الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ولاية عقبة بن نافع إفريقية ثانية وما افتتحه فيها وقتله

قد ذكرنا عزل عقبة عن إفريقية وعوده إلى الشام ، فلما وصل إلى معاوية وعده بإعادته إلى إفريقية ، وتوفي معاوية وعقبة في الشام ، فاستعمله يزيد على إفريقية في هذه السنة وأرسله إليها ، فوصل إلى القيروان مجدا ، وقبض أبا المهاجر أميرها وأوثقه في الحديد وترك بالقيروان جندا مع الذراري والأموال واستخلف بها زهير بن قيس البلوي ، وأحضر أولاده ، فقال له : إني قد بعت نفسي من الله ، عز وجل ، فلا أزال أجاهد من كفر بالله . وأوصى بما يفعل بعده .

ثم سار في عسكر عظيم حتى دخل مدينة باغاية ، وقد اجتمع بها خلق كثير من الروم ، فقاتلوه قتالا شديدا وانهزموا عنه وقتل فيهم قتلا ذريعا وغنم منهم غنائم كثيرة ، ودخل المنهزمون المدينة وحاصرهم عقبة .

ثم كره المقام عليهم فسار إلى بلاد الزاب ، وهي بلاد واسعة فيها عدة مدن وقرى كثيرة ، فقصد مدينتها العظمى واسمها أربة ، فامتنع بها من هناك من الروم والنصارى ، وهرب بعضهم إلى الجبال ، فاقتتل المسلمون ومن بالمدينة من النصارى عدة دفعات ثم انهزم النصارى وقتل كثير من فرسانهم ، ( ورحل إلى تاهرت ) .

فلما بلغ الروم خبره استعانوا بالبربر فأجابوهم ونصروهم ، فاجتمعوا في جمع كثير والتقوا واقتتلوا قتالا شديدا ، واشتد الأمر على المسلمين لكثرة العدو ، ثم إن الله [ ص: 206 ] تعالى نصرهم فانهزمت الروم والبربر وأخذهم السيف وكثر فيهم القتل وغنم المسلمون أموالهم وسلاحهم .

ثم سار حتى نزل على طنجة فلقيه بطريق من الروم اسمه يليان فأهدى له هدية حسنة ونزل على حكمه ، ثم سأله عن الأندلس فعظم الأمر عليه ، فسأله عن البربر ، فقال : هم كثيرون لا يعلم عددهم إلا الله ، وهم بالسوس الأدنى ، وهم كفار لم يدخلوا في النصرانية ولهم بأس شديد .

فسار عقبة إليهم نحو السوس الأدنى ، وهي مغرب طنجة ، فانتهى إلى أوائل البربر ، فلقوه في جمع كثير ، فقتل فيهم قتلا ذريعا وبعث خيله في كل مكان هربوا إليه ، وسار هو حتى وصل إلى السوس الأقصى ، وقد اجتمع له البربر في عالم لا يحصى ، فلقيهم وقاتلهم وهزمهم ، وقتل المسلمون فيهم حتى ملوا وغنموا منهم وسبوا سبيا كثيرا ، وسار حتى بلغ ماليان ورأى البحر المحيط ، فقال : يا رب لولا هذا البحر لمضيت في البلاد مجاهدا في سبيلك .

ثم عاد فنفر الروم والبربر عن طريقه خوفا منه ، واجتاز بمكان يعرف اليوم بماء الفرس فنزله ، ولم يكن به ماء ، فلحق الناس عطش كثير أشرفوا [ منه ] على الهلاك ، فصلى عقبة ركعتين ودعا ( فبحث فرس له الأرض بيديه فكشف له عن صفاة ) فانفجر الماء ، فنادى عقبة في الناس فحفروا أحساء كثيرة وشربوا ، فسمي ماء الفرس .

فلما وصل إلى مدينة طبنة ، وبينها وبين القيروان ثمانية أيام ، أمر أصحابه أن يتقدموا فوجا فوجا ثقة منه بما نال من العدو ، وأنه لم يبق أحدا يخشاه ، وسار إلى تهوذة لينظر إليها في نفر يسير ، فلما رآه الروم في قلة طمعوا فيه فأغلقوا باب الحصن وشتموه وقاتلوه وهو يدعوهم إلى الإسلام فلم يقبلوا منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية