الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب خطبة الرجل على خطبة أخيه

حدثنا الربيع قال أخبرنا الشافعي قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله قال { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } أخبرنا مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي مثله قال وقد زاد بعض المحدثين حتى يأذن أو يترك . أخبرنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن { عن فاطمة بنت قيس أن رسول الله قال لها في عدتها من طلاق زوجها فإذا حللت فآذنيني قالت فلما حللت فأخبرته أن معاوية وأبا جهم خطباني فقال رسول الله : أما معاوية فصعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته ، فقال انكحي أسامة فنكحته فجعل الله فيه خيرا واغتبطت به } .

( قال الشافعي ) وحديث فاطمة غير مخالف حديث ابن عمر وأبي هريرة في { نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يخطب المرء على خطبة أخيه } وحديث ابن عمر وأبي هريرة مما حفظت جملة عامة يراد بها الخاص ، والله أعلم لأن رسول الله لا ينهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه في حال يخطب هو فيها على غيره ولكن نهيه عنها في حال دون حال فإن قال قائل فأي حال نهى عن الخطبة فيها ؟ قيل ، والله أعلم أما الذي تدل عليه الأحاديث فإن نهيه عن أن يخطب على خطبة أخيه إذا أذنت المرأة لوليها أن يزوجها لأن رسول الله رد نكاح خنساء بنت خدام وكانت ثيبا فزوجها أبوها بلا رضاها فدلت السنة على أن الولي إذا زوج قبل إذن المرأة المزوجة كان النكاح باطلا وفي هذا دلالة على أنه إذا زوج بعد رضاها كان النكاح ثابتا وتلك الحال التي إذا زوجها فيها الولي ثبت عليها فيها النكاح ولا يجوز فيه ، والله أعلم . غير هذا لأنه لا حالين لها يختلف حكمها في النكاح فيهما غيرهما وفاطمة لم تعلم رسول الله إذنها في أن تزوج معاوية ولا أبا جهم ولم يرو أن النبي نهى معاوية ولا أبا جهم أن يخطب أحدهما بعد الآخر ولا أحسبهما خطباها إلا [ ص: 657 ] مفترقين أحدهما قبل الآخر قال فإن كانت المرأة بكرا يزوجها أبوها أو أمة يزوجها سيدها فخطبت فلا ننهى أحدا أن يخطبها على خطبة غيره حتى يعده الولي أن يزوجه لأن رضا الأب والسيد فيهما كرضاهما في أنفسهما ، قال : فقال لي قائل إن بعض أصحابك ذهب إلى أن قال إنما نهى عن الخطبة إذا ركنت المرأة فقلت هذا كلام لا معنى له أفرأيت إن كان ذهب إلى أنها إذا ركنت أشبه بالنكاح منها قبل أن تركن ، فقيل له أفرأيت إن خطبها رجل فشتمته وآذته ثم عاد فتركت شتمه وسكتت ثم عاد فقالت : أنظر أليست في كل حال من هذه الأحوال أقرب إلى أن تكون رضيت بنكاحه منها في الحال التي قبلها لأنها إذا تركت الشتم فكأنها قريبة من الرضا وإذا قالت : أنظر فهي أقرب من الرضا منها إذا تركت الشتم ولم تقل أنظر أرأيت إن قال له قائل إذا كان بعض هذا لم يسع غيره الخطبة هل الحجة عليه إلا أن يقال هي راكن وقريبة من الرضا ومستدل على هواها لا يجوز إنكاحها وإذا لم يجز إنكاحها فلا حكم يخالف هذا منها إلا أن تأذن لوليها أن يزوجها وإذا لم تأذن لوليها أن يزوجها فليس له أن يزوجها ، وإن زوجها رد النكاح وهي إذا أذنت بالنكاح فعلى وليها تزويجها فإن لم يفعل زوجها الحاكم وإذا زوجت بعد الإذن جاز النكاح ولا افتراق لحالها أبدا إلا الإذن وما خالف من ترك الإذن ومن قال إذا ركنت خالف الأحاديث كلها فلم يجز الخطبة بكل حال لحديث فاطمة ولم يردها بكل حال لجملة حديث ابن عمر وأبي هريرة ولم يستدل ببعضها على بعض فيأتي بمعنى يعرف ( قال الشافعي ) وقول من زاد في الحديث { حتى يأذن أو يترك } لا يحيل من الأحاديث شيئا وإذا خطبها رجل فأذنت في إنكاحه ثم ترك نكاحها وأذن لخاطبها جاز لغيره أن يخطبها وما لم يفعل لم يجز .

( قال الشافعي ) فإن قال قائل : فمن أين ترى هذا كان في الرواية هكذا ؟ قيل والله أعلم إما أن يكون محدث حضر سائلا سأل رسول الله عن رجل خطب امرأة فأذنت فيه فقال رسول الله { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } يعني في الحال التي سأل فيها على جواب المسألة فسمع هذا من النبي ولم يحك ما قال السائل أو سبقته المسألة وسمع جواب النبي فاكتفى به وأداه ويقول رسول الله { لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه } إذا أذنت أو كان حال كذا فأدى بعض الحديث ولم يؤد بعضا أو حفظ بعضا وأدى ما يحفظه ولم يحفظ بعضا فأدى ما أحاط بحفظه ولم يحفظ بعضا فسكت عما لم يحفظ أو شك في بعض ما سمع فأدى ما لم يشك فيه وسكت عما شك فيه منه أو يكون فعل ذلك من دونه ممن حمل الحديث عنه وقد اعتبرنا عليهم وعلى من أدركنا فرأينا الرجل يسأل عن المسألة عنده حديث فيها فيأتي من الحديث بحرف أو حرفين يكون فيهما عنده جواب لما يسأل عنه ويترك أول الحديث وآخره فإن كان الجواب في أوله ترك ما بقي منه وإن كان جواب السائل له في آخره ترك أوله وربما نشط المحدث فأتى بالحديث على وجهه ولم يبق منه شيئا ولا يخلو من روى هذا الحديث عن النبي عندي والله أعلم من بعض هذه المعانى .

التالي السابق


الخدمات العلمية