الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية عند الذكر أم لا .

اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب الناظرين في صفاتها وعجائبها اختلفوا في هذه المسألة على خمس فرق .

فقالت فرقة : الوسوسة تنقطع بذكر الله عز وجل ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قال فإذا ذكر الله خنس والخنس هو السكوت فكأنه يسكت .

وقالت فرقة لا ينعدم أصله ، ولكن يجري في القلب ، ولا يكون له أثر لأن القلب إذا صار مستوعبا بالذكر كان محجوبا عن التأثر بالوسوسة كالمشغول بهمه فإنه قد يتكلم ولا يفهم ، وإن كان الصوت يمر على سمعه .

وقالت فرقة لا تسقط الوسوسة ولا أثرها أيضا ، ولكن تسقط غلبتها للقلب فكأنه يوسوس من بعد وعلى ضعف .

وقالت فرقة ينعدم عند الذكر في لحظة وينعدم الذكر في لحظة ويتعاقبان في أزمنة متقاربة يظن لتقاربها أنها متساوية وهي كالكرة التي عليها نقط متفرقة فإنك ، إذا أدرتها بسرعة رأيت النقط دوائر لسرعة تواصلها بالحركة ، واستدل هؤلاء بأن الخنس قد ورد ونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر ولا وجه له إلا هذا .

وقالت فرقة الوسوسة والذكر يتساوقان في الدوام على القلب تساوقا لا ينقطع ، وكما أن الإنسان قد يرى بعينيه شيئين في حالة واحدة ، فكذلك القلب قد يكون مجرى لشيئين فقد ، قال - صلى الله عليه وسلم - : " ما من عبد إلا وله أربعة أعين : عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه " وإلى هذا ذهب المحاسبي .

والصحيح عندنا أن كل هذه المذاهب صحيحة ولكن كلها قاصرة عن الإحاطة بأصناف الوسواس ، وإنما نظر كل واحد منهم إلى صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه .

والوسواس أصناف: الأول : أن يكون من جهة التلبيس بالحق ، فإن الشيطان قد يلبس بالحق فيقول للإنسان : تترك التنعم باللذات فإن العمر طويل والصبر عن الشهوات طول العمر ألمه عظيم فعند هذا إذا ذكر العبد عظيم حق الله تعالى وعظيم ثوابه وعقابه ، وقال لنفسه : الصبر عن الشهوات شديد ، ولكن الصبر على النار أشد منه ، ولا بد من أحدهما ، فإذا ذكر العبد وعد الله تعالى ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنس الشيطان وهرب إذ لا يستطيع أن يقول له النار أيسر من الصبر على المعاصي ، ولا يمكنه أن يقول : المعصية لا تفضي إلى النار ، فإن إيمانه بكتاب الله عز وجل يدفعه عن ذلك ، فينقطع وسواسه وكذلك يوسوس إليه بالعجب بعمله فيقول : أي عبد يعرف الله كما تعرفه ويعبده كما تعبده ، فما أعظم مكانك عند الله تعالى فيتذكر العبد حينئذ أن معرفته وقلبه وأعضاءه التي بها عمله وعلمه ، كل ذلك من خلق الله تعالى فمن أين يعجب به فيخنس الشيطان إذ لا يمكنه أن يقول : ليس هذا من الله فإن المعرفة والإيمان يدفعه ، فهذا نوع من الوسواس ينقطع بالكلية عن العارفين المستبصرين بنور الإيمان والمعرفة .

الصنف الثاني أن يكون وسواسه بتحريك الشهوة وهيجانها وهذا ينقسم إلى ما يعلم العبد يقينا أنه معصية وإلى ما يظنه بغالب الظن ، فإن علمه يقينا خنس الشيطان عن تهييج يؤثر في تحريك الشهوة ولم يخنس عن التهييج ، وإن كان مظنونا فربما يبقى مؤثرا بحيث يحتاج إلى مجاهدة في دفعه فتكون الوسوسة موجودة ولكنها مدفوعة غير غالبة .

الصنف الثالث : أن تكون وسوسة بمجرد الخواطر وتذكر الأحوال الغالبة ، والتفكر في غير الصلاة مثلا ، فإذا أقبل على الذكر تصور أن يندفع ساعة ويعود ويندفع ويعود فيتعاقب الذكر والوسوسة ويتصور أن يتساوقا جميعا حتى يكون الفهم مشتملا على فهم معنى القراءة ، وعلى تلك الخواطر كأنهما في موضعين من القلب وبعيد جدا أن يندفع هذا الخنس بالكلية بحيث لا يخطر ، ولكنه ليس محالا إذا ، قال صلى الله عليه وسلم - : " من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من أمر الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه " فلولا أنه متصور لما ذكره إلا أنه لا يتصور ذلك إلا في قلب استولى عليه الحب حتى صار كالمستهتر فإنا قد نرى المستوعب القلب بعدو تأذى به ، قد يتفكر بمقدار ركعتين وركعات في مجادلة عدوه بحيث لا يخطر بباله غير حديث محبوبه ولو كلمه غيره لم يسمع ولو اجتاز بين يديه أحد لكان كأنه لا يراه وإذا تصور هذا في خوف من عدو ، وعند الحرص على مال وجاه ، فكيف لا يتصور من خوف النار والحرص على الجنة ، ولكن ذلك عزيز لضعف الإيمان بالله تعالى واليوم الآخر وإذا ، تأملت جملة هذه الأقسام وأصناف الوسواس علمت أن لكل مذهب من المذاهب وجها في محل مخصوص .

وبالجملة ، فالخلاص من الشيطان في لحظة أو ساعة غير بعيد ، ولكن الخلاص منه عمرا طويلا بعيد جدا ومحال في الوجود ولو تخلص أحد من وساوس الشيطان بالخواطر وتهييج الرغبة لتخلص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد - روي أنه - - نظر إلى علم ثوبه في الصلاة ، فلما سلم رمى بذلك الثوب وقال : " شغلني عن الصلاة وقال اذهبوا به إلى أبي جهم وائتوني بأنبجانيته وكان في يده خاتم من ذهب فنظر إليه وهو على المنبر ثم رمى به قال ، نظرة إليه ونظرة إليكم وكان ذلك لوسوسة الشيطان بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وعلم الثوب ، وكان ذلك قبل تحريم الذهب ، فلذلك لبسه ثم رمى به فلا تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إلا بالرمي والمفارقة فما دام يملك شيئا وراء حاجته ولو دينارا واحدا لا يدعه الشيطان في صلاته من الوسوسة في الفكر في ديناره وأنه كيف يحفظه وفيماذا ، ينفقه ، وكيف يخفيه حتى لا يعلم به أحد وكيف يظهره حتى يتباهى به إلى غير ذلك من الوساوس فمن أنشب مخالبه في الدنيا وطمع في أن يتخلص من الشيطان كان كمن انغمس في العسل وظن أن الذباب لا يقع عليه فهو محال ، فالدنيا باب عظيم لوسوسة الشيطان ، وليس له باب واحد بل أبواب كثيرة قال حكيم من الحكماء الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي ، فإن امتنع أتاه من وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعة فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرجه عن العلم ، فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا ، فتميل قلوبهم إليه فيعجب بنفسه ، وبه يهلكه وعند ذلك ، يشتد إلحاحه ، فإنها آخر درجة ، ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلى الجنة .

التالي السابق


(بيان أن الوسواس هل يتصور أن ينقطع بالكلية عند الذكر أم لا)

* وفي بعض النسخ ينقلع بدل ينقطع (اعلم أن العلماء المراقبين للقلوب) المحافظين عليها (الناظرين في صفاتها وعجائبها) وما لها من الأحوال الغريبة (اختلفوا في هذه المسألة في خمس فرق ، فقالت فرقة: الوسوسة تنقطع بذكر الله تعالى؛ لأنه قال صلى الله عليه وسلم) : إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم (فإذا ذكر الله خنس) ، رواه ابن أبي الدنيا وابن عدي من حديث أنس ، وقد تقدم قريبا (والخنوس) وفي بعض النسخ والخنس (هو السكوت) المفهوم من الانقباض والتأخر، ويستعمل لازما ومتعديا يقال: خنسته فانخنس أي: زويته فانزوى (فكأنه يسكت) عن وسوسته فلا يتحرك بل يتطلب فرصة الغفلة

[ ص: 299 ] عن الذكر فيعود إلى الوسوسة (وقالت فرقة) منهم: (لا ينعدم أصله، ولكن يجري في القلب، ولا يكون له أثر) يظهر عليه ؛ (لأن القلب إذا صار مستوعبا بالذكر) أي: مستغرقا به (كان محجوبا عن التأثر بالوسوسة) فهو (كالمشغول بهمه فإنه قد يكلم ولا يفهم ، وإن كان الصوت يمر على سمعه) وعلى هذا المعنى يحملون الخنوس في الحديث .

(وقالت فرقة) منهم: (لا تسقط الوسوسة ولا أثرها أيضا ، ولكن تسقط غلبته للقلب) أي: لا يكون القلب مغلوبا بالأثر عند الذكر ، وفي بعض النسخ "غلبتها" أي: الوسوسة (وكأنه يوسوس من بعد وعلى ضعف .

وقالت فرقة) منهم: (ينعدم عن الذكر في لحظة) أي: حال الذكر ينعدم (وينعدم الذكر في لحظة ويتعاقبان) على القلب (في أزمنة متقاربة يظن لتقاربها أنها متساوية وهي كالكرة التي عليها نقط متفرقة ، فإنها إذا أديرت بسرعة رأيت النقط دوائر لسرعة تواصلها بالحركة ، واستدل هؤلاء بأن الخنس قد ورد) في الحديث بأنه عند الذكر يحصل له ذلك (ونحن نشاهد الوسوسة مع الذكر) في حال واحد (ولا وجه له إلا هذا) وإلى هذا ذهب صاحب القوت فإنه قال: وهذان المعنيان من ظهور الخير والشر والطاعة والمعصية بهذه الأسباب يوجدان في طرفة عين فتصير أجزاء العبد جزءا واحدا ، ومفصلاته تعود بالمراد منه وصلا واحدا كالبرقة في السرعة بتقلب القدرة على المشيئة إذا قال له: كن فيكون .

(وقالت فرقة) منهم: (إن الوسوسة والذكر يتساوقان في القلب على الدوام تساوقا لا ينقطع ، وكما أن الإنسان قد يرى في حالة واحدة بعينه شيئين مختلفين ، فكذلك القلب يكون مجرى لشيئين ، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " ما من عبد إلا وله أربعة أعين: عينان في رأسه يبصر بهما أمر دنياه ، وعينان في قلبه يبصر بهما أمر دينه") قال العراقي : رواه الديلمي في مسند الفردوس من حديث معاذ بلفظ: " الآخرة " مكان " دينه " وفيه الحسن بن محمد الهروي الشماخي الحافظ كذبه الحاكم والآفة منه. ا هـ .

قلت: ولفظ الديلمي: ما من عبد إلا وفي وجهه عينان يبصر بهما أمر الدنيا . . . ثم ساق الحديث ، وفي آخره: " فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح الله عينيه اللتين في قلبه ، فأبصر بهما، وإذا أراد به غير ذلك تركه على ما فيه ثم قرأ: أم على قلوب أقفالها " (وإلى هذا ذهب) الحارث بن أسد (المحاسبي) رحمه الله تعالى وأشار إليه في الرعاية (والصحيح عندنا في هذا أن كل هذه المذاهب صحيحة) ولها وجوه ومخارج، (ولكن كلها قاصرة عن الإحاطة بأصناف الوسواس، وإنما نظر كل واحد إلى صنف واحد من الوسواس فأخبر عنه .

والوسواس أصناف: الأول: أن يكون من جهة التلبيس بالحق ، فإن الشيطان قد يلبس الحق) ويغطيه (فيقول للإنسان: لا تترك التنعم) في الدنيا (واللذات) بمتاعها ، وفي بعض النسخ التنعم باللذات (فإن العمر طويل) والأجل المحتوم بعيد (والصبر عن الشهوات طول العمر ألمه عظيم) وإذا وسوس له بذلك (فعند هذا إذا ذكر العبد عظيم حق الله وعظيم عقابه وثوابه ، وقال: الصبر عن الشهوات شديد ، ولكن الصبر عن النار أشد منه ، ولا بد من أحدهما ، فإذا ذكر العبد وعد الله ووعيده وجدد إيمانه ويقينه خنس الشيطان وهرب) وتأخر وانقبض (إذ لا يستطيع أن يقول ليس النار أشد من الصبر عن المعاصي ، ولا يمكنه أن يقول: المعصية لا تفضي إلى النار ، فإن إيمانه بكتاب الله يدفعه عن ذلك ، فينقطع وسواسه وكذلك يوسوس إليه بالعجب في عمله ويقول: أي عبد يعرف الله كما تعرفه ويعبد الله كما تعبده ، فما أعظم مكانك عند الله فيتذكر العبد أن معرفته) وقدرته

[ ص: 300 ] (وقلبه وأعضاءه التي بها علمه وعمله ، كل ذلك من خلق الله فمن أين يعجب به فيخنس الشيطان) ويتأخر (إذ لا يمكنه أن يقول: ليس هذا من الله لأن المعرفة والإيمان) كل منهما (يدفعه، فهذا نوع من الوسواس ينقطع بالكلية عن العارفين) بالله (بنور الإيمان والمعرفة) فهذا وجه من قال: إنه ينقطع بالكلية .

(الصنف الثاني أن يكون وسواسه بتحريك الشهوة وتهيجها) وإثارتها (وهذا ينقسم إلى ما يعلم العبد يقينا أنه معصية وإلى ما يظنه بغالب الظن ، فإن علمه يقينا خنس الشيطان عن تهييج يؤثر في تحريك الشهوة ولم يخنس عن) أصل (التهييج ، وإن كان مظنونا فربما يبقى مؤثرا بحيث لا يحتاج إلى مجاهدة) ومعالجة شديدة (في دفعه فتكون الوسوسة موجودة ولكنها مدفوعة غير غالبة) وهذا وجه من مال إلى قول الفرقة الثانية .

(الصنف الثالث: أن تكون وسوسة بمجرد الخواطر وتذكير الأحوال الغائبة ، والتفكر في غير الصلاة مثلا ، فإذا أقبل على الذكر تصور أن يندفع ساعة ويعود) أخرى (فيندفع ويعود فيتعاقب الذكر والوسوسة) معا على القلب (ويتصور أن يتساوقا جميعا حتى يكون الفهم مشتملا على فهم معنى القراءة ، وعلى تلك الخواطر كأنهما في موضعين من القلب وبعيدا جدا أن يندفع هذا الجنس بالكلية بحيث لا يخطر، ولكنه ليس محالا ، إذ قال -صلى الله عليه وسلم- : " من صلى ركعتين لم يحدث فيهما نفسه بشيء من الدنيا غفر له ما تقدم من ذنبه") تقدم في كتاب الصلاة (فلولا أنه متصور لما ذكره إلا أنه لا يتصور ذلك إلا في قلب استولى عليه الحب حتى صار كالمستهتر) المغلوب على عقله ، (فإنا قد نرى المستوعب القلب بعدو تأذى به، قد يتفكر بمقدار ركعتين وركعات في مجادلة عدوه بحيث لا يخطر بباله غير حديث محبوبه) لاستغراقه فيه، (ولو كلمه غيره لم يسمع) أي: لم يعرف له سمعا (ولو اجتاز) أي: مر (واحد بين يديه كان) في حال (كأنه لا يراه وإذا تصور هذا من خوف عدو ، وعند الحرص على جاه ومال، فكيف لا يتصور من خوف النار والحرص على الجنة، ولكن ذلك عزيز) قيل الوجود (لضعف الإيمان بالله واليوم الآخر ، فإذا تأملت جملة هذه الأقسام وأصناف الوساوس علمت أن لكل مذهب من المذاهب) للفرق المتقدمة (وجها) وجيها (ولكن في محل مخصوص وبالجملة ، فالخلاص من الشيطان في لحظة) واحدة (أو ساعة) واحدة (غير بعيد، ولكن الخلاص منه عمرا طويلا) وزمانا مديدا (بعيد أو محال في الوجود) لا يكاد يتيسر (ولو تخلص أحد من وساوس الشيطان بالخواطر وتهييج الرغبة لتخلص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد روي أنه -صلى الله عليه وسلم- نظر إلى علم ثوبه في الصلاة ، فلما سلم رمى ذلك الثوب وقال: " شغلني عن الصلاة) " تقدم في كتاب الصلاة (وكان) -صلى الله عليه وسلم- (في يده خاتم من ذهب فنظر إليه وهو على المنبر فرماه، وقال نظرة إليه ونظرة إليكم) رواه النسائي من حديث ابن عباس، وقد تقدم أيضا في الصلاة (وكان ذلك لوسوسة الشيطان

[ ص: 301 ] بتحريك لذة النظر إلى خاتم الذهب وطراز الثوب ، وكان ذلك قبل تحريم الذهب ، فلذلك لبسه ثم رماه) وهو بإجماع العلماء من السلف والخلف إلا ما كان من ابن حزم الظاهري ، فإنه جوز لبس خاتم الذهب للرجال وهو ضعيف لمخالفته النصوص (ولا تنقطع وسوسة عروض الدنيا ونقدها إلا بالرمي والمفارقة) فيكون سببا للخلوص والإخلاص (فما دام يملك شيئا وراء حاجته ولو دينارا واحدا فلا يخليه الشيطان في صلاته عن الفكر في ديناره كيف يحفظه ، وفي ماذا ينفقه ، وكيف يخفيه حتى لا يعلم به أو كيف يظهره حتى يتباهى به) بين أقرانه (إلى غير ذلك من الوساوس) وهذا أصعب ما يكون (فمن أنشب مخالبه في الدنيا) ورتع فيها (وطمع أن يتخلص عن الشيطان كان) مثله (كمن انغمس في العسل) في الصيف (وظن أن الذباب لا يقع عليه وهو محال ، فالدنيا باب عظيم لوساوس الشيطان ، وليس له باب واحد) حتى يحترز عنه (بل أبواب) كثيرة وبعضها أصعب من بعض (قال حكيم من الحكماء) العارفين: (الشيطان يأتي ابن آدم من قبل المعاصي ، فإن امتنع) منها (أتاه من وجه النصيحة حتى يلقيه في بدعته) ويحسن له إياها (فإن أبى أمره بالتحرج والشدة حتى يحرم ما ليس بحرام فإن أبى) من ذلك (شككه في وضوئه وصلاته حتى يخرج عن العلم ، فإن أبى خفف عليه أعمال البر حتى يراه الناس صابرا عفيفا ، فتميل قلوبهم إليه ويعجب بنفسه ، وبه يهلكه ، وعنده يشتد لجاجة ، فإنها آخر درجة ، ويعلم أنه لو جاوزها أفلت منه إلى الجنة) فآخر أعماله إذا عجز من ابن آدم أوقعه في العجب وهو سوس الأعمال ، وبه يتم الهلاك ، فإن سلم منه نجا بعمله ، أعاذنا الله منه .

وقد يستأنس لهذا القول بما مر آنفا من الحديث: " إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه فقعد له بطريق الإسلام. ." . إلخ. فراجعه .




الخدمات العلمية