الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      النشتبري

                                                                                      الشيخ الإمام الفقيه الجليل المحدث المعمر ضياء الدين أبو محمد عبد الخالق بن الأنجب بن معمر بن حسن العراقي النشتبري ثم المارديني الشافعي ، ويعرف بالحافظ .

                                                                                      رحل وسمع ببغداد من أبي الفتح بن شاتيل ، وأبي بكر الحازمي الحافظ ، وعبد المنعم بن كليب ، وأبي الفرج بن الجوزي ، وطائفة .

                                                                                      [ ص: 240 ] وبمصر من إسماعيل بن ياسين وطائفة ، وبدمشق من إسماعيل الجنزوي ، والخشوعي .

                                                                                      ورأيت إجازة صحيحة في قطع لطيف فيها اسم عبد الخالق هذا من وجيه الشحامي ، وعبد الله بن الفروي ، وعبد الخالق بن زاهر ، وأبي الأسعد القشيري ، والحسين بن علي الشحامي ، وشهر دار بن شيرويه وعبد الخالق اليوسفي ونصر بن نصر العكبري ، وهبة الله بن أخت الطويل ، وموهوب بن الجواليقي ، وعبد الملك الكروخي ، وطبقتهم ، فاستبعدت ذلك ولم أحتفل بأمرها إذ ذاك ، وتوقفنا في شأنها .

                                                                                      قال ابن الحاجب : سألت الحافظ الضياء عنه ، فقال : صحبنا في السماع ببغداد وما رأينا منه إلا الخير ، وبلغنا أنه فقيه حافظ .

                                                                                      وقال غيره : كان مناظرا ، متفننا ، كثير المواد .

                                                                                      وقال الحافظ عز الدين الشريف كان يذكر أنه ولد في سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ، وأنه أجاز له جماعة منهم أبو الفتح الكروخي .

                                                                                      قلت : التردد موجود في هذه الإجازة هل هي له أو لأخ له باسمه مات قديما ، فإني رأيت شيوخنا كالدمياطي وابن الظاهري ، فقد ارتحلوا إليه وسمعوا منه روايته عن ابن شاتيل وغيره ، وسمعوا بهذه الإجازة ، ورأيت " جامع أبي عيسى " قد قرأه شيخنا ابن الظاهري عليه ، ولولا صحة الإجازة عنده لما أتعب نفسه ، وقد قال الدمياطي : إنه جاوز المائة ، وقال : كان فقيها عالما ، ثم ضبط النشتبري بكسر أوله وثالثه ، وقد قال ابن النجار : بلغني أنه ادعى الإجازة من موهوب بن الجواليقي والكروخي وجماعة ، وروى .

                                                                                      [ ص: 241 ] عنهم ، وما أظن سنه تحتمل ذلك .

                                                                                      قلت : قرأ عليه السراج عمر بن شحانة " الأربعين " لعبد الخالق الشحامي في سنة إحدى وأربعين وستمائة بآمد بإجازته منه ، فالله أعلم ، ولا ريب أنه رجل فقيه النفس يدري من نفسه أنه كان أدرك ذلك الزمان أولا ، وقد ادعى أنه ولد سنة سبع وثلاثين فعلى هذا يكون قد عاش مائة واثني عشر عاما .

                                                                                      حدث عنه مجد الدين بن العديم ، وشمس الدين بن الزين ، وشمس الدين محمد بن التيتي الآمدي ، والحافظان الدمياطي وابن الظاهري ، وطائفة . ومن القدماء : أبو عبد الله البرزالي ، وبالإجازة أبو المعالي بن البالسي ، وأبو عبد الله بن الدباهي ، وزينب بنت الكمال ، وآخرون .

                                                                                      وقد توفي سنة تسع وأربعين وستمائة في الثاني والعشرين من ذي الحجة .

                                                                                      ورأيت شيوخنا كالدمياطي وابن الظاهري قد ارتحلوا إليه وسمعوا منه من روايته عن ابن شاتيل وغيره ، وسمعوا بهذه الإجازة فمن المجيزين له كبار منهم .

                                                                                      [ ص: 242 ] نصر بن نصر العكبري عنده عوال ، من ذلك : الأول الكبير من حديث المخلص ، و " مشيخة " أبي الغنائم بن أبي عثمان منه ، مات سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة .

                                                                                      العلامة أبو منصور موهوب بن أحمد بن الجواليقي ، سمع الكثير من ابن البسري وأبي طاهر بن أبي الصقر ، وخطيب الأنبار علي بن محمد ، مات سنة أربعين وخمسمائة .

                                                                                      أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل الكروخي الصوفي راوي " الجامع " ، وكان ثقة صالحا يتبلغ من النسخ ، مات سنة ثمان وأربعين وخمسمائة .

                                                                                      أبو بكر هبة الله بن الفرج بن أخت الطويل شيخ همذان ، سمع " سنن أبي داود " من علي بن محمد البجلي : أخبرنا أبو بكر بن لال ، أخبرنا ابن داسة ، وسمع من جماعة ، مات سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة عن تسعين سنة .

                                                                                      ومن المحدثين أبو المعالي بن السمين ، وعبد الكريم بن الحسن الكاتب ، وأبو محمد بن محمد الطوسي ، وأبو بكر محمد بن علي بن محمد الطوسي الذي حدث عنه عبد القادر الحافظ ، وطاهر بن زاهر بن طاهر الشحامي وأخوه الفضل وابن عمهما محمد بن وجيه ، والله سبحانه أعلم .

                                                                                      وقد كان النشتبري بعث الإجازة إلى ابن الوليد في سنة ست وثلاثين وستمائة ، فتكلم له على أكثرهم وما رأيناه أنكر ذلك ، وكان عالما صاحب [ ص: 243 ] حديث ، وكان النشتبري من كبار العلماء معروفا بالستر والصيانة ، وما كان ليستحل مع ذكائه وفهمه وطلبه للحديث ورحلته فيه أن تكون الإجازة لأخ له باسمه قد مات صغيرا وسمي الضياء باسمه فيدعيها ، ويؤكد ذلك بقوله : إنني ولدت سنة سبع وثلاثين ، ويحدث بها من سنة أربع وعشرين وستمائة وإلى أن مات ، وهذا علو مفرط يقتصر منه العجب ويهابه صاحب الحديث في البديهة ، ثم يترجح عنده بالقرائن صحة ذلك والله أعلم .

                                                                                      وقد قرأت بهذه الإجازة أنا في حدود سنة سبعمائة على شيخنا أبي عبد الله الدباهي بإجازته من النشتبري أن الكروخي أنبأهم ، والآن ، وهو سنة سبع وثلاثين وسبعمائة ، تروي عنه بالأجازة بنت الكمال التي كتب بها إليها في سنة سبع وأربعين وستمائة ، فمن أراد العلو الذي لا نظير له فليسمع بها ، فلو ارتحل الطالب لسماع جزء واحد من ذلك شهرا لما ضاعت رحلته ، فالمجيزون له .

                                                                                      وجيه الشحامي سمعه أبوه الكثير وارتحل هو إلى هراة وبغداد ، وسمع " الصحيح " من أبي سهل محمد بن أحمد الحفصي بسماعه من الكشمهيني ، وسمع " فوائد المخلدين " ستة وعشرين جزءا من أبي حامد الأزهري ، وسمع " مسند السراج " من القشيري و " رسالته " ، وحدث بها ، قاله أبو محمد بن الوليد ، قال : وسمع " الزهريات " للذهلي من الأزهري عن ابن حمدون عن ابن الشرقي عنه ، وسمع " سنن أبي داود " من أبي الفتح نصر بن علي الحاكمي : أخبرنا أبو علي الروذباري ، أخبرنا ابن داسة قال : وكان ثقة إماما ، ولد سنة خمس وخمسين وتوفي في جمادى الآخرة سنة إحدى وأربعين وخمسمائة .

                                                                                      هبة الرحمن عبد الواحد بن القشيري أبو الأسعد ، خطيب نيسابور ، [ ص: 244 ] سمع " سنن أبي داود " من الحاكمي أيضا ، وسمع من جده حضورا في الخامسة ، وسمع " صحيح أبي عوانة " من عبد الحميد بن عبد الرحمن البحيري عن أبي نعيم المهرجاني عنه ، قاله ابن الوليد .

                                                                                      قلت : وله " أربعون " عوال . توفي سنة ست وأربعين وخمسمائة .

                                                                                      ومنهم : الحسين بن علي الشحامي .

                                                                                      قلت : هذا ما عرفه ابن الوليد ، وهو ابن ابن عم وجيه صدر رئيس ، سمع الثالث من " المسند " للسراج من ابن المحب ، و " صلاة الضحى " للحاكم يرويه عن ابن خلف عنه . مات سنة خمس وأربعين .

                                                                                      عبد الكريم بن خلف بن طاهر الشحامي المعدل ، أبو المظفر سمع من ابن المحب وأبي بكر بن خلف ، مات سنة إحدى وأربعين وخمسمائة .

                                                                                      عبد الخالق بن زاهر الشحامي ، قال ابن الوليد : عالم ثقة استملى سنين على الشيوخ وأملى وحدث . قلت : له " أربعون " و " وأربعون " سمعناهما ، عدم في الكائنة سنة تسع وأربعين .

                                                                                      أبو البركات عبد الله بن محمد بن الفراوي ، ثقة عالم ، سمع من جديه ، وسمع " صحيح أبي عوانة " ملفقا على ثلاثة .

                                                                                      أبو منصور شهردار بن شيرويه الديلمي الهمذاني ، سمع أباه أبا شجاع ، وأبا الفتح بن عبدوس ، وابن حمد الدوني ، مات سنة ثمان وخمسين وخمسمائة .

                                                                                      [ ص: 245 ] أبو العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني العطار المقرئ صاحب التصانيف ، إمام .

                                                                                      أبو الفرج عبد الخالق بن أحمد اليوسفي المحدث ، سمع من أبي نصر الزينبي ، وعاصم بن الحسن ، وخلق ، توفي سنة ثمان وأربعين ، وله أربع وثمانون سنة .

                                                                                      أبو القاسم نصر بن نصر العكبري الواعظ سمع أبا القاسم بن البسري .

                                                                                      وقرأت ترجمة طويلة للنشتبري بخط أبي الفتح الحافظ ، فقال : عبد الخالق بن أنجب بن المعمر بن حسن بن عبيد الله بن يوسف بن روحين النشتبري المولد ، قرية بقرب شهرابان ، قال فيه ابن مسدي : شيخ من أئمة هذا الشأن ممن رحل فيه إلى البلدان مع الحفظ والإتقان . سمع بأماكن وكان كثير السماع متسع الروايات ، لم أقف له على سماع قبل عشر الثمانين ، وله إجازات من جماعة انفرد عنهم ، منهم : أسعد بن عبد الواحد بن القشيري ، ووجيه الشحامي والكروخي وابن الجواليقي ، ولم يكن على وجه الأرض سنة أربعين من يحدث عنهم سواه . واختلف الحفاظ في هذه الإجازة بين التوقف والإجازة فمن قائل : دلس عليه فيها فتلقاها بالقبول ، ومن قائل : هي صحيحة ، وطرق الظنة إليها اضطرابه في تاريخ مولده ، وأكثر الروايات عنه أنه قبل الأربعين وخمسمائة بسنة أو نحوها ، سكن دنيسر مدة ثم ماردين .

                                                                                      قال أبو الفتح : أخرج إلينا الأمير ابن التيتي إجازة عبد الخالق فنقلها وخط الكروخي فيها في الورقة المكتوب فيها الاستدعاء وهو : " إن رأى السادة أن يجيزوا لعبد العزيز بن عبد الله التونسي وللأنجب بن المعمر بن الحسن ولولديه يحيى وعبد الخالق جميع صح ويصح عندهم من جميع ما [ ص: 246 ] تسوغ روايته عنهم فعلوا منعمين في جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين " .

                                                                                      قال : وعلى التاريخ ضرب ، فكتب الشيوخ : " أجزت لهم أدام الله عزهم فيما استجازوه " ، وكتب وجيه بن طاهر كذلك : " أجزت لهم " ، وكتب الحسين بن علي بن الحسين الشحامي ، وسرد أبو الفتح سائرهم ، ثم قال .

                                                                                      ورأيت خط الصاحب شرف الدين بن التيتي : عبد الخالق النشتبري المعروف بالحافظ ، فقيه أديب بارع ، له الذهن الحاضر والخاطر العاطر ، كان يحفظ من أشعار العرب جملة وافرة . سمع بالعراق ابن شاتيل ، وبدمشق ، ومصر ، وبلاد كثيرة ، سمعت عليه وابني محمد ، وحدث " بجامع " الترمذي عن الكروخي إجازة ، ثم قال : حدثنا عبد الخالق ، وهو أول حديث سمعته منه ، وساق الحديث ، فزاد في إسناده رجلا فصله بين زاهر وبين المؤذن .

                                                                                      ثم قال : وسمع من الحازمي " الناسخ والمنسوخ " ومن ابن كليب كتاب " أدب الكاتب " عن أبي منصور الكاتب سوى الخطبة عن أبي القاسم التنوخي ، وسمع من درة بنت عثمان عن ابن الطبر ، ومن أحمد بن خطيب الموصل وطغدي الأميري ، والخشوعي ; سمع منه " المقامات " ، و " سنن أبي داود " ، ومنصور بن أبي الحسن الطبري ، ومسلم بن علي السيحي الشاهد ، وأبي القاسم بن شدقيني ، وعبد الله عبد الغني بن عليان ، [ ص: 247 ] وعبد الله بن أبي المجد ، وعبد القادر الرهاوي ، وأبي الفرج بن البندنيجي ، وحماد الحراني ، وابن هبل ، ومحمد بن المبارك بن ميمون ، وعبد العزيز بن الناقد ، وعبد الله بن الطويلة ، وعبد الله بن أبي غالب بن نزال ، ومحمد بن أبي المعمر ، وابن الخريف ، وعبد العزيز بن محمد بن أبي عيسى لقيه ببعقوبا ، والعماد الكاتب ، وأبي تراب يحيى بن إبراهيم ، وعبد الوهاب بن حماد ، والتاج الكندي ، ونصر الله بن أبي سراقة .

                                                                                      والحسن بن محمد النيسابوري ، وهبة الله البوصيري ، وعبد الله بن سرايا البلدي بالموصل ومكي بن ريان الماكسيني ، والمبارك بن المعطوش ، وإسماعيل بن علي بن عبيد بالموصل ، ويحيى بن المظفر الموصلي ، وأحمد بن عثمان الزرزاري الزاهد ، وعبد الله بن محمد بن حسن الصلحي سمع منه بسنجار في سنة خمس وثمانين ، والزاهد أبي أحمد عبد الله بن الحسن بن البناء بنينوى ومات في سنة أربع وثمانين وما رأيت مثله ، وعبد الله بن نصر الموصلي ، وأبي الفتح نصر بن علي بدنيسر ومسلم بن أحمد بن مسلم بسنجار ، وقاضي نصيبين القوام محمود بن أبي منصور روى عن التاج المسعودي ، وعلي بن أبي منصور بن مكارم وسليمان بن إبراهيم بن الشيرجي بالموصل ، وإسماعيل بن ياسين بمصر .

                                                                                      ومحمد بن غنيمة بن العاق ، وأبي البركات بن خيرون الماكسيني ، وإبراهيم بن نصر بن عسكر بالموصل ، ومحمد بن الدبيثي ، وعبد الكريم بن يحيى القيسي ، والبهاء بن عساكر ; سمع منه " تفسير سليم " ، وأبي الفتوح البكري ، وأبي [ ص: 248 ] القاسم الدولعي ، ومكي بن علي الحربي ، وأبي الفتح بن شاتيل ، ونصر بن منصور النميري ; سمع منه خطب ابن نباتة : أخبرنا ابن نبهان .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية