه الإمام في حال قيامه يكره ذلك وإن كان بينهما صفوف ا هـ .

                                                                                        فإنه لو كان بين الصفوف فرج لم يكن لتقييد المقابلة بحال القيام فائدة كما لا يخفى لأن المقابلة حينئذ موجودة في حال قعوده وهو صريح في الكراهة إذا كانت المواجهة في حال القيام فقط وقد أجاب الرملي بجواب آخر وهو أن ما نقله الحلبي في حق المصلي وما في الذخيرة في حق المستقبل فلا منافاة تأمل ا هـ .

                                                                                        وقد يحمل ما ذكره الحلبي على صورة لا تحصل بها المواجهة بأن يكون الثالث قائما أو قاعدا والمصلي مثله وبه يحصل التوفيق وهو أقرب مما مر فتدبر




                                                                                        الخدمات العلمية