الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وندب فيه ) أي في الإيصاء ( تقديم التشهد ) على المقصود بالذات فلا ينافي أنه يقدم البسملة والحمدلة عليه والمراد بالتشهد ذكر الشهادتين ( ولهم الشهادة ) حيث أشهدهم بما في كتاب وصيته أو قال أنفذوه ( وإن لم يقرأه ولا فتح ) الكتاب ( وتنفذ ) حينئذ ( ولو كانت الوصية ) بمعنى كتابها ( عنده ) لو لم يخرجها إلى أن مات ( وإن ) ( شهدا بما فيها وما بقي فلفلان ) على مقتضى ما أخبرهما ( ثم مات ) الموصي ( ففتحت فإذا فيها وما بقي ) من الثلث ( فللمساكين ) ( قسم ) الباقي من الثلث ( بينهما ) أي بين فلان المعين وبين المساكين نصفين ولم تبطل هذه الوصية مع التنافي ; لأنه بمنزلة ما إذا أوصى بشيء لزيد ثم به لعمرو فيقسم بينهما ( وإن ) قال ( كتبتها ) ووضعتها ( عند فلان فصدقوه ) صدق قوله هذه وصيته التي كتبها ولو كان الذي فيها لابنه فلا يرجع الشرط الآتي لهذه ويحتمل أن المراد أمرته بكتبها فصدقوه وعليه فيرجع الشرط الآتي لهذه أيضا ( أو ) قال ( أوصيته بثلثي ) أي بتفرقته ( فصدقوه يصدق ) فيمن ينفذها له ( إن لم يقل ) في الثانية ، وكذا في الأولى على الاحتمال الثاني كما مر جعلها ( لابني ) أو نحوه ممن يتهم فيه فلا يصدق ويحتمل رجوع الشرط للأولى أيضا حتى على الاحتمال الأول [ ص: 451 ] لاحتمال أن يكون غير فيها ( و ) ( إن ) ( قال فلان وصي فقط ) أي لم يقيد بشيء بأن أطلق فلفظه هذا ( يعم ) كل شيء حتى تزويج بناته البالغات بإذنهن ، وكذا الصغيرة بشروطها ولا جبر له ; لأن التعميم لا يقتضيه وإنما يجبر إن أمره به أو عين له الزوج وإلا فخلاف كما قدمه في النكاح ويمكن أن يدخل هذا في الخلاف وهو ظاهر ( و ) إن قيد بأن قال وصي ( على كذا ) لشيء عينه فإنه ( يخص به ) ولا يتعداه فإن تعداه لم ينفذ ( كوصي حتى يقدم فلان ) فإنه يكون وصيا في جميع الأشياء حتى يقدم فلان فإن قدم انعزل بمجرد قدومه ولو لم يقبل إلا لقرينة فإن مات قبل قدومه استمر الأول وصيا ( أو ) قال فلان وصيي ( إلى ) أو إلا ( أن يتزوج ) هو فهو بياء تحتية ( زوجتي ) فلا حق له عمل بذلك ويحتمل أنه التاء الفوقية أي قال زوجتي وصيتي إلى أن تتزوج فإنه يعمل به .

التالي السابق


( قوله وندب فيه تقديم التشهد ) أي أنه يستحب للإنسان إذا كتب وصيته أن يبدأ بالشهادتين بأن يكتب أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وكذا إذا أوصى بالقول من غير كتابة فإنه يندب له البداءة بالشهادتين قولا بأن يقول أشهد أن لا إله ألا الله إلخ .

( قوله ذكر الشهادتين ) أي إن كان الإيصاء بالقول وإن كان بالكتابة فالمراد كتابة الشهادتين .

( قوله ولهم الشهادة إلخ ) حاصله أن الموصي إذا كتب وصيته بخطه أو أملاها لمن كتبها وقال للشهود اشهدوا علي أن ما في هذه الوثيقة وصيتي أو على أنى أوصيت بما فيها ولم يقرأها عليهم فإنه يجوز لهم القدوم على الشهادة بأنه أوصى بما انطوت عليه هذه الوثيقة فقول المصنف ولهم الشهادة يعني أنه يجوز للشهود القدوم على الشهادة بما انطوت عليه وصية الموصي بأن يقولوا نحن نشهد بأنه أوصى بما انطوت عليه هذه الوصية أي الوثيقة وإن لم يقرأها عليهم ولا فتح الكتاب لهم ولو بقي الكتاب عنده إلى أن مات بشرط أن يشهدهم بما في كتاب وصيته أو يقول لهم أنفذوه وبشرط أن لا يوجد في الوثيقة محو ولا تغير وأن يعرفوا الوثيقة بعينها كذا قرر شيخنا العدوي .

( قوله حيث أشهدهم بما في كتاب وصيته أو قال انفذوه ) أي بأن قال لهم إذا مت فاشهدوا بما في كتاب وصيتي هذا أو انفذوا ما في كتاب وصيتي هذا .

( قوله وتنفذ حينئذ ) أي وتنفذ وثيقته حين إذ شهدوا بما فيها .

( قوله وإن شهدا بما فيها ) حاصله أن كتاب الوصية إذا كان مطبوعا عليه وقال الموصي للشهود اشهدوا بما في كتاب وصيتي من الوصايا وأن ما بقي من ثلثي بعد الوصايا المكتوبة في الوثيقة فلفلان الفلاني فإنه يجوز لهم الشهادة بذلك وإذا شهدوا بذلك بعد موته ففتحت وثيقة الوصية فوجد فيها وما بقي من الثلث بعد الوصايا فهو للفقراء أو للمساكين مثلا فإن ما بقي من الثلث بعد الوصايا يقسم بين فلان الفلاني وبين المساكين نصفين ; لأنه مال تنازعه اثنان .

( قوله وإن قال كتبتها ) أي بخطي .

( قوله ولو كان الذي فيها لابنه ) أي ولو كان الذي فيها وصية لابن فلان الموضوعة عنده بكثير .

( قوله ويحتمل أن المراد إلخ ) أي يحتمل أن المراد بقوله كتبتها عند فلان أمرت فلانا بكتبها وهي موضوعة عنده فصدقوه فيصدق في قوله هذه وصيته التي أمرني بكتبها إن لم يكن فيها إيصاء لابنه بكثير ، وتنفذ الوصية في مسألة وكتبتها على كلا الاحتمالين وإن لم يقل أنفذوها والفرق بينها وبين قوله وإن ثبت أن عقدها خطه إلخ أن هذه وكلها لغيره وأمر بتصديقه .

( قوله أو قال أوصيته بثلثي إلخ ) يعني أنه إذا قال لورثته أوصيت فلانا بتفرقة ثلثي فصدقوه في محل صرفه فإنه يصدق فيمن ينفذه له إن لم يقل إنما أوصيت بإعطاء الثلث أو أكثره لابني فإن قال ذلك لم يصدق حينئذ ; لأنه يتهم وأما القليل وهو ما دون نصف الثلث فينبغي أنه يصدق . ( قوله وكذا في الأولى إلخ ) لكن القول بالنسبة للثانية حقيقي وأما بالنسبة للأولى فهو مجاز ; لأن المراد أن يأتي بالورقة مكتوبا فيها وصيته لابنه بكثير ولم يثبت أنه خط الميت .

( قوله جعلها ) أي جعل [ ص: 451 ] الموصي الوصية كلها بالثلث لابني . ( قوله لاحتمال أن يكون غير فيها ) هذا ظاهر إذا كانت بغير خط الموصي وأما إذا ثبت أنها بخطه فلا تهمة وتنفذ حينئذ ولو كان فيها وصية لابنه بكثير كما قال أولا .

( قوله وإن قال ) أي الموصي فلان وصي فقط يعم هذا أول الكلام على الأوصياء . واعلم أن طريقة ابن رشد أن الوكالة كالوصية فإذا قال فلان وكيلي فإنه يعم قال في المقدمات وهذا هو قولهم في الوكالة إذا قصرت طالت وإن طالت قصرت ومشى المصنف في الوكالة على خلاف هذه الطريقة إذ قال لا بمجرد وكلتك وهي طريقة ابن بشير وابن شاس فهي عندهم باطلة حتى يعم أو يخص وكأنهم لاحظوا أن الموكل حي يمكنه الاستدراك بخلاف الموصي ا هـ بن .

( فرع ) لو قال فلان وصي وتبين أن فلانا ميت وله وصي فإن علم بموته كان وصيه وصيا وإلا فلا وبطلت كما تبطل إن علم بموته ولم يكن له وصي ا هـ عج .

( قوله حتى تزويج بناته البالغات بإذنهن ) أي ويقدم على العاصب كالأخ والعم وحتى تزويج صغار بنيه .

( قوله بشروطها ) أي إذا خيف عليها الفساد في مالها أو حالها والمراد بالشروط الجنس ; لأن المعول عليه أن المدار على هذا الشرط فقط ( قوله إن أمره به ) أي بالإجبار أو عين له الزوج أي فله حينئذ جبرهن سواء كن صغارا أو كبارا .

( قوله وإلا فخلاف ) أي وإلا يأمره الأب بالإجبار ولا عين له الزوج فخلاف والراجح الجبر إن ذكر البضع أو النكاح أو التزويج بأن قال له الأب أنت وصي على بضع بناتي أو على نكاحهن أو على تزويجهن أو على بنتي تزوجها أو تزوجها من أحببت وإن لم يذكر شيئا من الثلاثة فالراجح عدم الجبر كما إذا قال وصي على بناتي أو على بعض بناتي أو على بنتي فلانة وأما لو قال أنت وصي فقط أو على مالي أو على بيع تركتي أو على قبض ديوني فلا جبر له اتفاقا وهذه الصورة غير داخلة في قول المصنف وإلا فخلاف فلو زوج جبرا فاستظهر عج الإمضاء وتوقف فيه الشيخ أحمد النفراوي وإن زوج من غير جبر فسيأتي في قول المصنف وإن زوج موص على بيع تركته وقبض ديونه صح .

( قوله كما قدمه في النكاح ) أي وحينئذ فيبين إجمال ما هنا بما مر في النكاح .

( قوله ويمكن أن يدخل هذا في الخلاف ) أي فقوله يعم أي كل شيء حتى الجبر بناء على أحد القولين والصواب حذف هذا الكلام لما علمت أنه إذا قال له أنت وصي فلا جبر له اتفاقا وإن هذه غير داخلة تحت قوله وإلا فخلاف ( قوله كوصي حتى يقدم فلان ) هذا تشبيه في العموم والخصوص فالعموم من حيث الموصى به والخصوص من حيث الزمن أي زمن قدوم فلان فهذا الفرع مشابه للمسألة الأولى في العموم وللثانية في الخصوص .

( قوله ولو لم يقبل ) أي فلان الوصية .

( قوله إلا لقرينة ) أي دالة على اعتبار القبول في العزل وأن المراد أنت وصي حتى يقدم زيد ويقبل الوصية فإن وجدت فلا ينعزل إلا إذا قدم وقبلها .

( قوله فإنه يعمل به ) أي وكذا إذا أوصى لها أو لأم ولده بسكنى أو بغلة إلى أن تتزوج أو إلا أن تتزوج فإنه يعمل بما شرط فإذا عقد لها فلا سكنى لها ولا غلة بعد ذلك ولا ينزع منها الماضي من الغلة بزواجها ، ومثل الوصية ما شرطه لها من غلة وقفه إلى أن تتزوج أو إلا أن تتزوج فلا فرق بينهما خلافا لما فيعبق انظر حاشية شيخنا السيد البليدي




الخدمات العلمية