الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1051 [ ص: 132 ] حديث ثالث عشر من مراسيل ابن شهاب .

مالك عن ابن شهاب أنه قال : ما نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنه وعن أهل بيته إلا واحدة أو بقرة واحدة . قال : مالك : لا أدري أيتهما قال ابن شهاب ؟

التالي السابق


هكذا رواه جماعة أصحاب مالك عنه في الموطأ وغيره إلا جويرية فإنه رواه عن مالك عن الزهري قال : أخبرني من لا أتهم عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : ما نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهله إلا واحدة ، أو بقرة واحدة لا أدري أيتهما قالت .

حدثناه عن عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن عبيد قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن أسماء قال : حدثنا جويرية عن مالك فذكره .

[ ص: 133 ] أما سائر أصحاب ابن شهاب فاختلفوا في إسناده عنه ، فجعله أكثرهم عنه عن عمرة ، وجعله بعضهم عنه عن عروة عن عائشة ، فأما معمر فرواه عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة قالت ما ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن آل محمد في حجة الوداع إلا بقرة واحدة ، هكذا ذكره عبد الرزاق .

ورواه ابن أخي الزهري عن عمه قال : حدثني من لا أتهم ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن حج من أهله في حجة الوداع بقرة واحدة ، وأما يونس فذكر حديثه ابن وهب قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة واحدة .

ورواه الليث بن سعد عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب قال : بلغني : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحر عن آل محمد في حجة الوداع بقرة ، وكانت عمرة تحدث ذلك عن عائشة ، ورواية الليث عن يونس مع رواية ابن أخي الزهري تدل على أن ابن شهاب لم يسمعه من عمرة .

[ ص: 134 ] وحدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الواحد الحمصي قال : حدثنا سليمان بن سلمة أبو أيوب قال : حدثنا بقية ، عن الزبيدي ، عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ضحى عمن حج معه من أهل بيته من بني هاشم ببقرة قال أبو أيوب : قلت لبقية : كم كانوا ؟ قال : عدد كثير .

هكذا قال يونس ومعمر والزبيدي بقرة ، لم يشكوا كما شك مالك في بدنة أو بقرة ، وكلهم جعله عن ابن شهاب ، عن عمرة ، عن عائشة .

وقد حدثنا محمد بن إبراهيم ، حدثنا محمد بن معاوية ، حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا عثمان بن عمر ، حدثنا يونس ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحر عن أزواجه بقرة في حجة الوداع قال عثمان بن عمر : وجدته في كتابي في موضعين : في موضع عن عمرة عن عائشة ، وفي موضع عن عروة عن عائشة .

[ ص: 135 ] قال أبو عمر : الحديث لعمرة - والله أعلم - وإن كان الليث قد بين فيه عن يونس أنه لم يسمعه ابن شهاب من عمرة ، وكذلك رواية ابن أخي ابن شهاب صرحت بذلك أيضا ، وظاهر حديث يونس يدل على أن الزهري لم يسمعه من عمرة والله أعلم .

وقد روي هذا الحديث عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، حدثناه أحمد بن عبد الله بن محمد قال : حدثني أبي قال : حدثنا محمد بن قاسم قال : حدثنا الحسن بن علي بن موسى البغدادي قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الملك بن محمد عن الأوزاعي عن الزهري قال : حدثني عروة عن عائشة قالت : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن اعتمر من نسائه بقرة .

هكذا حدث عبد الملك بن محمد الصنعاني ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، وغيره يقول : عن الزهري ، عن عمرة ، عن عائشة ، وعند الأوزاعي في هذا حديث آخر حدثناه عبد الرحمن بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن صالح الأبهري قال : حدثنا محمد بن جعفر الدمشقي بدمشق قال : حدثنا يزيد بن محمد قال : حدثنا أبو مسهر [ ص: 136 ] قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الله قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح بقرة عن نسائه وكن متمتعات لم يسم عدتهن .

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أخبرنا عمرو بن عثمان قال : حدثنا الوليد عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة قال : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمن اعتمر معه من نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن .

وحدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا عمرو بن عثمان ومحمد بن مهران الرازي قالا : حدثنا الوليد عن الأوزاعي وذكره بإسناده وبمعناه سواء .

قال أبو عمر : حديث أبي هريرة هذا صحيح ثابت ومثله ما رواه ابن جريج وكلاهما يشهد بصحة رواية ابن شهاب هذه ، [ ص: 137 ] ويعضدها في قوله : " بقرة واحدة " ، ويعارض ظاهر حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذبح عن نسائه يومئذ البقر وظاهر حديث عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضحى عن نسائه بالبقر كل ذلك على لفظ الجمع ، كذلك رواه الثوري وابن عيينة وشعبة وحماد بن سلمة كلهم عن عبد الرحمن عن أبيه عن عائشة .

وأما ابن جريج فأرسله قال فيه عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع أباه يقول : أهدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه في حجة الوداع بقرة بقرة عن كل امرأة ونحو ذلك هو عندي حديث مالك .

وروى مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن أنها قالت : سمعت عائشة تقول : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخمس ( ليال ) بقين من ذي القعدة ، ولا نرى إلا أنه الحج فذكر الحديث ، وفيه قالت عائشة : فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : نحر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أزواجه .

[ ص: 138 ] قال يحيى : فذكرت ذلك للقاسم بن محمد فقال : أتتك والله بالحديث على وجهه ، وقد ذكر عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع ، عن ابن عمر قال : ذبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نسائه البقر يومئذ ، يعني في حجة الوداع ، ففي هذه الأحاديث كلها ذكر البقر على لفظ الجمع ، وفي حديث ابن شهاب بقرة واحدة عن أزواجه ، وهو عندي تفسير حديث يحيى بن سعيد ; لأنه يحتمل أن يكون أراد بذكر البقر الجنس ، تقول : دخل علينا بلحم بقر ، أي لم يكن لحم إبل ولا غنم ، كما تقول : لحم بقر ، تنفي أن يكون غير بقري ، وهو من بقرة واحدة .

وإذا حمل الخبران على هذا لم يتدافعا ، وصح بذلك مذهب مالك في إجازته أن يضحي الرجل عنه وعن أهل بيته بالبقرة الواحدة ، وفي معناها عنده الشاة الواحدة .

[ ص: 139 ] واختلف الفقهاء في الاشتراك في الهدي والضحايا فقال مالك : يجوز للرجل أن يذبح الشاة أو البقرة أو البدنة عن نفسه وعن أهل البيت ، وسواء كانوا سبعة أو أكثر من سبعة يشركهم فيها ، ولا يجوز أن يشتروها بينهم بالشركة فيذبحوها ، إنما يجزئ إذا تطوع عنهم ، ولا يجزئ عن الأجنبيين ، هذا كله قول مالك .

وقال الليث بن سعد مثله في البقر ، وأجاز مالك الاشتراك في الهدي التطوع على هذا الوجه ، ولا يجوز عنده الاشتراك في الهدي الواجب بحال ، لا في بدنة ولا في بقرة ، والحجة له فيما ذهب إليه من ذلك كله حديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب ، وحديث جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشرك عليا في هديه عام حجة الوداع ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في بعض ضحاياه : هذه عني وعمن لم يضح من أمتي ، وهذا كله تطوع ليس باشتراك لازم على ما قال مالك رحمه الله .

وقال الشافعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابهم : يجوز الاشتراك في الهدي التطوع ، وفي الواجب ، وفي الضحايا .

[ ص: 140 ] البدنة عن سبعة ، والبقرة عن سبعة ، وهو قول أحمد بن حنبل وأبي ثور والطبري وداود بن علي ، ولا يجوز عند واحد منهم اشتراك أكثر من سبعة في بدنة ولا بقرة .

وأجمع أنه لا يجوز الاشتراك في الشاة لمن لزمه دم ، وحجة هؤلاء حديث جابر قال : كنا نتمتع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذبح البقرة عن سبعة والبدنة عن سبعة .

حدثنا عبد الله بن محمد الجهني قال : حدثنا حمزة بن محمد الكناني قال : حدثنا أحمد بن شعيب النسوي قال : أخبرنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال : حدثنا هشيم قال : حدثنا عبد الملك عن عطاء عن جابر قال كنا نتمتع فذكره ، وسنذكره بعد هذا في باب أبي الزبير من هذا المعنى ما فيه شفاء ; لأنه أولى بذلك من ذكره هاهنا .

وفي هذا الحديث أيضا جواز نحر البقر وذبحها ; لأن في بعض الروايات ذبح ، وفي بعضها نحر ، وهو لفظ حديث مالك ، وكان مالك يجيز ( نحر ) البقر ويستحب فيها الذبح لقول الله - عز وجل - : إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة .

[ ص: 141 ] وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي إن نحرت البقرة كره ذلك وجاز ، وكذلك عندهم إن ذبح الجزور .

وقال مالك : إن ذبح الجزور من غير ضرورة ، أو نحرت الشاة من غير ضرورة ، لم تؤكل ، وكان الحسن بن حي يستحب نحر البقر ، وهو قول مجاهد ، وحجة من ذهب إلى هذا حديث أسماء : انتحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

تمت أحاديث ابن شهاب والحمد لله .




الخدمات العلمية