الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
395 [ 389 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن يزيد بن خصيفة، عن السائب بن يزيد أن رجلا سأل عبد الرحمن التيمي عن صلاة طلحة، قال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان، قال: قلت: لأغلبن الليلة على المقام، فقمت فإذا رجل يزحمني متقنعا فنظرت فإذا عثمان، قال: فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد سجود القرآن، حتى إذا قلت: هذه هو ذا الفجر فأوتر ركعة لم يصل غيرها.

[ ص: 86 ]

التالي السابق


[ ص: 86 ] الشرح

عتبة: هو ابن محمد بن الحارث بن نوفل المكي.

سمع: كريبا.

وسمع منه: ابن جريج، وقال ابن جريج: أدركته ولم يكن به بأس .

ويزيد: هو ابن عبد الله بن خصيفة، مديني.

سمع: السائب بن يزيد، ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان.

وسمع منه: الثوري، وابن جريج، وغيرهما .

والأثر عن ابن عباس صحيح، وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال حين أخبر بصنيع معاوية: أصاب إنه لفقيه .

وروي أنه قال: دعه فإنه قد صحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الرواية مخرجة في صحيح البخاري .

والإيتار بركعة ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق:

فعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى .

وعن أبي أيوب عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: الوتر حق على كل مسلم، فمن [ ص: 87 ] أحب أن يوتر بخمس فليفعل، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل .

ويروى ذلك عن فعل سعد بن أبي وقاص، وابن عمر، وأبي أيوب الأنصاري، وابن عباس، ومعاوية -رضي الله عنهم-.

وقوله: "ليس أحد منا أعلم من معاوية" يمكن أن يريد في الإيتار بركعة، ويجوز أن يقال أنه ذكره على مذهب التواضع.

وتجوز الزيادة على خمس أيضا وغاية ما نقل من عدد الوتر أحد عشر عند بعضهم وثلاثة عشر عند آخرين، وفي الزيادة على ما نقل وجهان للأصحاب: إن جوزنا الزيادة فقول ابن عباس: الوتر ما شاء مجرى على ظاهره، وإن منعناها وهو الأصح فاللفظ مؤول أي: ما شاء من الأعداد المنقولة.

وأما الأثر عن عثمان -رضي الله عنه- فقد رواه عن عبد الرحمن بن عثمان: محمد بن المنكدر أيضا.

وقوله: قال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان بعد [أن] سأل السائل عن صلاة طلحة كأنه أراد: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان فهي أولى بأن يؤخذ بها لو أخبرتك عن صلاة عثمان أولا.

[ ص: 88 ] ثم قوله: "قال: قلت: لأغلبن على المقام ... إلى آخره" يجوز أن يقدر أنه أخبره في الحال ثم حضر المقام الذي كان يصلي فيه عثمان ليشاهد صلاته احتياطا، ويحتمل أنه لم يخبره في الحال وتتبع صلاة عثمان ليخبره عن تحقق، على أن قوله: قال: إن شئت أخبرتك عن صلاة عثمان يمكن أن يجعل من كلام السائل عن صلاة طلحة ويقال: لما ذكر السائل له صلاة عثمان أراد أن يتتبعها ويتعرف حالها، ويبين من السياق أن المراد من صلاة طلحة وصلاة عثمان الوتر.

وقوله: "فإذا هو يسجد سجود القرآن" يريد أنه يطيل القيام ولا يركع ولا يسجد إلا أنه إذا انتهى إلى آية سجدة سجد، وهذا ما يروى أن عثمان -رضي الله عنه- كان يحيي الليل بركعة واحدة هي وتره .

وفي رواية محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن التيمي: فلما انصرف قلت: يا أمير المؤمنين، إنما صليت ركعة! قال: هي وتري.

وقوله: "هذه، هو ذا الفجر" هكذا هو في بعض النسخ، وفي بعضها: "هو ذا" من غير "هذه" فعلى الثاني المعنى: الفجر ذا، وذا كلمة يشار بها، وعلى الأول المعنى: هذه علامات الفجر هو أي الفجر ذا، والمقصود الإخبار عن قرب طلوع الفجر.

واعلم أن الشافعي أورد الأثرين في الأم في خلال الاحتجاج في أن التطوع لا يلزم بالشروع، حيث انجر الكلام إلى احتجاج المخالف بقوله - صلى الله عليه وسلم -: صلاة الليل والنهار مثنى مثنى يسلم من كل ركعتين وهذا يشعر بالمنع من التسليم مما دون الركعتين، وقال [ ص: 89 ] الشافعي : هذا لمن أراد أن تجاوز صلاته ركعتين وليس المقصود المنع من الاقتصار على ما دون الركعتين يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى ثم روى إيتار الصحابة بواحدة.




الخدمات العلمية