الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( أو ) أسلم حر وتحته ( حرة ) تصلح للتمتع ( وإماء وأسلمن ) أي الحرة والإماء ( معه ) ولو قبل وطء ( أو ) أسلمن قبله ، أو بعده ( في العدة تعينت ) الحرة وإن ماتت ، أو ارتدت سواء أسلم الإماء قبلها أم بعدها أم بين إسلام الزوج وإسلامها ( واندفعن ) أي الإماء لأنها تمنعهن ابتداء فكذا دواما ، ولهذا لو لم تصلح للاستمتاع اختار واحدة منهن كما بحثه الأذرعي وهو ظاهر ( وإن أصرت ) تلك الحرة على الكفر ولم تكن كتابية يحل ابتداء نكاحها ( فانقضت عدتها ) وهي مصرة ( اختار أمة ) إن حلت له الأمة لتبين اندفاع الحرة من حين إسلامه فهو كما لو تمحض الإماء ، أما لو اختار أمة قبل انقضاء عدة الحرة فهو باطل وإن بان اندفاع الحرة لوقوعه في غير وقته فيجدده بعد انقضاء عدتها ( ولو أسلمت ) الحرة معه ، أو في العدة ( وعتقن ) [ ص: 305 ] أي الإماء قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن ( ثم أسلمن في العدة فكحرائر ) أصليات لكمالهن قبل انقضاء عدتهن ( فيختار ) الحر منهن أربعا ( أربعا ) وكذا لو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلمن ثم أسلم أو عتقن ثم أسلم ثم أسلمن وضابطه أن يعتقن قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن ، فإن تأخر عتقهن عن الإسلاميين تعينت الحرة إن كانت وصلحت وإلا اختار أمة تحل وألحق مقارنة العتق لإسلامهن بتقدمه عليه ( والاختيار ) أي ألفاظه الدالة عليه ( اخترتك ) أو اخترت نكاحك ، أو تقريره ، أو حبسك ، أو عقدك ، أو قررتك ( أو قررت نكاحك ، أو أمسكتك ) ، أو أمسكت نكاحك ( أو ثبتك ) ، أو ثبت نكاحك ، أو حبستك على النكاح وكلها صرائح إلا ما حذف منه لفظ النكاح فكناية بناء على جواز الاختيار بها نظرا إلى أنه إدامة ، ومجرد اختيار الفسخ للزائدات على الأربع يعين الأربع للنكاح كما لو قال لهن أريدكن وإن لم يقل للزائدات لا أريدكن ، لكن يظهر مما تقرر أن أريدكن للنكاح صريح ومع حذفه كناية ، ونحو فسخت أو أزلت ، أو رفعت ، أو صرفت نكاحك صريح فسخ ، ونحو فسختك أو صرفتك كناية ، وعلم مما تقرر صحة الاختيار بالكناية وإن منعه الماوردي والروياني وقالا إنه كابتداء النكاح ( والطلاق ) بصريح ، أو كناية ولو معلقا كأن نوى بالفسخ طلاقا ( اختيار ) للمطلقة إذ لا يخاطب به إلا الزوجة ، فإن طلق أربعا تعين للنكاح واندفع الباقي شرعا ، ولا ينافي ما تقرر في الفسخ قولهم ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون كناية في غيره لأنا نمنع وجود نفاذه في موضوعه عند إرادته به الطلاق ، إذ المرادة بالطلاق ليست محملا للفسخ من غير سبب يقتضيه ، وما قيل من أنه إن أراد لفظ الطلاق اقتضى أن لا يصح بمعناه وليس كذلك إذ فسخت نكاحك بنية الطلاق اختيار للنكاح وإن أراد الأعم ، ورد عليه أن الفراق من صرائح الطلاق وهو هنا فيه فسخ لأنا نقول باختيار الثاني ، ولا يرد عليه الفراق لأنه لفظ مشترك فهو في حق من أسلم على أكثر من العدد الشرعي صريح في الفسخ وفي حق غيره صريح في الطلاق ( لا الظهار والإيلاء ) فليس أحدهما اختيارا ( في الأصح ) لأن كلا من الظهار لتحريمه والإيلاء لتحريمه أيضا لكونه حلفا على الامتناع من الوطء بالأجنبية أليق منه بالمنكوحة ، فإن اختار المولي ، أو المظاهر منها للنكاح حسبت مدة الإيلاء والظهار من وقت الاختيار فيصير في الظهار عائدا إن لم يفارقها حالا وليس الوطء اختيارا لأن الاختيار ابتداء ، أو استدامة للنكاح .

                                                                                                                            [ ص: 306 ] وكل منهما لا يحصل به .

                                                                                                                            والثاني هما تعيين للنكاح كالطلاق ( ولا يصح تعليق اختيار ) استقلالي ( و ) لا تعليق ( فسخ ) كإن دخلت فقد اخترت نكاحك ، أو فسخه لما تقرر أنه ابتداء ، أو استدامة وكل يمتنع تعليقه ولأن مناط الاختيار الشهوة وهو لا يقبل تعليقا لأنه قد يوجد وقد لا ، أما تعليقه ضمنا كإن دخلت فأنت طالق ، أو من دخلت فهي طالق تصحيح لأنه يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المستقل ( ولو حصر الاختيار في خمس ) ، أو أكثر ( اندفع من زاد ) على ذلك وإن لم يكن تعيينا تاما ( وعليه التعيين ) التام وهو أربع في الحر وثنتان في غيره لما مر أول الفصل المغني عما هنا لولا توهم أن ذلك لا يأتي هنا ( ونفقتهن ) أي الخمس ، وكذا كل من أسلم عليهن إذا لم يختر منهن شيئا ، وأراد بالنفقة ما يعم سائر المؤن ( حتى يختار ) الحر منهن أربعا وغيره ثنتين لأنهن محبوسات بحكم النكاح ( فإن ترك الاختيار ) ، أو التعيين ( حبس ) إلى إتيانه به لامتناعه من واجب لا يقوم غيره مقامه فيه ، فإن استمهل أمهل ثلاثة أيام ، كما قال صاحب الذخائر إنه ينبغي القطع به لأنها مدة التروي شرعا ، فإن لم يفد فيه الحبس عزره بما يراه من ضرب وغيره ، فإذا برئ من ألم الأول أعاده وهكذا إلى أن يختار ، ومعلوم أن الحبس تعزير وإن كان ظاهر كلامهما يخالفه فهو غير مراد ، وأنه لا يجوز تعزيره ابتداء بنحو ضرب لأن المقام مقام ترو فلم يبادر بما يشوش الفكر ويعطله عن الاختيار بل بما يصفيه ويحمله عليه وهو الحبس ، ويترك نحو مجنون إلى إفاقته ، ولا ينوب الحاكم عن الممتنع لأنه خيار شهوة وبه فارق تطليقه على المولي الآتي وما بحثه السبكي من توقف حبسه على طلب ولو من بعضهن : لأنه حقهن كالدين بناء على رأيه أن " أمسك أربعا " في الخبر للإباحة والمعتمد أنه للوجوب وإن وافقه الأذرعي ، وهو وجوب لحقه تعالى لما يلزم على حل تركه من إمساك أكثر من أربع في الإسلام وهو ممتنع " فمن ثم كان الأوجه وجوب عدم توقفه على طلب أخذا بإطلاقهم ( فإن مات قبله ) أي الاختيار ( اعتدت حامل به ) أي بوضع الحمل وإن كانت ذات أقراء ( وذات أشهر وغير مدخول بها بأربعة أشهر وعشر ) احتياطا لاحتمال الزوجية في كل منهن ، وذكر العشر تغليبا لليالي كما في الآية ومن ثم قال [ ص: 307 ] الزمخشري : لو قال وعشرة كان خارجا عن كلام العرب ( وذات الأقراء بالأكثر من ) الباقي وقت الموت من ( الأقراء ) المحسوب ابتداؤها عن حين إسلامها إن أسلما معا وإلا فمن إسلام السابق ( وأربعة ) من الأشهر ( وعشر ) من الموت لأن كلا يحتمل كونها زوجة فتلزمها عدة الوفاة ومفارقة في الحياة فعليها الأقراء فوجب الاحتياط لتحل بيقين .

                                                                                                                            قال البلقيني : والمراد الأكثر من أربعة أشهر وعشر ، وما بقي من الأقراء صرح به البغوي وهو ظاهر ( ويوقف ) فيما إذا مات قبل الاختيار ( نصيب زوجات ) أسلمن كلهن من ربع ، أو ثمن بعول ، أو دونه للعلم بأن فيهن أربع زوجات لكن جهلن أعيانهن ( حتى يصطلحن ) على ذلك بتساو ، أو تفاضل ، نعم إن كان فيهن محجورة امتنع على وليها المصالحة على أقل من حصتها من عددهن كالثمن إذا كن ثمانية لأنا وإن لم نتيقن أنه حقها لكنها صاحبة يد على ثمن الموقوف ولو طلب بعضهن شيئا قبل الصلح أعطي اليقين وإن لم يبرأ من الباقي ، أما إذا أسلم بعض والباقيات يصلحن للنكاح كثمان كتابيات أسلم منهن أربع ، أو أربع كتابيات وأربع وثنيات وأسلم الوثنيات فلا شيء للمسلمات لاحتمال أن الكتابيات هن الزوجات .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولم تكن كتابية ) أي أما إذا كانت كذلك تعينت واندفعت الأمة ( قوله : فيجدده ) أي الاختيار .

                                                                                                                            [ ص: 305 ] قوله : تعينت الحرة إن كانت ) أي إن وجدت ( قوله : قررت نكاحك ) أي وليس الشهادة شرطا فيه ، بخلاف ابتداء النكاح فإن الشهود شرط فيه ولا اطلاع لهم على النية ( قوله : وكلها صرائح ) أي فلا تحتاج لنية ( قوله : ولا ينافي ما تقرر في الفسخ ) أي من صراحته مع النكاح وجعله كناية بدونه ووقوع الطلاق بنيته المشار إليه بقوله كأن نوى إلخ ( قوله : لأنا نمنع ) وفي شيخنا الزيادي ويجاب بأن هذا مستثنى رعاية لمن رغب في الإسلام ا هـ .

                                                                                                                            وهو قريب مما ذكره حج وعبارته لأنها أي القاعدة أغلبية ا هـ .

                                                                                                                            وهي أولى لأن ما ذكره الشارح قد يرد عليه أنه قد يؤدي لإبطال القاعدة فإن ما ذكروا فيه أنه لا يكون كناية لكونه يجد نفاذا يقال فيه بمثل ما ذكر وهو أنه بنية غير مدلولة لا يجد نفاذا في موضوعه ( قوله لأنا نقول باختيار الثاني ) هو قوله وإن أراد الأعم ( قوله : لأنه لفظ مشترك ) عبارة حج بعدما ذكر : وهو هنا بالفسخ أولى منه بالطلاق لأنه المتبادر منه فمن ثم قالوا إنه صريح فيه كناية في الطلاق ا هـ .

                                                                                                                            وهي مشتملة على توجيه صراحته في [ ص: 306 ] الفسخ وأنه مع كونه صريحا فيه يكون كناية في الطلاق ( قوله : استقلالي ) احترز به عن تعليق الطلاق فإنه يصح مع كونه اختيارا لكنه ضمني كما يأتي ( قوله : استدامة ) أي للنكاح ( قوله وهو لا يقبل ) أي المناط وكان الأولى وهي ( قوله ولو حصر الاختيار ) لو أسلم على عشر مثلا واختار منهن ستا فيهن أختان فالظاهر أنه لا بد من اختيار أربع من الست ، ولا يقال لا حاجة للاختيار لاندفاع الأختين لجواز اختياره واحدة منهما مع ثلاث من غيرهما م ر ا هـ سم على حج ( قوله فإن استمهل أمهل ) أي وجوبا ، وقوله ثلاثة أيام أي كوامل ( قوله : إلى أن يختار ) أي ولو طال الزمن جدا ( قوله : إلى إفاقته ) أي وإن طال جنونه ( قوله : وإن وافقه الأذرعي ) في كلام شيخنا الزيادي وسم نقلا عن بر أن الأذرعي تعقب السبكي في ذلك لا أنه وافقه فراجعه ا هـ .

                                                                                                                            فلعل الأذرعي اختلف كلامه ( قوله وذات أشهر ) أي لكونها صغيرة ، أو آيسة ( قوله لو قال وعشرة ) أي لو قال تعالى في القرآن ( قوله عن كلام العرب ) أي لأنهم يغلبون الليالي عن الأيام ومن ثم يؤرخون بها فيقولون لعشر ليال مضين من شهر كذا ، أو بقين [ ص: 307 ] منه ، ولعل الحكمة في ذلك أن الليالي سابقة على الأيام ( قوله : فعليها الأقراء ) أي الاعتداد بالأقراء ( قوله : إذا كن ثمانية ) الأولى ثمانيا لأن المعدود مؤنث ( قوله وإن لم يبرأ من الباقي ) فلو كن ثمانيا وطلب أربع لم يعطين شيئا ، أو خمس أعطين ربع الموقوف لتيقن أن فيهن زوجة ، أو ست فالنصف وهكذا ا هـ حج ( قوله : لاحتمال أن الكتابيات هن الزوجات ) أي وشرط الإرث تحقق موجبه .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 305 ] قوله : عند إرادته به الطلاق ) أي أما عند عدم إرادته فهو واجد نفاذه وهو الدفع عن النكاح ( قوله : ; لأنا نقول ) لا يصح أن يكون خبرا عن قوله وما قيل إلخ فلا بد من تقدير خبر كأن يقال مردود ; لأنا نقول إلخ أو نحو ذلك ( قوله : والظهار ) معطوف على مدة [ ص: 306 ] قوله : ولأن مناط الاختيار إلخ ) عبارة التحفة : ولأن مناط الاختيار الشهوة فلم يقبل تعليقا ; لأنها قد توجد وقد لا انتهت .

                                                                                                                            وقول الشارح وهو أي المناط ( قوله : ويترك نحو مجنون إلخ ) قد تقدم ما يشمل هذا وغيره ( قوله : تغليبا لليالي ) كما في الآية وكأنها إنما غلبت ; لأنه لو قال وعشرة لتوهم عشرة من [ ص: 307 ] الأشهر ( قوله : كان خارجا عن كلام العرب ) نقل الشهاب سم عن البيضاوي ما معناه أن العرب لم يقع في كلامهم في مثل ذلك مراعاة الأيام أصلا ، ووجهه بأن الليالي غرر الأعوام والشهور ( قوله : قال البلقيني المراد إلخ ) هو مكرر مع ما حل به المتن ( قوله : أعطى اليقين إلخ ) أي فلو كن ثمانيا فطلب أربع لم يعطين شيئا أو خمس أعطين ربع الموقوف لتيقن أن فيهن زوجة أو ست فالنصف وهكذا ، ولهن قسمة ما أخذنه والتصرف فيه ولا ينقطع به تمام حقهن .




                                                                                                                            الخدمات العلمية