الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
الطباق

هو أن يجمع بين متضادين مع مراعاة التقابل ، كالبياض والسواد ، والليل والنهار ، وهو قسمان : لفظي ومعنوي ، كقوله تعالى : فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا ( التوبة : 82 ) طابق بين الضحك والبكاء والقليل والكثير .

ومثله لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ( الحديد : 23 ) .

وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا ( النجم : 43 - 44 ) .

وتحسبهم أيقاظا وهم رقود ( الكهف : 18 ) .

سواء منكم من أسر القول ومن جهر به ومن هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ( الرعد : 10 ) .

[ ص: 502 ] وقوله تعالى : تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء . . . ( آل عمران : 26 ) الآية .

وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات ( فاطر : 19 - 22 ) .

ثم إذا شرط فيهما شرط وجب أن يشترط في ضديهما ضد ذلك الشرط ؛ كقوله تعالى : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى . . . ( الليل : 5 - 6 ) الآية ، لما جعل التيسير مشتركا بين الإعطاء والتقى والتصديق ، جعل ضده وهو التعسير مشتركا بين أضداد تلك الأمور ، وهي المنع والاستغناء والتكذيب .

ومنه : في جنة عالية قطوفها دانية ( الحاقة : 22 - 23 ) قابل بين العلو والدنو .

وقوله : فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ( الغاشية : 13 - 14 ) .

وقوله : ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ( القصص : 73 ) فذكر الليل والنهار وهما ضدان ، ثم قابلهما بضدين وهما الحركة والسكون على الترتيب ، ثم عبر عن الحركة بلفظ الإرداف ، فاستلزم الكلام ضربا من المحاسن زائدا على المبالغة ، وعدل عن لفظ الحركة إلى لفظ ابتغاء الفضل ؛ لكون الحركة تكون للمصلحة دون المفسدة ، وهي تسير إلى الإعانة بالقوة وحسن الاختيار الدال على رجاحة العقل وسلامة الحس ، وإضافة الظرف إلى تلك الحركة المخصوصة واقعة فيه ؛ ليهتدي المتحرك إلى بلوغ المأرب .

ومن الطباق المعنوي قوله تعالى : إن أنتم إلا تكذبون قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ( يس : 15 - 16 ) معناه : ربنا يعلم إنا لصادقون .

وقوله : الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء ( البقرة : 22 ) قال أبو علي في [ ص: 503 ] " الحجة " : لما كان البناء رفعا للمبني قوبل بالفراش الذي هو على خلاف البناء ، ومن ثم وقع البناء على ما فيه ارتفاع في نصيبه إن لم يكن مدرا .

ومنه نوع يسمى الطباق الخفي ، كقوله تعالى : مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا ( نوح : 25 ) لأن الغرق من صفات الماء ، فكأنه جمع بين الماء في النار والنار ، قال ابن منقذ : وهي أخفى مطابقة في القرآن .

قلت : ومنه قوله تعالى : من الشجر الأخضر نارا ( يس : 80 ) فكأنه جمع بين الأخضر والأحمر ، وهذا أيضا فيه تدبيج بديعي .

ومنه : ولكم في القصاص حياة ( البقرة : 179 ) لأن معنى القصاص القتل ، فصار القتل سبب الحياة .

قال ابن المعتز : وهذا من أملح الطباق وأخفاه .

وقوله تعالى في الزخرف : ظل وجهه مسودا ( الآية : 17 ) لأن " ظل " لا تستعمل إلا نهارا ، فإذا لمح مع ذكر السواد كأنه طباق يذكر البياض مع السواد .

[ ص: 504 ] وقوله : ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار ( غافر : 41 ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية