الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3167 حدثنا خالد بن يزيد حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود قال سمعت عبد الله قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ فهل من مدكر

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        ثالثها حديث عبد الله " سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : فهل من مدكر " وسيأتي في التفسير إن شاء الله تعالى . [1]

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 436 ] قوله : ( باب قول الله تعالى : وإلى ثمود أخاهم صالحا - وقوله - كذب أصحاب الحجر ) هو صالح بن عبيد بن أسيف بن ماشخ بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عامر بن إرم بن سام بن نوح ، وكانت منازلهم بالحجر ، وهو بين تبوك ، والحجاز .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( الحجر موضع ثمود ، وأما حرث حجر : حرام ) هو تفسير أبي عبيدة ، قال في قوله تعالى : وقالوا هذه أنعام وحرث حجر أي حرام .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 437 ] قوله : ( وكل ممنوع فهو حجر ، ومنه حجرا محجورا ) قال أبو عبيدة في قوله تعالى : ويقولون حجرا محجورا أي حراما محرما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( والحجر كل بناء بنيته ، وما حجرت عليه من الأرض فهو حجر ، ومنه سمي حطيم البيت حجرا ) قال أبو عبيدة : ومن الحرام سمي حجر الكعبة ، وقال غيره : سمي حطاما لأنه أخرج من البيت وترك هو محطوما ، وقيل : الحطيم ما بين الركن والباب سمي حطيما لازدحام الناس فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأنه مشتق من محطوم ) أي الحطيم ( مثل قتيل من مقتول ) وهذا على رأي الأكثر ، وقيل : سمي حطيما لأن العرب كانت تطرح فيه ثيابها التي تطوف فيها وتتركها حتى تتحطم وتفسد بطول الزمان ، وسيأتي هذا فيما بعد عن ابن عباس ، فعلى هذا هو فعيل بمعنى فاعل ، وقيل : سمي حطيما لأنه كان من جملة الكعبة فأخرج عنها وكأنه كسر منها فيصح لهم فعيل بمعنى مفعول ، وقوله : " مشتق " ليس هو محمولا على الاشتقاق الذي حدث اصطلاحه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويقال للأنثى من الخيل حجر ، ويقال للعقل حجر وحجا ) هو قول أبي عبيدة قال في قوله تعالى : لذي حجر أي عقل ، قال ويقال للأنثى من الخيل حجر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأما حجر اليمامة فهو المنزل ) ذكره استطرادا ، وإلا فهذا بفتح أوله هي قصبة اليمامة البلد المشهور بين الحجاز واليمن ،

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف في الباب حديث عبد الله بن زمعة في ذكر عاقر الناقة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ومنعة ) بفتح الميم والنون والمهملة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في قومه ) كذا للأكثر ، وللكشميهني والسرخسي " في قوة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( كأبي زمعة ) هو الأسود بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى ، وسيأتي بيان ذلك في التفسير حيث ساقه المصنف مطولا ، وليس لعبد الله بن زمعة في البخاري غير هذا الحديث ، وهو يشتمل على ثلاثة أحاديث وقد فرقها في النكاح وغيره ، وعاقر الناقة اسمه قدار بن سالف ، قيل : كان أحمر أزرق أصهب . وذكر ابن إسحاق في " المبتدإ " وغير واحد أن سبب عقرهم الناقة أنهم كانوا اقترحوها على صالح عليه السلام فأجابهم إلى ذلك بعد أن تعنتوا في وصفها ، فأخرج الله له ناقة من صخرة بالصفة المطلوبة ، فآمن بعض وكفر بعض ، واتفقوا على أن يتركوا الناقة ترعى حيث شاءت وترد الماء يوما بعد يوم ، وكانت إذا وردت تشرب ماء البئر كله ، وكانوا يرفعون حاجتهم من الماء في يومهم للغد ، ثم ضاق بهم الأمر في ذلك فانتدب تسعة رهط - منهم قدار المذكور فباشر عقرها ، فلما بلغ ذلك صالحا عليه السلام أعلمهم بأن العذاب سيقع بهم بعد ثلاثة أيام . ، فوقع كذلك كما أخبر الله سبحانه وتعالى في كتابه . وأخرج أحمد وابن أبي حاتم من حديث جابر رفعه إن الناقة كانت ترد يومها فتشرب جميع الماء ويحتلبون منها مثل الذي كانت تشرب وفي سنده إسماعيل بن عياش وفي روايته عن غير الشاميين ضعف وهذا منها .

                                                                                                                                                                                                        ثم ذكر المصنف حديث ابن عمر في بئر ثمود :

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا سليمان ) هو ابن بلال .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 438 ] قوله : ( فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين ويهريقوا ذلك الماء ) بين في رواية نافع عقب هذا عن ابن عمر أنه أمرهم أن يهريقوا ما استقوا من بيارها وأن يعلفوا الإبل العجين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويروى عن سبرة بن معبد وأبي الشموس أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام ) أما حديث سبرة بن معبد فوصله أحمد والطبراني من طريق عبد العزيز بن الربيع بن سبرة بن معبد عن أبيه عن جده سبرة - وهو بفتح المهملة وسكون الموحدة - الجهني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين راح من الحجر : من كان عجن منكم من هذا الماء عجينه أو حاس به حيسا فليلقه وليس لسبرة بن معبد في البخاري إلا هذا الموضع ، وقد أغفله المزي في الأطراف كالذي بعده ، وأما حديث أبي الشموس - وهو بمعجمة ثم مهملة وهو بكري لا يعرف اسمه - فوصل حديثه البخاري في " الأدب المفرد " والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه قال : " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك - فذكر الحديث وفيه - فألقى ذو العجين عجينه وذو الحيس حيسه ، ورواه ابن أبي عاصم من هذا الوجه وزاد فقلت يا رسول الله قد حسيت حيسة أفألقمها راحلتي قال نعم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال أبو ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم : من اعتجن بمائه ) وصله البزار من طريق عبد الله بن قدامة عنه أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأتوا على واد فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : إنكم بواد ملعون فأسرعوا ، وقال : من اعتجن عجينه أو طبخ قدرا فليكبها الحديث وقال : لا أعلمه إلا بهذا الإسناد .

                                                                                                                                                                                                        قوله في آخر حديث نافع ( وأمرهم أن يستقوا من البئر التي كان تردها الناقة ) في رواية الكشميهني " التي كانت تردها الناقة " وتضمنت هذه الرواية زيادة على الروايات الماضية . وسئل شيخنا الإمام البلقيني : من أين علمت تلك البئر ؟ فقال : بالتواتر ، إذ لا يشترط فيه الإسلام انتهى . والذي يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمها بالوحي ، ويحمل كلام الشيخ على من سيجيء بعد ذلك . وفي الحديث كراهة الاستقاء من بيار ثمود ، ويلتحق بها نظائرها من الآبار والعيون التي كانت لمن هلك بتعذيب الله تعالى على كفره . واختلف في الكراهة المذكورة هل هي للتنزيه أو للتحريم ؟ وعلى التحريم هل يمتنع صحة التطهر من ذلك الماء أم لا ؟ وقد تقدم كثير من مباحث هذا الحديث في " باب الصلاة في مواضع الخسف والعذاب " من أوائل الصلاة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تابعه أسامة ) يعني ابن زيد الليثي ( عن نافع ) أي عن ابن عمر ، روينا هذه الطريق موصولة في حديث حرملة عن ابن وهب قال : " أخبرنا أسامة بن زيد " فذكر مثل حديث عبيد الله وهو ابن عمر العمري وفي آخره " وأمرهم أن ينزلوا على بئر ناقة صالح ويستقوا منها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا محمد ) هو ابن مقاتل ، وعبد الله هو ابن المبارك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا ) زاد في رواية الكشميهني . " أنفسهم " وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم وإن كان السبب ورد فيهم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 439 ] قوله في الرواية الأخرى ( حدثنا وهب ) هو ابن جرير بن حازم ويونس هو ابن يزيد الأيلي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إلا أن تكونوا باكين ) كذا للجميع ، لكن زعم ابن التين أنه وقع في رواية القابسي " إلا أن تكونوا باكين " بتحتانيتين قال : وليس بصحيح لأن الياء الأولى مكسورة في الأصل فاستثقلت الكسرة وحذفت إحدى الياءين لالتقاء الساكنين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن يصيبكم ما أصابهم ) أي كراهية أو خشية أن يصيبكم ، والتقدير عند الكوفيين لئلا يصيبكم ، ويؤيد الأول أنه وقع في رواية لأحمد إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فتباكوا خشية أن يصيبكم ما أصابهم . وروى أحمد والحاكم بإسناد حسن عن جابر قال : لما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر قال : لا تسألوا الآيات ، فقد سألها قوم صالح ، وكانت الناقة ترد من هذا الفج وتصدر من هذا الفج ، فعتوا عن أمر ربهم ، وكانت تشرب يوما ويشربون لبنها يوما فعقروها فأخذتهم صيحة أهمد الله من تحت أديم السماء منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله وهو أبو رغال ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه وروى عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري قال : أبو رغال هو الجد الأعلى لثقيف ، وهو بكسر الراء وتخفيف الغين المعجمة .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) :

                                                                                                                                                                                                        وقع هذا الباب في أكثر نسخ البخاري متأخرا عن هذا الموضع بعدة أبواب ، والصواب إثباته هنا ، وهذا مما يؤيد ما حكاه أبو الوليد الباجي عن أبي ذر الهروي أن نسخة الأصل من البخاري كانت ورقا غير محبوك ، فربما وجدت الورقة في غير موضعها فنسخت على ما وجدت فوقع في بعض التراجم إشكال بحسب ذلك ، وإلا فقد وقع في القرآن ما يدل على أن ثمود كانوا بعد عاد كما كان عاد بعد قوم نوح .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية