الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1405 (باب من سأل الناس تكثرا)

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أي: هذا باب في بيان حكم من سأل الناس لأجل التكثر، وجواب الشرط محذوف، تقديره: من سأل الناس لأجل التكثر فهو مذموم، ووجه الحذف قد ذكرناه في ترجمة الباب السابق، قيل: حديث المغيرة في النهي عن كثرة السؤال الذي أورده في الباب الذي يليه أصرح في مقصود الترجمة من حديث الباب، وإنما آثره عليه؛ لأن من عادته أن يترجم بالأخفى.

                                                                                                                                                                                  قلت: دلالة حديث الباب على السؤال تكثرا غير خفية؛ لأن قوله: "لا يزال الرجل يسأل الناس" يدل على كثرة السؤال، وكثرة السؤال لا تكون إلا لأجل التكثر على ما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                  وقال هذا القائل أيضا: أو لاحتمال أن يكون المراد بالسؤال في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات أو السؤال عما لا يعني، أو عما لم يقع مما يكره وقوعه.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا الوجه بيان اعتذار من جهة البخاري في تركه حديث المغيرة في هذا الباب، ولكن الوجوه الثلاثة التي زعم أن حديث المغيرة في قوله: "وكثرة السؤال" تحتملها فيه نظر؛ لأنها داخلة تحت قوله: "قيل وقال" وقوله: "وكثرة السؤال" تمحض لسؤال الناس لأجل التكثر.

                                                                                                                                                                                  وفيه زيادة فائدة على ما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                  وقال هذا القائل أيضا: وأشار مع ذلك إلى حديث ليس على شرطه، وهو ما أخرجه الترمذي من طريق حبيش بن جنادة في أثناء حديث مرفوع، وفيه: "من سأل الناس ليثري ماله كان خموشا في وجهه يوم القيامة، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر".

                                                                                                                                                                                  قلت: لا نسلم أولا وجه هذه الإشارة، ولئن سلمنا فلا فائدة فيها؛ إذ الواقف على هذه الترجمة إن كان قد وقف على حديث حبيش قبل ذلك فلا فائدة في الإشارة إليه، وإلا فيحتاج فيه إلى العلم من الخارج، فلا يكون ذلك من إشارته إليه.

                                                                                                                                                                                  وقال بعضهم عقيب كلام هذا القائل: وفي صحيح مسلم من طريق أبي زرعة، عن أبي هريرة ما هو مطابق للفظ الترجمة، فاحتمال كونه أشار إليه أولى، ولفظه: "من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا" الحديث.

                                                                                                                                                                                  قلت: هذا الذي ذكره إنما يتوجه إذا كان البخاري قد وقف عليه، ولئن سلمنا وقوفه عليه فلا نسلم التزامه أن تكون المطابقة بين الترجمة والحديث من كل وجه على ما لا يخفى.



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية