الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإبراؤه مديونه وهو مديونه غير جائز ) [ ص: 612 ] أي لا يجوز ( إن كان أجنبيا وإن ) كان ( وارثا فلا ) يجوز ( مطلقا ) سواء كان المريض مديونا أو لا للتهمة ، وحيلة صحته أن يقول لا حق لي عليه كما أفاده بقوله ( وقوله لم يكن لي على هذا المطلوب شيء ) يشمل الوارث وغيره ( صحيح قضاء لا ديانة ) فترتفع به مطالبة الدنيا لا مطالبة الآخرة حاوي إلا المهر فلا يصح على الصحيح بزازية أي لظهور أنه عليه غالبا بخلاف إقرار البنت في مرضها بأن الشيء الفلاني ملك أبي أو أمي لا حق لي فيه أو أنه كان عندي عارية فإنه يصح ولا تسمع دعوى زوجها فيه كما بسطه في الأشباه قائلا فاغتنم هذا التحرير فإنه من مفردات كتابي -

التالي السابق


( قوله : وإبراؤه مديونه وهو مديون ) قيد به احترازا عن غير المديون فإن إبراءه الأجنبي نافذ من الثلث كما في الجوهرة سائحاني . [ فائدة ]

أقر في مرضه بشيء فقال : كنت قلته في الصحة كان بمنزلة الإقرار في المرض من غير إسناد إلى زمن الصحة أشباه ، وفي البزازية عن المنتقى أقر فيه أنه باع عبده من فلان وقبض الثمن في صحته وصدقه المشتري فيه صدق في البيع لا في قبض الثمن إلا من الثلث ا هـ ونقله في نور العين عن الخلاصة ، ونقل قبله عن الخانية : أقر أنه أبرأ فلانا في صحته من دينه لم يجز إذ لا يملك إنشاءه للحال ، فكذا الحكاية بخلاف إقراره بقبض إذ يملك إنشاءه فيملك الإقرار به ثم قال : فلعل في المسألة روايتين ، أو أحدهما سهو ، والظاهر أن ما في الخانية أصح وقال [ ص: 612 ] أيضا : قوله إذ لا يملك إنشاءه للحال مخالف لما فيها أيضا أنه يجوز إبراء الأجنبي إلا أن يخص عدم القدرة على الإنشاء بكون فلان وارثا أو بكون الوارث كفيلا لفلان الأجنبي ففي إطلاقه نظر ا هـ .

قلت : أو بكون المقر مديونا كما أفاده المصنف ( قوله : أجنبيا ) إلا أن يكون الوارث كفيلا عنه فلا يجوز ; إذ يبرأ الكفيل ببراءة الأصيل جامع الفصولين ، ولو أقر الأجنبي باستيفائه دينه منه صدق كما بسطه في الولوالجية ( قوله : فلا يجوز ) سواء كان من دين له عليه أصالة أو كفالة وكذا إقراره بقبضه واحتياله به على غيره فصولين وفي الهامش أقر مريض مرض الموت أنه لا يستحق عند زوجته هند حقا وأبرأ ذمتها من كل حق شرعي ومات عنها وورثه غيرها وله تحت يدها أعيان وله بذمتها دين ، والورثة لم يجيزوا الإقرار لا يكون الإقرار صحيحا حامدية ( قوله : يشمل الوارث ) صرح به في جامع الفصولين حيث قال : مريض له على وارثه دين فأبرأه لم يجز ، ولو قال لم يكن لي عليك شيء ، ثم مات جاز إقراره قضاء لا ديانة ا هـ . وينبغي لو ادعى الوارث الآخر أو المقر كاذب في إقراره أن يحلف المقر له بأنه لم يكن كاذبا بناء على قول أبي يوسف المفتى به كما مر قبيل باب الاستثناء ، وفي البزازية : ادعى عليه ديونا ومالا وديعة ، فصالح الطالب على يسير سرا ، وأقر الطالب في العلانية أنه لم يكن له على المدعى عليه شيء ، وكان ذلك في مرض المدعي ، ثم مات فبرهن الوارث أنه كان لمورثي عليه أموال كثيرة وإنما قصد حرماننا لا تسمع ، وإن كان المدعى عليه وارث المدعي وجرى ما ذكرنا فبرهن بقية الورثة على أن أبانا قصد حرماننا بهذا الإقرار تسمع ا هـ وينبغي أن يكون في مسألتنا كذلك لكن فرق في الأشباه بكونه متهما في هذا الإقرار لتقدم الدعوى عليه والصلح معه على يسير ، والكلام عند عدم قرينة على التهمة ا هـ .

قلت : وكثيرا ما يقصد المقر حرمان بقية الورثة في زماننا وتدل عليه قرائن الأحوال القريبة من الصريح ، فعلى هذا تسمع دعواهم بأنه كان كاذبا ، وتقبل بينتهم على قيام الحق على المقر له ; ولهذا قال السائحاني : ما في المتن إقرار وإبراء وكلاهما لا يصح للوارث كما في المتون والشروح فلا يعول عليه لئلا يصير حيلة لإسقاط الإرث الجبري ا هـ والله أعلم ( قوله صحيح قضاء ) ومر في الفروع قبيل باب الدعوى ( قوله كما بسطه في الأشباه ) أقول : قد خالفه علماء عصره وأفتوا بعدم الصحة منهم ابن عبد العال والمقدسي ، وأخو المصنف والحانوتي والرملي وكتب الحموي في الرد على ما قاله نقلا عمن تقدم كتابة حسنة فلتراجع .

أقول : وحاصل ما ذكره الرملي : أن قوله لم يكن عليه شيء مطابق لما هو الأصل من خلو ذمته عن دينه ، فليس إقرارا بل كاعترافه بعين في يد زيد بأنها لزيد فانتفت التهمة ، ومثله ليس له على والده شيء من تركة أمه وليس لي على زوجي مهر على المرجوح ، بخلاف ما هنا فإن إقرارها بما في يدها إقرار بملكها للوارث بلا شك لأن أقصى ما يستدل به على الملك اليد ، فكيف يصح وكيف تنتفي التهمة والنقول مصرحة بأن الإقرار بالعين التي في يد المقر كالإقرار بالدين ، وإذا لم يصح في المهر على الصحيح ، مع أن الأصل براءة الذمة فكيف يصح [ ص: 613 ] فيما فيه الملك مشاهد باليد . نعم لو كانت الأمتعة بيد الأب فلا كلام في الصحة وفي حاشية الباري الصواب أن ذلك إقرار للوارث بالعين بصيغة النفي ، وما استند له المصنف في الدين لا العين وهو وصف في الذمة وإنما يصير مالا بقبضه




الخدمات العلمية