الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم خلفاء الرسول أهل العدل من العلماء والأمراء الجامعين بين العلم والإمارة مع العدل -كالخلفاء الراشدين- قد يجتهدون في كثير من هذه الأموال قبضا وصرفا ، كما يجتهدون في الأحكام والولايات والأعمال والعقوبات ونحو ذلك ، واجتهادهم سائغ ، والأموال المأخوذة بمثل هذا الاجتهاد سائغة ، وإن اعتقد الرجل تحريم بعض ذلك ، فليس له أن ينكر على الإمام المجتهد في ذلك ، ولا على من أخذ باجتهاده ، كما لا ينكر على ما أعطاه الحاكم بحكمه في الفرائض والوقوف ونحو ذلك . ولكن هل يباح له بالحكم ما اعتقد تحريمه قبل الحكم؟ على روايتين .

وكذلك يخرج في القسم ، فإن قسم الإمام المال الذي يجب عليه قسمه هو كحكمه ، وأما قسمته لغير ذلك فهي بمنزلة فعل الحاكم ، كتزويج الأيامى وبيع أموال اليتامى . وهل فعل الحاكم حكم فلا يسوغ نقضه ، أم هو كفعل غيره فيجوز نقضه حتى ينفذه أو غيره من الحكام؟ فيها وجهان .

ثم إذا قلنا : هو حرام عليه ، فليس حراما على غيره ، ويحل له -إذا أخذه غيره بتأويل- أن يأخذه منه بابتياع واتهاب ونحو ذلك من العقود . هذا هو الصواب ، فإن ما قبضه المسلم بالتأويل أولى [ ص: 386 ] بالإباحة مما يقبضه الكفار من أهل الحرب والذمة بالتأويل . وإذا كان الكفار فيما يعتقدون حله إذا أسلموا لو تحاكموا إلينا بعد القبض حكمنا بالاستحقاق لمن هو في يده ، وحللناه لمن قبضه من المسلمين منه بمعاوضة ، وحللناه له بعد إسلامه ، فالمسلم فيما هو متأول في حكمه باجتهاد وتقليد إذا قبضه أولى أن تحل معاملته فيه ، وأن يكون مباحا له إذا رجع بعد ذلك عن القول الذي اعتقده أولا ، وأن يحكم له به بعد القبض ، كما لو حكم به حاكم .

وقد ذكرت هذه المسألة في غير هذا الموضع ، وذكرت فيها روايتين أصحهما ذلك ، بناء على أن حكم الإيجاب والتحريم لا يثبت في حكم المكلف إلا بعد بلوغ الخطاب ، وأنه [لا] يجب عليه قضاء ما تركه من الواجبات بتأويل ، ولا رد ما قبضه من المحرمات بتأويل كالكفار بعد الإسلام وأولى ، فإن المسلم في ذلك أعذر .

التالي السابق


الخدمات العلمية