الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا جنى الحر على العبد فقتله خطأ كان على عاقلته قيمته ) لأنه بدل النفس على ما عرف من أصلنا . وفي أحد قولي الشافعي تجب في ماله لأنه بدل المال عنده ولهذا يوجب قيمته بالغة ما بلغت ، وما دون النفس من العبد لا تتحمله العاقلة لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف ، [ ص: 409 ] وفي أحد قوليه العاقلة تتحمله كما في الحر وقد مر من قبل .

قال أصحابنا : إن القاتل إذا لم يكن له عاقلة فالدية في بيت المال لأن جماعة المسلمين هم أهل نصرته وليس بعضهم أخص من بعض بذلك ، ولهذا لو مات كان ميراثه لبيت المال فكذا ما يلزمه من الغرامة يلزم بيت المال .

وعن أبي حنيفة رواية شاذة أن الدية في ماله ، ووجهه أن الأصل أن تجب الدية على القاتل لأنه بدل متلف والإتلاف منه ، إلا أن العاقلة تتحملها تحقيقا للتخفيف على ما مر . وإذا لم يكن له عاقلة عاد الحكم إلى الأصل .

التالي السابق


( قوله وما دون النفس من العبد لا تتحمله العاقلة لأنه يسلك به مسلك الأموال عندنا على ما عرف ) أقول : فيه كلام ، وهو أنه إن كان مراد المصنف بقوله على ما عرف ما ذكره في باب القصاص فيما دون النفس في تعليل أن لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين عندنا بقوله ولنا أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت في القيمة ، كما صرح به صاحب الغاية حيث قال هنا : لنا أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال ، ولهذا لا يجري القصاص في العمد بين طرف الحر والعبد فلا تتحمله العاقلة كطرف البهيمة ، وقد مر ذلك في باب القصاص فيما دون النفس ، وهذا معنى قوله على ما عرف انتهى . ينتقض حينئذ ما ذكره في تعليل مسألتنا هذه بتحمل العاقلة ما دون النفس من الحر إلى ما دون نصف عشر الدية ، فإن الدليل المذكور هنا يجري هناك أيضا مع تخلف الحكم عنه وإن كان مراده به ما ذكره في فصل بعد باب جناية المملوك من أن المعتبر فيما دون النفس من العبد هي المالية دون الآدمية ، بخلاف النفس من العبد فإن المعتبر في إتلافها هي الآدمية دون المالية عندنا جاز أن [ ص: 409 ] لا ينتقض ما ذكره هنا بتحمل العاقلة ما دون النفس من الحر إلى ما دون نصف عشر الدية ، إذ لم يصرح أحد بسقوط اعتبار الآدمية في أطراف الحر بالكلية ، إلا أنه لا يتم الدليل المذكور هنا حينئذ على أصل أبي حنيفة ، فإنه يعتبر المالية والآدمية معا في أطراف العبد ، وإنما يتم هذا على أصل أبي يوسف ومحمد فإنهما لا يعتبران الآدمية فيها بالكلية ، وقد مر ذلك كله في الفصل المزبور في بيان مسألة من فقأ عيني عبد إنسان ، والمسألة التي نحن فيها متفق عليها بين أئمتنا فلا معنى لأن يبنى دليلها على أصل بعض منهم دون بعض ، وبالجملة لا يخلو المقام على كل حال عن نوع من الاضطراب كما ترى .

( قوله وفي أحد قوليه تتحمله كما في الحر وقد مر من قبل ) قال صاحب الغاية : أي في أول فصل بعد باب جناية المملوك ، واقتفى أثره في هذا التفسير صاحب [ ص: 410 ] العناية والشارح العيني ولم يتعرض لتفسير ذلك أصلا سائر الشراح . أقول : لو كان مراد المصنف بقوله وقد مر من قبل ما فسره به هؤلاء الشراح الثلاثة كانت حوالته هنا غير رائجة قطعا ، إذ لم يذكر في الفصل تحمل العاقلة ما دون النفس ولا تحملها دية النفس لا عند الشافعي ولا عندنا كما لا يخفى على من تتبع مسائل ذلك الفصل برمتها .




الخدمات العلمية