الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3184 وحدثني عبد الله بن محمد حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال ابن عباس أول ما اتخذ النساء المنطق من قبل أم إسماعيل اتخذت منطقا لتعفي أثرها على سارة ثم جاء بها إبراهيم وبابنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد وليس بمكة يومئذ أحد وليس بها ماء فوضعهما هنالك ووضع عندهما جرابا فيه تمر وسقاء فيه ماء ثم قفى إبراهيم منطلقا فتبعته أم إسماعيل فقالت يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء فقالت له ذلك مرارا وجعل لا يلتفت إليها فقالت له آلله الذي أمرك بهذا قال نعم قالت إذن لا يضيعنا ثم رجعت فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت ثم دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال رب إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم حتى بلغ يشكرون وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت وعطش ابنها وجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط فانطلقت كراهية أن تنظر إليه فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها فقامت عليه ثم استقبلت الوادي تنظر هل ترى أحدا فلم تر أحدا فهبطت من الصفا حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سعت سعي الإنسان المجهود حتى جاوزت الوادي ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت هل ترى أحدا فلم تر أحدا ففعلت ذلك سبع مرات قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فذلك سعي الناس بينهما فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا فقالت صه تريد نفسها ثم تسمعت فسمعت أيضا فقالت قد أسمعت إن كان عندك غواث فإذا هي بالملك عند موضع زمزم فبحث بعقبه أو قال بجناحه حتى ظهر الماء فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا وجعلت تغرف من الماء في سقائها وهو يفور بعد ما تغرف قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم أو قال لو لم تغرف من الماء لكانت زمزم عينا معينا قال فشربت وأرضعت ولدها فقال لها الملك لا تخافوا الضيعة فإن ها هنا بيت الله يبني هذا الغلام وأبوه وإن الله لا يضيع أهله وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وشماله فكانت كذلك حتى مرت بهم رفقة من جرهم أو أهل بيت من جرهم مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة فرأوا طائرا عائفا فقالوا إن هذا الطائر ليدور على ماء لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء فأرسلوا جريا أو جريين فإذا هم بالماء فرجعوا فأخبروهم بالماء فأقبلوا قال وأم إسماعيل عند الماء فقالوا أتأذنين لنا أن ننزل عندك فقالت نعم ولكن لا حق لكم في الماء قالوا نعم قال ابن عباس قال النبي صلى الله عليه وسلم فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الإنس فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم حتى إذا كان بها أهل أبيات منهم وشب الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شب فلما أدرك زوجوه امرأة منهم وماتت أم إسماعيل فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته فلم يجد إسماعيل فسأل امرأته عنه فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بشر نحن في ضيق وشدة فشكت إليه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئا فقال هل جاءكم من أحد قالت نعم جاءنا شيخ كذا وكذا فسألنا عنك فأخبرته وسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا في جهد وشدة قال فهل أوصاك بشيء قالت نعم أمرني أن أقرأ عليك السلام ويقول غير عتبة بابك قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحقي بأهلك فطلقها وتزوج منهم أخرى فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله ثم أتاهم بعد فلم يجده فدخل على امرأته فسألها عنه فقالت خرج يبتغي لنا قال كيف أنتم وسألها عن عيشهم وهيئتهم فقالت نحن بخير وسعة وأثنت على الله فقال ما طعامكم قالت اللحم قال فما شرابكم قالت الماء قال اللهم بارك لهم في اللحم والماء قال النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن لهم يومئذ حب ولو كان لهم دعا لهم فيه قال فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه قال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام ومريه يثبت عتبة بابه فلما جاء إسماعيل قال هل أتاكم من أحد قالت نعم أتانا شيخ حسن الهيئة وأثنت عليه فسألني عنك فأخبرته فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير قال فأوصاك بشيء قالت نعم هو يقرأ عليك السلام ويأمرك أن تثبت عتبة بابك قال ذاك أبي وأنت العتبة أمرني أن أمسكك ثم لبث عنهم ما شاء الله ثم جاء بعد ذلك وإسماعيل يبري نبلا له تحت دوحة قريبا من زمزم فلما رآه قام إليه فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ثم قال يا إسماعيل إن الله أمرني بأمر قال فاصنع ما أمرك ربك قال وتعينني قال وأعينك قال فإن الله أمرني أن أبني ها هنا بيتا وأشار إلى أكمة مرتفعة على ما حولها قال فعند ذلك رفعا القواعد من البيت فجعل إسماعيل يأتي بالحجارة وإبراهيم يبني حتى إذا ارتفع البناء جاء بهذا الحجر فوضعه له فقام عليه وهو يبني وإسماعيل يناوله الحجارة وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم قال فجعلا يبنيان حتى يدورا حول البيت وهما يقولان ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أول ما اتخذ النساء المنطق ) بكسر الميم وسكون النون وفتح الطاء هو ما يشد به الوسط ، ووقع في رواية ابن جريج النطق بضم النون والطاء وهو جمع منطق ، وكان السبب في ذلك أن سارة كانت وهبت هاجر لإبراهيم فحملت منه بإسماعيل ، فلما ولدته غارت منها فحلفت لتقطعن منها ثلاثة أعضاء فاتخذت هاجر منطقا فشدت به وسطها وهربت وجرت ذيلها لتخفي أثرها على سارة ، ويقال إن إبراهيم شفع فيها وقال لسارة : حللي يمينك بأن تثقبي أذنيها وتخفضيها وكانت أول من فعل ذلك . ووقع في رواية ابن علية عند الإسماعيلي " أول ما أخدت العرب جر الذيول عن أم إسماعيل " وذكر الحديث . ويقال إن سارة اشتدت بها الغيرة فخرج إبراهيم بإسماعيل وأمه إلى مكة لذلك . وروى ابن إسحاق عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، وغيره " إن الله لما بوأ لإبراهيم مكان البيت خرج بإسماعيل وهو طفل صغير وأمه ، قال وحملوا فيما حدثت على البراق " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى وضعهما ) في رواية الكشميهني " فوضعهما " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عند دوحة ) بفتح المهملة وسكون الواو ثم مهملة : الشجرة الكبيرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( فوق الزمزم ) في رواية الكشميهني " فوق زمزم " وهو المعروف ، وسيأتي شرح أمرها في أوائل السيرة النبوية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في أعلى المسجد ) أي مكان المسجد ، لأنه لم يكن حينئذ بني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وسقاء فيه ماء ) السقاء بكسر أوله قربة صغيرة ، وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير التي بعد هذه الرواية " ومعها شنة " بفتح المعجمة وتشديد النون وهي القربة العتيقة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم قفى إبراهيم ) أي ولى راجعا إلى الشام . وفي رواية ابن إسحاق " فانصرف إبراهيم إلى أهله بالشام وترك إسماعيل وأمه عند البيت " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فتبعته أم إسماعيل ) في رواية ابن جريج " فأدركته بكداء " وفي رواية عمر بن شبة من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنها " نادته ثلاثا فأجابها في الثالثة ، فقالت له : من أمرك بهذا قال : الله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إذن لا يضيعنا ) في رواية عطاء بن السائب " فقالت لن يضيعنا " وفي رواية ابن جريج " فقالت حسبي " وفي رواية إبراهيم بن نافع عن كثير المذكورة بعد هذا الحديث في الباب " فقالت رضيت بالله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى إذا كان عند الثنية ) بفتح المثلثة وكسر النون وتشديد التحتانية ، وقوله : " من طريق كداء " بفتح الكاف ممدود هو الموضع الذي دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة منه وهو معروف وقد مضى الكلام عليه في الحج ، ووقع في رواية الأصيلي " البنية " بالموحدة بدل المثلثة وهو تصحيف ، وضبط ابن الجوزي كدى بالضم والقصر وقال : هي التي بأسفل مكة عند قعيقعان ، قال : لأنه وقع في الحديث أنهم نزلوا بأسفل [ ص: 462 ] مكة . قلت : وذلك ليس بمانع أن يرجع من أعلى مكة ، فالصواب ما وقع في الأصول بفتح الكاف والمد .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ربنا إني أسكنت من ذريتي ) في رواية الكشميهني " رب إني أسكنت " والأول هو الموافق للتلاوة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى إذا نفد ما في السقاء عطشت ) زاد الفاكهي من حديث أبي جهم " فانقطع لبنها " وفي رواية " وكان إسماعيل حينئذ ابن سنتين " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجعلت تنظر إليه يتلوى أو قال يتلبط ) في رواية الكشميهني " يتلمظ " وهي رواية معمر أيضا ، ومعنى يتلبط وهو بموحدة ومهملة يتمرغ ويضرب بنفسه الأرض ، ويقرب منها رواية عطاء بن السائب فلما ظمئ إسماعيل جعل يضرب الأرض بعقبيه وفي رواية إبراهيم بن نافع " كأنه ينشغ للموت " وهو بفتح الياء وسكون النون وفتح المعجمة بعدها غين معجمة أي يشهق ويعلو صوته وينخفض كالذي ينازع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم استقبلت الوادي ) في رواية عطاء بن السائب " والوادي يومئذ عميق " وفي حديث أبي جهم " تستغيث ربها وتدعوه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم سعت سعي الإنسان المجهود ) أي الذي أصابه الجهد وهو الأمر المشق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سبع مرات ) في حديث أبي جهم وكان ذلك أول ما سعي بين الصفا والمروة وفي رواية إبراهيم بن نافع " أنها كانت في كل مرة تتفقد إسماعيل وتنظر ما حدث له بعدها " وقال في روايته : " فلم تقرها نفسها " وهو بضم أوله وكسر القاف ، ونفسها بالرفع الفاعل أي لم تتركها نفسها مستقرة فتشاهده في حال الموت فرجعت ، وهذا في المرة الأخيرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقالت صه ) بفتح المهملة وسكون الهاء وبكسرها منونة ، كأنها خاطبت نفسها فقالت لها اسكتي ، وفي رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج " فقالت أغثني إن كان عندك خير " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن كان عندك غواث ) بفتح أوله للأكثر وتخفيف الواو وآخره مثلثة ، قيل : وليس في الأصوات فعال بفتح أوله غيره ، وحكى ابن الأثير ضم أوله والمراد به على هذا المستغيث ، وحكى ابن قرقول كسره أيضا والضم رواية أبي ذر وجزاء الشرط محذوف تقديره فأغثني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإذا هي بالملك ) في رواية إبراهيم بن نافع وابن جريج فإذا جبريل ، وفي حديث علي عند الطبري بإسناد حسن " فناداها جبريل فقال : من أنت ؟ قالت : أنا هاجر أم ولد إبراهيم ، قال : فإلى من وكلكما ؟ قالت : إلى الله . قال : وكلكما إلى كاف " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فبحث بعقبه ، أو قال بجناحه ) شك من الراوي ، وفي رواية إبراهيم بن نافع " فقال بعقبه هكذا ، وغمز عقبه على الأرض " وهي تعين أن ذلك كان بعقبه . وفي رواية ابن جريج " فركض جبريل برجله " وفي حديث علي " ففحص الأرض بإصبعه فنبعت زمزم " وقال ابن إسحاق في روايته " فزعم العلماء أنهم لم يزالوا يسمعون أنها همزة جبريل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حتى ظهر الماء ) في رواية ابن جريج " ففاض الماء " وفي رواية ابن نافع " فانبثق الماء " وهي بنون وموحدة ومثلثة وقال أي تفجر .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 463 ] قوله : ( فجعلت تحوضه ) بحاء مهملة وضاد معجمة وتشديد أي تجعله مثل الحوض ، وفي رواية ابن نافع " فدهشت أم إسماعيل فجعلت تحفر " وفي رواية الكشميهني من رواية ابن نافع " تحفن " بنون بدل الراء والأول أصوب ، ففي رواية عطاء بن السائب " فجعلت تفحص الأرض بيديها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتقول بيدها هكذا ) هو حكاية فعلها ، وهذا من إطلاق القول على الفعل ، وفي حديث علي " فجعلت تحبس الماء فقال دعيه فإنها رواء " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لو تركت زمزم ، أو قال لو لم تغرف من زمزم ) شك من الراوي ، وفي رواية ابن نافع " لو تركته " وهذا القدر صرح ابن عباس برفعه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه إشعار بأن جميع الحديث مرفوع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عينا معينا ) أي ظاهرا جاريا على وجه الأرض ، وفي رواية ابن نافع " كان الماء ظاهرا " فعلى هذا فقوله معينا صفة الماء فلذلك ذكره ، ومعين بفتح أوله إن كان من عانه فهو بوزن مفعل وأصله معوون فحذفت الواو ، وإن كان من المعين وهو المبالغة في الطلب فهو بوزن فعيل ، قال ابن الجوزي : كان ظهور زمزم نعمة من الله محضة بغير عمل عامل ، فلما خالطها تحويط هاجر داخلها كسب البشر فقصرت على ذلك فأغنى ذلك عن توجيه تذكير معين ، مع أن الموصوف وهو المعين مؤنث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا تخافوا الضيعة ) بفتح المعجمة وسكون التحتانية أي الهلاك ، وفي حديث أبي جهم " لا تخافي أن ينفد الماء " وفي رواية علي بن الوازع عن أيوب عند الفاكهي " لا تخافي على أهل هذا الوادي ظمأ فإنها عين يشرب بها ضيفان الله " زاد في حديث أبي جهم " فقالت بشرك الله بخير " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن هذا بيت الله ) في رواية الكشميهني " فإن هاهنا بيت الله " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يبني هذا الغلام ) كذا فيه بحذف المفعول ، وفي رواية الإسماعيلي " يبنيه " زاد ابن إسحاق في روايته " وأشار لها إلى البيت وهو يومئذ مدرة حمراء فقال : هذا بيت الله العتيق ، واعلمي أن إبراهيم وإسماعيل يرفعانه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية ) بالموحدة ثم المثناة ، وروى ابن أبي حاتم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : " لما كان زمن الطوفان رفع البيت ، وكان الأنبياء يحجونه ولا يعلمون مكانه حتى بوأه الله لإبراهيم وأعلمه مكانه " وروى البيهقي في " الدلائل " من طريق أخرى عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بعث الله جبريل إلى آدم فأمره ببناء البيت فبناه آدم ، ثم أمره بالطواف به وقيل له أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس وروى عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء " أن آدم أول من بنى البيت ، وقيل : بنته الملائكة قبله " وعن وهب بن منبه " أول من بناه شيث بن آدم " والأول أثبت ، وسيأتي مزيد آخر شرح هذا الحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فكانت ) أي هاجر ( كذلك ) أي على الحال الموصوفة ، وفيه إشعار بأنها كانت تتغذى بماء زمزم فيكفيها عن الطعام والشراب .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 464 ] قوله : ( حتى مرت بهم رفقة ) بضم الراء وسكون الفاء ثم قاف وهم الجماعة المختلطون سواء كانوا في سفر أم لا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من جرهم ) هو ابن قحطان بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح ، وقيل ابن يقطن ، قال ابن إسحاق " وكان جرهم وأخوه قطورا أول من تكلم بالعربية عند تبلبل الألسن ، وكان رئيس جرهم مضاض بن عمرو ورئيس قطورا السميدع ويطلق على الجميع جرهم " وفي رواية عطاء بن السائب " وكانت جرهم يومئذ بواد قريب من مكة ، وقيل إن أصلهم من العمالقة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مقبلين من طريق كداء فنزلوا في أسفل مكة ) وقع في جميع الروايات بفتح الكاف والمد ، واستشكله بعضهم بأن كداء بالفتح والمد في أعلى مكة ، وأما الذي في أسفل مكة فبالضم والقصر ، يعني فيكون الصواب هنا بالضم والقصر ، وفيه نظر لأنه لا مانع أن يدخلوها من الجهة العليا وينزلوا من الجهة السفلى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرأوا طائرا عائفا ) بالمهملة والفاء هو الذي يحوم على الماء ويتردد ولا يمضي عنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأرسلوا جريا ) بفتح الجيم وكسر الراء وتشديد التحتانية أي رسولا ، وقد يطلق على الوكيل وعلى الأجير ، قيل : سمي بذلك لأنه يجري مجرى مرسله أو موكله ، أو لأنه يجري مسرعا في حوائجه ، وقوله : " جريا أو جريين " شك من الراوي هل أرسلوا واحدا أو اثنين ، وفي رواية إبراهيم بن نافع " فأرسلوا رسولا " ويحتمل الزيادة على الواحد ويكون الإفراد باعتبار الجنس لقوله " فإذا هم بالماء " بصيغة الجمع ، ويحتمل أن يكون الإفراد باعتبار المقصود بالإرسال والجمع باعتبار من يتبعه من خادم ونحوه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فألفى ذلك ) بالفاء أي وجد ( أم إسماعيل ) بالنصب على المفعولية ( وهي تحب الأنس ) بضم الهمزة ضد الوحشة ، ويجوز الكسر أي تحب جنسها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وشب الغلام ) أي إسماعيل . وفي حديث أبي جهم " ونشأ إسماعيل بين ولدانهم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتعلم العربية منهم ) فيه إشعار بأن لسان أمه وأبيه لم يكن عربيا ، وفيه تضعيف لقول من روى أنه أول من تكلم بالعربية ، وقد وقع ذلك من حديث ابن عباس عند الحاكم في " المستدرك " بلفظ " أول من نطق بالعربية إسماعيل " وروى الزبير بن بكار في النسب من حديث علي بإسناد حسن قال : " أول من فتق الله لسانه بالعربية المبينة إسماعيل " وبهذا القيد يجمع بين الخبرين فتكون أوليته في ذلك بحسب الزيادة في البيان لا الأولية المطلقة فيكون بعد تعلمه أصل العربية من جرهم ألهمه الله العربية الفصيحة المبينة فنطق بها ، ويشهد لهذا ما حكاه ابن هشام عن الشرقي بن قطامي " إن عربية إسماعيل كانت أفصح من عربية يعرب بن قحطان وبقايا حمير وجرهم " ويحتمل أن تكون الأولية في الحديث مقيدة بإسماعيل بالنسبة إلى بقية إخوته من ولد إبراهيم ، فإسماعيل أول من نطق بالعربية من ولد إبراهيم ، وقال ابن دريد في " كتاب الوشاح " أول من نطق بالعربية يعرب بن قحطان ، ثم إسماعيل . قلت : وهذا لا يوافق من قال إن العرب كلها من ولد إسماعيل وسيأتي الكلام فيه في أوائل السيرة النبوية .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأنفسهم ) بفتح الفاء بلفظ أفعل التفضيل من النفاسة أي كثرت رغبتهم فيه ، ووقع عند [ ص: 465 ] الإسماعيلي " وأنسهم " بغير فاء من الأنس ، وقال الكرماني : أنفسهم أي رغبتهم في مصاهرته لنفاسته عندهم ، وقال ابن الأثير : أنفسهم ، عطفا على قوله : تعلم العربية أي رغبهم فيه إذ صار نفيسا عندهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( زوجوه امرأة منهم ) حكى الأزرقي عن ابن إسحاق أن اسمها عمارة بنت سعد بن أسامة ، وفي حديث أبي جهم أنها بنت صدى ولم يسمها ، وحكى السهيلي أن اسمها جدى بنت سعد ، وعند عمر بن شبة أن اسمها حبى بنت أسعد بن عملق ، وعند الفاكهي عن ابن إسحاق أنه خطبها إلى أبيها فزوجها منه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وماتت ) هاجر أي في خلال ذلك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل ) في رواية عطاء بن السائب " فقدم إبراهيم وقد ماتت هاجر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يطالع تركته ) بكسر الراء أي يتفقد حال ما تركه هناك ، وضبطها بعضهم بالسكون وقال : التركة بالكسر بيض النعام ويقال لها التريكة ، قيل لها ذلك لأنها حين تبيض تترك بيضها وتذهب ثم تعود تطلبه فتحضن ما وجدت سواء كان هو أم غيره ، وفيها ضرب الشاعر المثل بقوله :

                                                                                                                                                                                                        كتاركة بيضها بالعراء وحاضنة بيض أخرى صباحا



                                                                                                                                                                                                        قال ابن التين : هذا يشعر بأن الذبيح إسحاق لأن المأمور بذبحه كان عندما بلغ السعي ، وقد قال في هذا الحديث " إن إبراهيم ترك إسماعيل رضيعا وعاد إليه وهو متزوج " فلو كان هو المأمور بذبحه لذكر في الحديث أنه عاد إليه في خلال ذلك بين زمان الرضاع والتزويج ، وتعقب بأنه ليس في الحديث نفي هذا المجيء ، فيحتمل أن يكون جاء وأمر بالذبح ولم يذكر في الحديث . قلت : وقد جاء ذكر مجيئه بين الزمانين في خبر آخر ، ففي حديث أبي جهم " كان إبراهيم يزور هاجر كل شهر على البراق يغدو غدوة فيأتي مكة ثم يرجع فيقيل في منزله بالشام " وروى الفاكهي من حديث علي بإسناد حسن نحوه وأن إبراهيم كان يزور إسماعيل وأمه على البراق ، فعلى هذا فقوله : " فجاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل " أي بعد مجيئه قبل ذلك مرارا والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقالت خرج يبتغي لنا ) أي يطلب لنا الرزق ، وفي رواية ابن جريج " وكان عيش إسماعيل الصيد يخرج فيتصيد " وفي حديث أبي جهم " وكان إسماعيل يرعى ماشيته ويخرج متنكبا قوسه فيرمي الصيد " وفي حديث ابن إسحاق " وكانت مسارحه التي يرعى فيها السدرة إلى السر من نواحي مكة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم سألها عن عيشهم ) زاد في رواية عطاء بن السائب " وقال هل عندك ضيافة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقالت : نحن بشر ، نحن في ضيق وشدة ، فشكت إليه ) في حديث أبي جهم " فقال لها : هل من منزل ؟ قالت : لاها الله إذن ، قال : فكيف عيشكم ؟ قال : فذكرت جهدا فقالت : أما الطعام فلا طعام ، وأما الشاء فلا تحلب إلا المصر - أي الشخب - وأما الماء فعلى ما ترى من الغلظ " انتهى . والشخب بفتح المعجمة وسكون الخاء المعجمة ثم موحدة السيلان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جاءنا شيخ كذا وكذا ) في رواية عطاء بن السائب كالمستخفة بشأنه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عتبة بابك ) بفتح المهملة والمثناة والموحدة كناية عن المرأة ، وسماها بذلك لما فيها من الصفات الموافقة لها وهو حفظ الباب وصون ما هو داخله وكونها محل الوطء . ويستفاد منه أن تغيير عتبة الباب يصح [ ص: 466 ] أن يكون من كنايات الطلاق كأن يقول مثلا غيرت عتبة بابي أو عتبة بابي مغيرة وينوي بذلك الطلاق فيقع ، أخبرت بذلك عن شيخنا الإمام البلقيني ، وتمامه التفريع على شرع من قبلنا إذ حكاه النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينكره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتزوج منهم امرأة أخرى ) ذكر الواقدي وتبعه المسعودي ثم السهيلي أن اسمها سامة بنت مهلهل بن سعد ، وقيل : اسمها عاتكة ، ورأيت في نسخة قديمة من " كتاب مكة لعمر بن شبة " أنها بشامة بنت مهلهل بن سعد بن عوف وهي مضبوطة بشامة بموحدة ثم معجمة خفيفة قال : وقيل اسمها جدة بنت الحارث بن مضاض ، وحكى ابن سعد عن ابن إسحاق أن اسمها رعلة بنت مضاض بن عمرو الجرهمية ، وعن ابن الكلبي أنها رعلة بنت يشجب بن يعرب بن لوذان بن جرهم ، وذكر الدارقطني في " المختلف " أن اسمها السيدة بنت مضاض وحكاه السهيلي أيضا . وفي حديث أبي جهم " ونظر إسماعيل إلى بنت مضاض بن عمرو فأعجبته فخطبها إلى أبيها فتزوجها " وحكى محمد بن سعد الجواني أن اسمها هالة بنت الحارث وقيل : الحنفاء وقيل سلمى ، فحصلنا من اسمها على ثمانية أقوال ومن أبيها على أربعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( نحن بخير وسعة ) في حديث أبي جهم " نحن في خير عيش بحمد الله ، ونحن في لبن كثير ولحم كثير وماء طيب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ما طعامكم قالت اللحم ، قال : فما شرابكم قالت الماء ) في حديث أبي جهم ذكر اللبن مع اللحم والماء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اللهم بارك لهم في اللحم والماء ) في رواية إبراهيم بن نافع اللهم بارك لهم في طعامهم وشرابهم ، قال قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم بركة بدعوة إبراهيم وفيه حذف تقديره في طعام أهل مكة وشرابهم بركة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه ) في رواية الكشميهني " لا يخلوان " بالتثنية . قال ابن القوطية : خلوت بالشيء واختليت إذا لم أخلط به غيره ، ويقال أخلى الرجل اللبن إذا لم يشرب غيره . وفي حديث أبي جهم ليس أحد يخلو على اللحم والماء بغير مكة إلا اشتكى بطنه وزاد في حديثه وكذا في حديث عطاء بن السائب نحوه " فقالت انزل رحمك الله فاطعم واشرب . قال : إني لا أستطيع النزول . قالت : فإني أراك أشعث أفلا أغسل رأسك وأدهنه قال : بلى إن شئت . فجاءته بالمقام ، وهو يومئذ أبيض مثل المهاة ، وكان في بيت إسماعيل ملقى فوضع قدمه اليمنى وقدم إليها شق رأسه وهو على دابته فغسلت شق رأسه الأيمن ، فلما فرغ حولت له المقام حتى وضع قدمه اليسرى وقدم إليها برأسه فغسلت شق رأسه الأيسر ، فالأثر الذي في المقام من ذلك ظاهر فيه موضع العقب والأصبع " وعند الفاكهي من وجه آخر عن ابن جريج عن رجل عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " إن سارة داخلتها غيرة ، قال لها إبراهيم : لا أنزل حتى أرجع إليك ، ونحوه في رواية عطاء بن السائب عند عمر بن شبة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هل أتاكم من أحد ) في رواية عطاء بن السائب " فلما جاء إسماعيل وجد ريح أبيه فقال لامرأته : هل جاءك أحد ؟ قالت : نعم شيخ أحسن الناس وجها وأطيبهم ريحا " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 467 ] قوله : ( يثبت عتبة بابه ) زاد في حديث أبي جهم " فإنها صلاح المنزل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أن أمسكك ) زاد في حديث أبي جهم " ولقد كنت علي كريمة وقد ازددت علي كرامة ، فولدت لإسماعيل عشرة ذكور " زاد معمر في روايته " فسمعت رجلا يقول : كان إبراهيم يأتي على البراق " يعني في كل مرة ، وفي رواية عمر بن شبة " وأعجب إبراهيم بجدة بنت الحارث فدعا لها بالبركة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( يبري ) بفتح أوله وسكون الموحدة ، والنبل بفتح النون وسكون الموحدة السهم قبل أن يركب فيه نصله وريشه ، وهو السهم العربي . ووقع عند الحاكم من رواية إبراهيم بن نافع في هذا الحديث " يصلح بيتا له " وكأنه تصحيف ، والذي في البخاري هو الموافق لغيرها من الروايات .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( دوحة ) هي التي نزل إسماعيل وأمه تحتها أول قدومهما كما تقدم . ووقع في رواية إبراهيم بن نافع من وراء زمزم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فصنعا كما يصنع الوالد بالولد والولد بالوالد ) يعني من الاعتناق والمصافحة وتقبيل اليد ونحو ذلك ، وفي رواية معمر قال سمعت رجلا يقول : بكيا حتى أجابهما الطير ، وهذا إن ثبت يدل على أنه تباعد لقاؤهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن الله أمرني بأمر ) في رواية إبراهيم بن نافع " إن ربك أمرني أن أبني له بيتا " ووقع في حديث أبي جهم عند الفاكهي " أن عمر إبراهيم كان يومئذ مائة سنة وعمر إسماعيل ثلاثين سنة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وتعينني قال وأعينك ) في رواية الكشميهني " فأعينك " بالفاء ، وفي رواية إبراهيم بن نافع " إن الله قد أمرني أن تعينني عليه قال أن أفعل " بنصب اللام قال ابن التين : يحتمل أن يقال أمره الله أن يبني أولا وحده ثم أمره أن يعينه إسماعيل ، قال فيكون الحديث الثاني متأخرا بعد الأول . قلت : ولا يخفى تكلفه ، بل الجمع بينهما ممكن بأن يكون أمره أن يبني وأن إسماعيل يعينه ، فقال إبراهيم لإسماعيل : إن الله أمرني أن أبني البيت وتعينني . وتخلل بين قوله أبني البيت وبين قوله وتعينني قول إسماعيل فاصنع ما أمرك ربك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأشار إلى أكمة ) بفتح الهمزة والكاف وقد تقدم بيان ذلك في أوائل الكلام على هذا الحديث ، وللفاكهي من حديث عثمان " فبناه إبراهيم وإسماعيل وليس معهما يومئذ غيرهما " يعني في مشاركتهما في البناء ، وإلا فقد تقدم أنه كان قد نزل الجرهميون مع إسماعيل .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( رفعا القواعد من البيت ) في رواية أحمد عن عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد عن ابن عباس " القواعد التي رفعها إبراهيم كانت قواعد البيت قبل ذلك " وفي رواية مجاهد عند ابن أبي حاتم " أن القواعد كانت في الأرض السابعة " ومن طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس " رفع القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك " ومن طريق عطاء قال : " قال آدم يا رب إني لا أسمع أصوات الملائكة ، قال ابن لي بيتا ثم احفف به كما رأيت الملائكة تحف بيتي الذي في السماء " وفي حديث عثمان وأبي جهم " فبلغ إبراهيم من الأساس أساس آدم وجعل طوله في السماء تسعة أذرع وعرضه في الأرض - يعني دوره - ثلاثين ذراعا " وكان ذلك بذراعهم ، وزاد أبو جهم " وأدخل الحجر في البيت ، وكان قبل ذلك زربا لغنم إسماعيل ، وإنما بناه بحجارة [ ص: 468 ] بعضها على بعض ولم يجعل له سقفا وجعل له بابا وحفر له بئرا عند بابه خزانة للبيت يلقى فيها ما يهدى للبيت " وفي حديثه أيضا " إن الله أوحى إلى إبراهيم أن اتبع السكينة ، فحلقت على موضع البيت كأنها سحابة ، فحفرا يريدان أساس آدم الأول " وفي حديث علي عند الطبري والحاكم " رأى على رأسه في موضع البيت مثل الغمامة فيه مثل الرأس فكلمه فقال : يا إبراهيم ابن على ظلي - أو على قدري - ولا تزد ، ولا تنقص ، وذلك حين يقول الله وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت الآية " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جاء بهذا الحجر ) يعني المقام ، وفي رواية إبراهيم بن نافع " حتى ارتفع البناء وضعف الشيخ عن نقل الحجارة فقام على حجر المقام " زاد في حديث عثمان " ونزل عليه الركن والمقام فكان إبراهيم يقوم على المقام يبني عليه ويرفعه له إسماعيل ، فلما بلغ الموضع الذي فيه الركن وضعه يومئذ موضعه وأخذ المقام فجعله لاصقا بالبيت ، فلما فرغ إبراهيم من بناء الكعبة جاء جبريل فأراه المناسك كلها ، ثم قام إبراهيم على المقام فقال : يا أيها الناس أجيبوا ربكم ، فوقف إبراهيم وإسماعيل تلك المواقف ، وحجه إسحاق وسارة من بيت المقدس ، ثم رجع إبراهيم إلى الشام فمات بالشام " وروى الفاكهي بإسناد صحيح من طريق مجاهد عن ابن عباس قال : " قام إبراهيم على الحجر فقال : يا أيها الناس كتب عليكم الحج ، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ، فأجابه من آمن ومن كان سبق في علم الله أنه يحج إلى يوم القيامة : لبيك اللهم لبيك " وفي حديث أبي جهم " ذهب إسماعيل إلى الوادي يطلب حجرا ، فنزل جبريل بالحجر الأسود ، وقد كان رفع إلى السماء حين غرقت الأرض ، فلما جاء إسماعيل فرأى الحجر الأسود قال من أين هذا ؟ من جاءك به ؟ قال إبراهيم : من لم يكلني إليك ولا إلى حجرك " ورواه ابن أبي حاتم من طريق السدي نحوه ، وأنه كان بالهند وكان ياقوتة بيضاء مثل الثغامة . وهي بالمثلثة والمعجمة طير أبيض كبير ، وروى الفاكهي من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : " والله ما بنياه بقصة ولا مدر ، ولا كان لهما من السعة والأعوان ما يسقفانه " ومن حديث علي " كان إبراهيم يبني كل يوم سافا " ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عنده وعند ابن أبي حاتم " أنه كان بناه من خمسة أجبل : من حراء وثبير ولبنان ، وجبل الطور وجبل الخمر " قال ابن أبي حاتم : جبل الخمر - يعني بفتح الخاء المعجمة - هو جبل بيت المقدس . وقال عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء " أن آدم بناه من خمسة أجبل : حراء وطور زيتا وطور سيناء ، والجودي ولبنان ، وكان ربضه من حراء " ومن طريق محمد بن طلحة التيمي قال : " سمعت أنه أسس البيت من ستة أجبل : من أبي قبيس ومن الطور ومن قدس ومن ورقان ومن رضوى ومن أحد " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية