الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 15 ] فصل : وإذا ارتد قوم فأتلفوا مالا للمسلمين ، لزمهم ضمان ما أتلفوه ، سواء تحيزوا ، أو صاروا في منعة ، أو لم يصيروا . ذكره أبو بكر . قال القاضي : وهو ظاهر كلام أحمد . وقال الشافعي : حكمهم حكم أهل البغي ، فيما أتلفوه من الأنفس والأموال ; لأن تضمينهم ، يؤدي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الإسلام ، فأشبهوا أهل البغي . ولنا ، ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال لأهل الردة ، حين رجعوا : تردون علينا ما أخذتم منا ، ولا نرد عليكم ما أخذنا منكم ، وأن تدوا قتلانا ، ولا ندي قتلاكم . قالوا : نعم يا خليفة رسول الله . فقال عمر : كل ما قلت كما قلت ، إلا أن يدوا ما قتل منا ، فلا ; لأنهم قوم قتلوا في سبيل الله واستشهدوا . ولأنهم أتلفوه بغير تأويل ، فأشبهوا أهل الذمة .

                                                                                                                                            فأما القتلى ، فحكمهم فيهم حكم أهل البغي ; لما ذكرنا من خبر أبي بكر وعمر ، ولأن طليحة الأسدي قتل عكاشة بن محصن الأسدي ، وثابت بن أثرم ، فلم يغرمهما ، وبنو حنيفة قتلوا من قتلوا من المسلمين يوم اليمامة ، فلم يغرموا شيئا . ويحتمل أن يحمل قول أحمد ، وكلامه في المال ، على وجوب رد ما في أيديهم دون ما أتلفوه ، وعلى من أتلف من غير أن يكون له منعة ، أو أتلف في غير الحرب ، وما أتلفوه حال الحرب ، فلا ضمان عليهم فيه ; لأنه إذا سقط ذلك عن أهل البغي ، كي لا يؤدي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة ، فلأن يسقط ذلك كي لا يؤدي إلى التنفير عن الإسلام أولى ، لأنهم إذا امتنعوا صاروا كفارا ممتنعين بدارهم ، فأشبهوا أهل الحرب . ويحمل قول أبي بكر على ما بقي في أيديهم من المال ، فيكون مذهب أحمد ومذهب الشافعي في هذا سواء . وهذا أعدل وأصح . إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                            فأما من لا منعة له فيضمن ما أتلف من نفس ومال ، كالواحد من المسلمين ، أو أهل الذمة ; لأنه لا منعة له ، ولا يكثر ذلك منه ، فبقي المال والنفس بالنسبة إليه على عصمته ، ووجوب ضمانه . والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية